هي مرحلة جديدة من الحرب إنتقل إليها العدو الاسرائيلي مع لبنان، تعتمد على القتل الجماعي من خلال تفجير أجهزة “البيجر” والأجهزة اللاسلكية المفخخة على مدار يومين متتاليين، بهدف إرباك المقاومة وضرب معنويات البيئة الحاضنة، ورسم صورة إنتصار ما تزال إسرائيل تفتقدها منذ السابع من أكتوبر الفائت.
لا يختلف إثنان على أن عملية تفجير أجهزة الاتصال هي موجعة جدا، وتمثل إختراقا سيبرانيا – أمنيًا غير مسبوق، وتحتاج الى كثير من الدراسة المعمقة ومن التحقيقات الدقيقة والعلمية والتقنية خصوصا بعدما عمد العدو في اليوم التالي لتفجير “البيجر” الى تفجير الأجهزة اللاسلكية التي أوقعت ٢٠ شهيدا و٤٥٠ جريحا.
ولا شك في أن قيام حزب الله بنعي عشرة من الشهداء بتفجير الأجهزة اللاسلكية، يعني أن هناك عشر شهداء من المدنيين كانوا يستخدمون هذه الأجهزة، ما يؤكد أن إسرائيل إستهدفت بعملياتها السيبرانية الشعب اللبناني بكامله وليس المقاومة وبيئتها، وهذا ما دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الطلب من مجلس الأمن الانعقاد للبحث في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحق لبنان وشعبه، متسائلا: أين الرأي العام العالمي مما يقوم به العدو؟ وأين هي المواثيق والأعراف الدولية وشرائع حقوق الانسان؟.
يمكن القول، إن حزب الله إستوعب العمليتين الارهابيتين الاسرائيليتين، وكذلك بيئة المقاومة، حيث إستأنفت المقاومة عملياتها العسكرية في جبهة الإسناد وقصفت تجمعات للجنود ومراكز عسكرية ومرابض مدفعية بالصواريخ في القطاع الغربي وفي قاعدة بيت هلل وبياض بليدا والجولان المحتل، كما إستكملت بيئة المقاومة تشييع الشهداء بزخم وبمشاركة كثيفة في مختلف المناطق بالرغم من إنفجار جهاز لاسلكي في أحد التجمعات في الضاحية الجنوبية وتحت أنظار المسيرات الاسرائيلية.
وتشكل كلمة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اليوم مفصلا في المرحلة الجديدة، وهي ستؤكد أن المقاومة ما تزال بخير وبجهوزية كاملة وأن الرد سيكون حتميا، وربما يكون هذه المرة من دون ضوابط ومن دون سقوف كما سبق وأعلن نصرالله في حال عمد العدو الى توسيع الحرب، ما سيضع حدا للنشوة الاسرائيلية، ويعيد المستوطنين الى الملاجئ بانتظار الرد الموجع الذي ستنفذه المقاومة التي سبق وأوجعت إسرائيل في قاعدة “غليلوت” بإيقاع عدد كبير من القتلى والجرحى بحسب مصادر أوروبية وغربية، وبالتالي فإن من إستطاع أن يصل بالمسيرات الانقضاضية التقليدية الى تخوم تل أبيب يستطيع بالصواريخ الباليستية والدقيقة أن يضرب العديد من الأهداف، خصوصا أن السيد نصرالله سبق وأكد أن المقاومة قادرة على تدمير مصانع إسرائيلية مختلفة في شمال فلسطين تصل كلفتها الى أكثر من مئة مليار دولار خلال ساعة أو ربما نصف ساعة.
في غضون ذلك، وضع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو هدفا أساسيا للمرحلة الجديدة وهو إعادة المستوطنين النازحين الى شمال فلسطين المحتلة بأمان، وبناء على ذلك جرى تفويضه مع وزير الدفاع يوآف غالانت من قبل المجلس العسكري للتعامل مع حزب الله وجبهة الشمال، ما تطلب نقل الثقل العسكري الصهيوني اليه.
ولا شك في أن هذا التدبير العسكري من شأنه أن يمنح المقاومة حرية في الحركة وفي إستهداف تجمعات الجنود وإيقاع الخسائر في صفوفهم بشكل أكبر، خصوصا أن الاجتياح البري الذي تهدد به إسرائيل ما يزال ممنوعا من الصرف أولا بفعل الرفض الأميركي للحرب الميدانية المفتوحة عشية الانتخابات الرئاسية، وثانيا لكون الجيش الاسرائيلي المنهك بالحرب على غزة غير مؤهل لخوض حرب من هذا النوع، في ظل جهوزية المقاومة على الحدود والبروفات التي حصلت لجهة التصدي لأي تسلل، الأمر الذي سيجعل فرق الجيش التي انتقلت الى الشمال تحت مرمى نيران المقاومين القادرين على إستهدافها واستنزافها أكثر فأكثر..
نفذ العدو عملياته الجبانة المتمثلة بجرائم الابادة، وبعد كلمة السيد نصرالله اليوم، سيأتي دور المقاومة من جديد على جبهتيّ الاسناد والانتقام، حيث يفترض أن يصار الى تأديب إسرائيل وإجبارها على العودة الى الالتزام بقواعد الاشتباك من خلال تفعيل توازن الرعب، والتأكيد على قوة الردع التي ما تزال المقاومة تمتلك زمام المبادرة فيها، إنطلاقا من عقيدتها الثابتة وسلاح الارادة والعزيمة، فضلا عن السلاح المادي الذي لم يُستخدم الموجع والمُبكي منه حتى الآن، ما يؤكد أن نتنياهو الساعي لاعادة المستوطنين الى الشمال بأمان، بات لزاما عليه أن يفتش عن إقامة دائمة لهم في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا يعني فشلا جديدا يضاف الى الفشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة.
غسان ريفي – سفير الشمال