الدكتور العاملي : أقدم الخطباء الحسينيين المعممين في لبنان

 

يوسف العجمي

قلة هم الخطباء الحسينيون الذين تمكنوا من الجمع بين العِبرة والعَبرة ، فالملاحظ أن الخطيب الحسيني الذي تميز بقوة البحث العلمي على المنبر ابتلي بضعف ذكر المصيبة في ختام مجلسه ، والذي تفوق في قوة ذكره المصيبة ابتلي بضعف البحث .. فالخطباء الذين توفقوا للجمع بين الفضيلتين هم قليلون ، ويكاد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين في تاريخ الشيعة .. ويمكن بعد المتابعة والمراقبة اعتبار خطيب منبر سيد الشهداء عليه السلام الدكتور الشيخ إبراهيم العاملي من هذه القلة القليلة الذين جمعوا بين المنقبتين والفضيلتين .. وهذا ما شهد به العلماء والخبراء الذين حضروا ويحضرون مجالسه بين دول الخليج والعراق ولبنان وغيرها من الدول التي خطب ويخطب سماحته فيها .. لقبه العلامة الحجة الشيخ محمد علي الحاج العاملي مؤسس ومدير حوزة الإمام السجاد العلمية ب ” كبير الخطباء اللبنانيين ” إعترافاً منه بكونه أقدم العلماء المعممين اللبنانيين الحاليين الذين يتصدون لمهمة قراءة مجالس العزاء الحسينية .
ولعل تاريخ خطباء جبل عامل الحسينيين لم يشهد فيما مضى خطيباً حسينياً اجتمعت فيه المزايا التي تميزت بها خطابة الدكتور العاملي الحسينية من حيث مجموع هذه المزايا .. نعم قد يكون قد فاقه الكثيرون من بعض الجهات ، ولكنه تميز في جامعيته لكل عناصر الخطابة الحسينية الناجحة في المجلس الواحد ، فتجد في منبره قوة العِبرة وقوة العَبرة .. قوة البكاء وقوة البحث العلمي .. وقرأ في مجالس المراجع والفقهاء بين إيران والعراق ولبنان والكويت ومشهد السيدة زينب بدمشق وغيرها .. فاستحق لقب عالم بين الخطباء كما شهد له بذلك مراجع وفقهاء في طول فترة دراسته الحوزوية وخدمته الحسينية ..
والدكتور العاملي بدأ رحلته في الخدمة الحسينية منذ نعومة أظفاره ، حيث كان يتقلد عمامة جده الشيخ عباس ، ويرتقي منبر سيد الشهداء عليه السلام .. وقد سُجِّل له أول ارتقاء للمنبر الحسيني في سن الخامسة من عمره عندما بدأ بتعلم القراءة والكتابة في المدارس الابتدائية .. وترقى في الدراسة الابتدائية التي ترافقت مع دراسته لمقدمات علوم العربية ، وحفظه للقرآن الكريم ، ودراسته لعلم التجويد ، ونيله شهادة في حفظ القرآن وتجويده في العاشرة من عمره ليشرع بعدها بدراسة المرحلة المتوسطة متزامنة مع درسه كتاب : ” القواعد العربية ” في أربعة أجزاء ، وخلاصة في علم البلاغة وعلم العروض والقافية ، ودراسته لأربع سنوات الفقه على المذاهب الخمسة ، والتفسير للأجزاء الأربعة الأخيرة من القرآن ، وفي نهاية هذه المرحلة كان أول ارتقاء جماهيري له للقراءة الحسينية بقراءة المقدمة في مجالس الخطيب الحسيني الشهير المرحوم العلامة الشيخ عبد الوهاب الكاشي الذي التزم بتعليمه وتدريسه أسس الخطابة الحسينية والقواعد المنبرية ، وأرسله ليقرأ مكانه في العديد من المجالس اللبنانية كمجلس الشيخ مرتضى عياد ومجلس السيد أحمد زكي تفاحة ومجلس الشيخ محمد حسن القبيسي ومجلس الشيخ عبد الكريم شمس الدين ومجلس آل شرف الدين في صور وغيرها .. وشهد له المرحوم الكاشي بأنه يسد الفراغ مكانه في الخدمة الحسينية ..
