لم أشبع من احتكاك اليوم بالأمس

حسام علي حمدان

1

أَدِر التِّلفازَ أودُّ المُشاهدةَ

فَلَمْ أشبعْ بعدُ

مِنْ احتكاكِ اليومِ بالأمسِ

في لحظةِ انتقالْ

وما بينَ رمي حجرِ النَّردِ

وقطعةِ النّقدِ الفِضِّيةِ

ألفُ احتمالٍ واحتمالْ

وتكوينِ الوجودِ طابةً

تُقذفُ بلا وعيٍ

إلى العَدَمِ والزَّوالْ

ما زالت الأقواسُ تتجمَّعُ

لِتكوِّنَ حدودَ الدّائرةْ

والنجومَ تحومُ كأنَّها

ما قيلَ عنهُ

الصُّحونَ الطَّائرةْ

ولا يزالُ الدَّفترُ بسطورهِ

مصنعاً قديماً بعيداً

للأكوانِ الباهرةْ

على طاولةٍ بخشبٍ عتيقْ

أستلُّ قلمي فأستفيقْ

أكتبُ أسماءَ بناتي

الكُبرى خُمولْ

والصُغرى جِدالْ

وبينهُما ذَكّرٌ يُدعى سؤالْ

رهينَ العقلِ 

مُشرَّدَ العواطفْ

ابنتهُ الوحيدةُ

تبحثُ جاهدةً عن موقفٍ

بعدما سَمِعَتْ أنَّ النَّاس

مع الواقفْ

حتَّى تنجلي المواقفْ

تبحثُ عن جَبَلٍ

يُعطي البحرَ مِنشفةً

فإتي أنا المصلوبْ

أُزيلُ المساميرَ عن شُعلتي

وأُبعثُ كما العنقاء

من دونِ رمادٍ وماءْ

وأخطِفُها

لِنحترقَ في قُبلةٍ

تُعطي من الجُّوريّ

بتلةً ورديَّةً عذراءْ

ونذوبَ كما الماءُ في الرِّمالْ

كذلِكَ يُلفظُ السُّؤالْ

تحرّرَ من النّيرِ وتفكَّكْ

وروداً وفواكهْ

ودموعاً في أخاديد الزّوالْ

2

امسحِ اسمكَ وانتظرْ

كما النّبيُّ يُضيءُ

مِنْ بين الرُفاةْ

كما بعدَ أوّلِ صرخةٍ

تولدُ الفتاةْ

كما الزُّهورُ تتفتَّحُ

بينَ فرّاغاتِ البنادقِ

وأحذيةِ الجُّنودِ المُشاةْ

وانتظرْ

الجَّليدَ اللاهبَ بالقهرِ

ليذوبْ فوق رؤوسِنا

ويسقُطَ صوامعاً للحبوبْ

تمسحُ عن الجَّبينِ عَرقهُ

وعن سِجلَّاتِ اللهِ

دفاتِرَ الذُنوبْ

وانتظرنا

نحنُ من صنعَ الشّمسَ

من العلكةِ الملوَّنةِ

ومن الجواربِ

نحنُ من صنع الشَّمسَ

ونحن من ركبَ البحرَ

وعانقَ الأسماكَ

وجلسَ رسولاً

على المائدةْ

يتناول الحصى

قبلَ زوجتهِ العائدةْ

يُناقِشُ الطُّغاةَ

ويعفو عن ضيغمٍ

التهمَ النِّعاجْ

ومزَّقَ أحلامَ البناتْ

كأنَّهُ ليسَ رسولاً

كأنَّهُ ليس وهماً

أعيدوني إلى زنزانتي

يا أولادَ الزُّناةْ

وأعطوني حبلاً

وعصا، أُمزِّقُ

أجيالاً من السُّكاتْ

وأزرعُ العِظامَ الصَّغيرةَ

سنابلَ وآفاقاً

تضُجُّ بالحياةْ.

3

وما بينَ يديَّ وجُرحٍ

وسطَ نهديها الصَّغيرينِ

ثبَّتتُ القناةْ

أُراقِبُهما أبيَضَينِ

يتحرّكانِ

في فوّهتيهما

كأنَّهُما البُركانْ

ويثورانِ شهوةً

ويقذفانِ عنوةً

طيوراً وأغصانْ

وما بينَ يديَّ وجرحٍ

مِبضعٌ وضمادةْ

أشُقُّ بهِ صدرَها

كما الدّبابةْ

خطَّاً يحاذي يميني

ويُعامدُ جبيني

ذا الفكرِ والتّخيُّلِ

اللعوبِ المَجونْ

تسيرُ يدي هادئةً

كأنَّها فئرانُ الأنابيبِ

أو غربانُ السُّجونْ

كأنَّها العذراءُ

في طريق المعبدْ

تحملُ طفلتها

غافيةً حدَّ المرقدْ

وما بين المرقدِ والمعبدِ

مسجدْ

صلَّتْ بهِ كاذبةً ومَشَتْ

وما بين المرقدِ والمسجدٍ

موقِدْ

فَيُعلَّقُ الطِّفلُ لِيُشنقَ

قد كانتْ عذراءَ حمقاء

والطفلُ ليس لها

بل إنَّهُ ابنُ السَّطرِ والقلمْ

إنَّها هديَّةُ القّدّرِ

وهِبةُ نورِ السّماءْ

ويتابعُ سيرّهُ المِبضعُ

ويحيكُ المواقعْ

للرَّصدِ والتَّحرّي والاكتشافْ

ويبني مِنصَّةً ومِشنقةً

للاعترافْ

العذراءُ حربٌ

والجّسَدُ السّاخنُ جبهةٌ

والنَّهدُ الصّغيرُ بركانْ

قد كانتْ عالماً ومجرّةْ

وضحكةً وغُفرانْ

4

أحضِرْ وشيعةً نُحرِقُها

نوراً يُضيءُ الظُّلماتْ

واكتُب على جسدي

قوانينَ الفيزياء

علَّها تكونُ شفيعتي

فقدْ سَمِعتُ أنّهُ

يُحِبُّ العِلمَ

ولجّةَ السّؤالْ

ويرغبُ ضبابيّ الجّواب

ويسعى نحو الكمالْ

يعشقُ السِّحرَ

والفتيات العذراواتْ

هذا ما تحدّثوا عنهٌ

الآنَ مُنصتينُ

في اتّصالْ

بأنّهُ الموتُ

ينتظرُ منكَ ذلّةً

ليأتيكَ على مهلٍ

ويأخُذُكَ في رحلةٍ

ذاتِ دروبٍ موحلاتْ

ونباتِ صَّبارٍ ولبلابْ

يتفرعنُ ويخيفُ

الشُّجيراتِ المُزهرات

ويرفعُكَ مراتباً

من الهبوط

كم أعشقُ العلاقاتِ العكسية

يا ليتني كُنت

أُستاذَ رياضيّات!

لا تُصارحْ المُشاهِدْ

بما يدورُ في الجُّحورْ

ولا تُخرِجْ العمياء الشَّقراء

إلى الفيء والنّور

فَلَنْ يختلفَ عنها شيء

الحقيقةُ غُيِّبتْ وأُطعِمتْ لنا

من العِنبِ الأحمرِ عنقودْ

ومن معاملِ البلاستيك

وسقطِ المتاعِ

علّاقاتِ ملابسَ وورودْ

قد أخفوا العدد

وتحدّثوا عن المعدودْ

وكتبوهُ مرآينَ ضاحكينْ

على سطور الصّفحاتْ

يا ليتني كُنتُ أُستاذ رياضياتْ.

المصدر: النهار

Leave A Reply