هل يسمح الدستور بالتمديد لرئيس الجمهورية؟ _ د. خضر ياسين

تشهد الحياة السياسية في لبنان حالة من الإنقسام والإختلاف في وجهات النظر على أكثر من صعيد، وخاصة فيما يتعلق بموضوع تشكيل الحكومة، الذي صدر بشأنه مواقف متعددة لناحية العملية الدستورية المرتبطة بتأليف الحكومة وما هو الدور الدستوري لرئيس الجمهورية، مما دفع بالبعض إلى المطالبة بإنتخابات نيابية مبّكرة، والبعض الآخر بتقليص ولاية رئيس الجمهورية، في حين يطالب طرف ثالث بتمديد ولايته. في هذه الدراسة سوف نتطرق الى مجموعة من المواضيع الدستورية: كيف ومتى يُنتخب رئيس الجمهورية؟ هل يمكن التمديد له؟ ماذا لو حصل فراغ في سدة الرئاسة ولم يتمكن المجلس النيابي من انتخاب رئيس للجمهورية؟ بلغ عدد الرؤساء الذين تعاقبوا على استلام مقاليد رئاسة الجمهورية منذ العام ١٩٢٦ (٢١) رئيسآ، ثمانية قبل الإستقلال، و(١٣) بعده.انتُخِب الرئيس الحالي للجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون بتاريخ ٣١/تشرين الأول/٢٠١٦، وحصل على (٨٣) صوتآ في الدورة الثانية، بعد فراغ رئاسي استمر لسنتين ونصف، والمادة ٤٩ من الدستور تنص على أنه (يُنتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزآ على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح).لم تتطرق المادة (٤٩) إلى نصاب الجلسة بشكل صريح، لكن جرت العادة على أن لا تُعقد الدورة الأولى قبل اكتمال نصاب ثلثي الأعضاء لإفتتاح جلسة الإنتخاب، وفي هذا الموضوع اعتبرت لجنة الإدارة والعدل النيابية أن اشتراط حصول المرشح على أكثرية الثلثين من أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى يفترض أساسآ حضور ثلثي الأعضاء على الأقل من أجل إمكانية عقد الجلسة والبدء في عملية الإقتراع. وتتم عملية الإنتخاب في جلسة واحدة، فإما أن يُنتخب الرئيس من الجلسة الأولى بغالبية الثلثين، وإذا لم يحصل على هذه الغالبية، يتم الإنتقال في ذات الجلسة إلى دورة أخرى يكتفى فيها بالغالبية المطلقة(النصف زائد واحد). لذلك في حال لم يتأمن نصاب إنعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، لن يتمكن المجلس النيابي من الإنعقاد لهذه الغاية، فنصبح أمام شغور في موقع الرئاسة الأولى، فمثلآ بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود بتاريخ ٢٠٠٧/١١/٢٣، تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى تاريخ ٢٠٠٨/٥/٢٥ الذي انتخب فيه الرئيس ميشال سليمان، كذلك الأمر بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان، حصل شغور رئاسي استمر من تاريخ ٢٠١٤/٥/٢٥ إلى حين انتخاب الرئيس الحالي ميشال عون بتاريخ ٢٠١٦/١٠/٣١. هذا الأمر تطرق اليه الدستور اللبناني في المادة (٦٢) منه التي تنص على أنه عند خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء. فيما يتعلق بالمهلة الزمنية الدستورية التي يتوجب خلالها على المجلس النيابي المباشرة بانتخابات رئاسة الجمهورية، تنص المادة (٧٣) من الدستور على أنه قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكمآ في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، فماذا تقصد هذه المادة؟ إن المهلة الدستورية التي يتوجب خلالها انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي تبدأ من (٣١ آب حتى ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٢)، وعندما تبدأ هذه المهلة يكون من صلاحية رئيس المجلس النيابي توجيه الدعوة إلى جلسة الإنتخاب، ولكن على إفتراض عدم توجيه هذه الدعوة من قبل رئيس المجلس، تقول المادة المذكورة أن المجلس ينعقد بشكل حكمي في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، لذلك هذا الإنعقاد الحكمي لا يمكن حصوله إلاّ في حالة وحيدة وهي عدم توجيه الدعوة لجلسة الإنتخاب، وفي هذا السياق لم يتردد رئيس المجلس فيما يتعلق بالإنتخاب الرئاسي الأخير من توجيه الدعوة للمرة الخمسين، لكن الإنتخاب لم يكن يحصل بسبب عدم توافر نصاب جلسة الإنتخاب. فعندما يوجه رئيس المجلس الدعوة لجلسة إنتخاب رئيس الجمهورية، والمجلس لا يتمكن من الإجتماع لسبب ما، وحتى لو انقضت المهلة الدستورية المحددة يبقى لرئيس المجلس الحق بتوجيه الدعوة بهدف تأمين الإستحقاق الإنتخابي. السؤال الذي يُطرح أيضآ هو هل يسمح الدستور اللبناني بتمديد ولاية رئيس الجمهورية وعندها تتجاوز ولايته مدة (٦) سنوات المحددة في الدستور؟ في العام ١٩٨٩ انتُخب النائب الياس الهراوي رئيسآ للجمهورية، ووفقآ لنص المادة (٤٩) من الدستور تنتهي ولايته في العام ١٩٩٥، إلاّ أنه خلال العام المذكور أقر المجلس النيابي قانون التعديل الدستوري الذي مدد ولايته لثلاث سنوات حيث انتهت ولايته في العام ١٩٩٨، في هذا العام انتُخب الرئيس إميل لحود وكان من المفترض أن تنتهي ولايته في العام ٢٠٠٤، لكن المجلس النيابي أقر قانون التعديل الدستوري الذي مدد ولايته لثلاث سنوات تنتهي بتاريخ ٢٠٠٧/١١/٢٣. لذلك إن أي تمديد لولاية الرئيس الحالي التي تنتهي في تشرين الأول من العام ٢٠٢٢، يحتاج إلى تعديل المادة (٤٩) من الدستور التي تحصرها بست سنوات، وهذا التعديل يتطلب إجراءات مشددة خاصة لناحية النصاب، الذي هو ثلثي عدد أعضاء المجلس النيابي بالنسبة لنصاب جلسة التعديل، وذاته بالنسبة للموافقة على التعديل.

Leave A Reply