وقرأ الدكتور العاملي في طوال مسيرته الخطابية الحسينية في أهم المجالس الحسينية اللبنانية سيما فاتحة المرحوم الكاشي نفسه التي حضرها المرحوم الدكتور الشيخ أحمد الوائلي الذي خاطب يومها الدكتور العاملي بعد نزوله عن المنبر بالقول : ” أنا أفتخر بك واعتز بك ” ، وحضر هذه الفاتحة يومها ما يقرب من خمسمئة عالم وأكثر من ثلاثة آلآف من المشاركين .. ومن أهم المجالس التي قرأ فيه الدكتور العاملي – أيضاً – في لبنان مجلس فاتحة زوجة المرحوم السيد عبد الصاحب الحسني والتي حضرها جل علماء الطائفة .. ومجلس تأبين الشهيد الميرزا علي الغروي ، ومجلس تأبين الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي ، ومجلس تأبين السيد حسين بحر العلوم ، ومجلس تأبين الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر ، ومجلس الذكرى السنوية للسيد محمد الحسيني الشيرازي ، ومجلس فاتحة جدة الشيخ عبد الحسين صادق في حسينية النبطية الذي حضره كل علماء الجنوب يومها ، والتزم لسنوات بالقراءة في مجالس الفقيه كنج الفاطمي صاحب موسوعة : ” مستند منهاج الصالحين ” الفقهية الاستدلالية ، وفي عاشوراء وليالي الجمعة في حسينية أبو رياض الخنسا في منطقة الغبيري التي كانت محور القراءة في بيروت يوم لم تكن الأحزاب قد قررت مجالسها المركزية .. ولما أسس جمعية محبي أهل البيت عليهم السلام في حي المصبغة في منطقة الشياح كانت مجالسه تستقطب الجماهير والشباب من أطراف بيروت لسماع مواعظة وطريقته الشجية في عرض مصائب عاشوراء .. وقرأ لسنوات في عاشوراء والليالي العشر الفاطمية وغيرها في بعلبك في حسينية أبي الفضل العباس عليه السلام في حي الشيخ حبيب ومجلسه كان هناك الأكبر من حيث الإقبال عليه ، وقرأ لسنوات مديدة في عاشوراء في مآتم مجموعة من فقهاء الجنوب منهم الفقيه الشيخ إبراهيم سليمان رحمه الله ، والفقيه الشيخ محمود قانصو سلمه الله ، والقاضي السيد عبد الله شرف الدين رحمه الله ، والعلامة الحجة السيد فخر الدين أبو الحسن رحمه الله وغيرهم ، وقرأ في عاشوراء وغير عاشوراء في مآتم أكثر العلماء في لبنان ، وكانت له مشاركات كثيرة تعرض لتفصيل بيانها والده في كتابه المعد للطباعة : ” الدكتور العاملي ومنابره الحسينية ” وهو من أفادنا بأكثر معلومات هذا المقال مشكورا ..
أنهى الدكتور العاملي الدراسة المتوسطة والتحق بالحوزة العلمية ، ودرس في معاهد بيروت الحوزوية لينتقل بعدها إلى حوزتي قم المقدسة والنجف الأشرف وغيرها من الحاضرات الحوزوية ، فحضر الدروس الحوزوية لثلاثين سنة ، كما درس إلى جنب دراسته الحوزوية الثانوية العامة وليسانس في الحقوق ، ونال شهادتي دكتوراه في الدراسات القرآنية والشريعة والقانون ..
وكانت قراءته الحسينية في لبنان بلا لون سياسي وإن كان قد قرأ لكل التيارات والتوجهات والاتجاهات ، لينطلق من مجالس لبنان ومشهد السيدة زينب بدمشق إلى دول الخليج والعراق وإفريقيا وغيرها مؤدياً الرسالة الحسينية بكل تفانٍ وتضحية .. فأعطى صورة ناصحة عن الخطابة الحسينية العاملية ، تميزت بالابتعاد عن الغلو ، وبالخطاب العلمي الذي وقع ويقع موقع احترام العلماء والباحثين والمثقفين من كل الطبقات والفئات ، فكان حقاً قدوة الخطباء العامليين في فكره وروحانيته ، وفي قوة الأداء وغزارة العطاء ، ومن حيث النغمة الشجية التي يكثر بها البكاء ، وشهد له بذلك القاصي والداني ، كما عرضت مجالسه أكثر من خمسين قناة فضائية حتى الآن .. وتخرج من دوراته العشر التي أقامها في لبنان لتعليم الخطابة الحسينية أكثر القراء الحسينيين اللبنانيين الحاليين ..
ويبقى الدكتور العاملي أقدم الخطباء الحسينيين المعممين في لبنان .. حقيقة لا بد من الاعتراف بها ..

Leave A Reply