فرنجيه صوت العقل الباقي عند المارونية السياسية

عماد جودية – النهار

عام ٢٠٠٩ أي بعد أحداث السابع من أيار عام ٢٠٠٨ بأشهر قال رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه خلال مقابلة على إحدى المحطات المحلية رداً على سؤال: إن السني اللبناني يستطيع أن يواجهني بسنيته لأنه محاط ببحر سني يقدَّر بـ٣٠٠ مليون في العالم العربي، والشيعي اللبناني يستطيع أن يواجهني بشيعيته لأنه محاط أيضاً بـ١٢٠ مليون شيعي في المنطقة، أما أنا كماروني وكمسيحي لبناني فلا أستطيع أن أواجه السني ولا الشيعي اللبناني لا بمارونيتي ولا بمسيحيتي لأن وجودي العددي المتواضع لا يسمح لي، ولكنني أستطيع أن أواجههما معاً بعروبتي وعندها لا يتخطّيانني ويدعمانني ويقفان على خاطري ويقدّمانني حتى عليهما.

هذا الكلام الوطني بامتياز الواعي الذي صدر عن فرنجيه يومذاك عاد وكرّره قبل أيام في بكركي أمام الصحافيين معطياً الشعب الكردي الكريم المثل حيث قال: إنهم يمثّلون حوالي خمسين مليون كردي في المنطقة ولم يعطوهم دولة. فإن كانت الدول الكبرى كذبت عليهم ولم تعطهم دولة فهل هذه الدول ستساند مليون مسيحي في لبنان وتقف على خاطرهم؟ بالطبع لا، معتبراً أن قادة الموارنة عندما ذهبوا إلى الاقتتال عام ٧٣ وعام ٧٥ ودخلوا الحرب الأهلية خسروا لاحقاً نصف سلطتهم، ولهذا قلنا إننا مع اتفاق الطائف ومتمسّكون به للنهاية. وإذا كرّروا الخطأ ذاته هذه المرة فلن يبقى مسيحي واحد في لبنان، داعياً القادة المسيحيين ولا سيما الموارنة منهم إلى التعقل والذهاب للتوافق مع باقي مكوّنات الوطن من أجل إمرار الاستحقاق الرئاسي بهدوء حرصاً على البلد وأهله وحفظاً لما بقي من وجود مسيحي فيه، لأنه هذه المرة إذا ذهبت الأمور بهذا الاتجاه “الله يستر المسيحيين والبلد”.

هذا الكلام العظيم والوطني والحضاري والراقي والواعي المتجدّد لفرنحيه لا لزوم للتعليق عليه فهو كلام جوهري لا يقدَّر بثمن ويثبت أنه “صوت العقل الباقي” بين قادة المارونية السياسية الذين فقدوا منذ الحرب الأهلية إلى ما بعدها وصولاً إلى اليوم بوصلة اتزانهم ورصانتهم السياسية والوطنية نتيجة هزالة أدائهم وصراعهم المستمر التافه والقاسي والمميت على كرسيّ الرئاسة الذي أسقطوا قيمته فحوّلوه من رئاسة وطن إلى رئاسة شخص. وهذه الخلاصة نقولها بحق عن فرنجيه دون تملق سواء اختير للرئاسة أم لا، وقد كان الوزير السابق الصديق مروان خير الدين على صواب عندما وصفه بأنه يمثل الغالبية الصامتة من “لبنانيي الاعتدال” الذين يقوم عليهم بنيان الوحدة الوطنية الصحيحة بمسيحييها ومسلميها بعيداً عن التطرف والتعصب المذهبي والطائفي الذي لم يجلب للبلد وأهله منذ عام ٧٥ إلى اليوم إلا الخراب والدمار والقتل والتهجير والهجرة.

Leave A Reply