لبنان: إنتاج «س س» داخلية لإحياء «س س» الإقليمية؟!

حسن الدر-
«يجب إقناع السّعوديين بأنّهم لا يستطيعون التّعامل مع أسعار النّفط على أنّها قضيّة اقتصاديّة بحتة، منفصلة تماماً عن العلاقات السّياسيّة».. (هنري كسنجر 1974 مستشار الأمن القومي للرّئيس الأميركي ريتشارد نيكسون).
العالم تغيّر بالفعل، ودلالات التّغيّرات التّراكميّة بادية في مقاربات حلفاء الأمس أو خصومه لملفّات ذات أبعاد استراتيجيّة كان الاختلاف أو التّقارب فيها خارج دائرة الاحتمال، والحديث هنا عن إعادة ترتيب لبعض العلاقات الدّوليّة بكلّ انعكاساتها الجيوسياسيّة، ولعلّ الأبرز ما طفا على السّطح بين الولايات المتّحدة الأميركيّة والمملكة العربيّة السّعوديّة.
وإذا كان بعض المراقبين يرى بأنّها غيمة صيف عابرة في سماء الإدارة الدّيموقراطيّة، وأنّ حلول فصل الجمهوريين سيعيد صفاء ما تعكّر، فإنّ البعض الآخر يرى الخلافات أعمق من ذلك بكثير، ويضعها في إطار رؤية 2030 لمملكة جديدة ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا تواكب متطلّبات الزّمن المتغيّر، ولقيادة جديدة متحرّرة من قيود السّياسات الماضية.
ومن هنا يمكن فهم الموقف الجريء الّذي اتّخذته منظّمة «أوبك بلس» بتخفيض الانتاج مليونيّ برميل يومياً، من دون مراعاة مصالح الولايات المتّحدة الأميركيّة وشركائها الغربيين في مواجهة روسيا.
هذا التّحوّل أعاد إلى الذّاكرة موقف المملكة عام 1974 عندما استخدمت سلاح النّفط لأوّل مرّة بهدف الضّغط على الغرب، الدّاعم لإسرائيل، في حربها ضدّ مصر وسوريا.
واستناداً إلى كلام «كسنجر»، بداية المقالة، وربطه تحديد أسعار النّفط بالعلاقات السّياسيّة؛ وفي خضمّ الحرب الشّرسة الّتي تقودها الولايات المتّحدة، اقتصاديًّا، ضدّ روسيا، بسبب الحرب العسكريّة الّتي بدأتها ضدّ حلف النّاتو في أوكرانيا، تعتبر الولايات المتّحدة بأنّ قرار «أوبك بلس» انحياز واضح في صراعات دوليّة وأنّه قرار بُنيَ على دوافع سياسيّة ضدّها وذهب «بايدن» بعيداً في وصف القرار بـ «العمل العدائي ضدّ بلاده».
فيما أكّدت الخارجيّة السّعوديّة بأنّ «مخرجات اجتماعات «أوبك بلس» تنطلق من «منظور اقتصاديّ بحت يراعي توازن العرض والطّلب في الأسواق البتروليّة…».
لكن ما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأسبوع الماضي يوضح سبب الجنون الأميركي، فالصّحيفة ذكرت بأنّ وفداً ثلاثيًّا أرسلته إدارة بايدن برئاسة «عاموس هوكستين» للقاء وليّ العهد السّعوديّ وإقناعه بخطورة قرار تخفيض الانتاج في هذه المرحلة، ولمّا رفض «بن سلمان» طلبهم تمنّوا عليه تأجيل القرار شهراً واحداً لحين الانتهاء من انتخابات التّجديد النّصفيّ كي لا تتأثّر شعبيّة الدّيموقراطيين من زيادة أسعار النّفط، لكنّ «بن سلمان» رفض أيضًا، فكان ردّ «هوكستين»: «موقفكم انحياز واضح لروسيا وعليك الاختيار بيننا وبينها» لكنّ وليّ العهد مضى في قراره!
وفيما كان الأميركيّون يدّعون بأنّ المملكة تساهم في تمويل الحرب ضدّ أوكرانيا، وفي تقوية الاقتصاد الرّوسي في لحظة مصيريّة تضع العالم كلّه على فالق زلازل كبرى قد تطيح بالنّظام العالمي الحالي، وقع الدّيموقراطيّون في موقف حرج، إذ تبيّن بأنّ همّ «جو بايدن» تحسين شروطه الانتخابيّة «وآخر همّه» أسعار النّفط وتوازن أسواق الطّاقة بدليل طلب «هوكستين» تأجيل القرار شهراً واحداً فظهر «بايدن» بمظهر مستجدي الأصوات الانتخابيّة على حساب شعارات الحرّيّة والدّيموقراطيّة والقيم الانسانيّة.
فما مدى تأثير هذه التحوّلات الكبرى على لبنان؟
لطالما تطابقت الرّؤى الأميركيّة-السّعوديّة في مقاربة الملفّات اللّبنانيّة المصيريّة، وهذا ما يضع علامات استفهام وقلق حول انعكاس الخلاف القائم على الاستحقاقات اللّبنانيّة القادمة.
في الأثناء برزت أحداث ومواقف لا بدّ من الوقوف عندها لما لها من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الواقع اللّبنانيّ:
إنجاز ملفّ التّفاهم البحري بين لبنان والكيان الصّهيونيّ، وإنهاء الانسداد السّياسيّ، بسلاسة وهدوء، في العراق عبر انتخاب رئيس للجمهوريّة، بعد سنتين من إجراء الانتخابات النّيابيّة، وتكليف رئيس جديد للحكومة خلفًا للكاظمي. فهل من تنسيق أميركيّ – إيرانيّ أدّى إلى ترييح السّاحتين المتشابهتين في التّعقيدات الدّاخليّة والتّداخلات الخارجيّة؟
إنهاء القطيعة بين حركة حماس وسوريا، وهذا كان متوقّعاً، ولكن المفاجئ هو تزامن زيارة نائب قائد حركة حماس في غزّة «خليل الحيّة» إلى سوريا مع إطلاق المملكة العربيّة السّعوديّة سراح ممثّل حماس السّابق لديها من السّجن بعد أكثر من ثلاث سنوات على اعتقاله. فهل ثمّة تنسيق أمنيّ بين سوريا والسّعوديّة؟
كثرة الحديث عن دور المسيّرات الإيرانيّة في الحرب الأوكرانيّة ما أثار ويثير الكثير من القلق لدى الكيان الصّهيونيّ، بالتّزامن أيضاً مع التّوتّر غير المسبوق بين الولايات المتّحدة والسّعوديّة على خلفيّة قرار «أوبك بلس» وتأثيره الإيجابي لصالح روسيا في الحرب على أوكرانيا. فهل تلعب روسيا دوراً في تقريب وجهات النّظر بين إيران والسّعوديّة اللّتين تساندان روسيا بطريقة أو بأخرى؟
زيارة رئيس دولة الإمارات العربيّة المتّحدة الشّيخ محمّد بن زايد إلى روسيا الأسبوع الماضي والحديث عن طلب وساطة من رئيس روسيا فلاديمير بوتين لحلّ النّزاع في اليمن. هل ينجح بوتين في تسوية النّزاع المستمرّ منذ سبعة أعوام، وهل تمتدّ التّسوية لتشمل العلاقات السّوريّة – السّعوديّة؟
تغريدة السّفير السّعودي في لبنان «وليد البخاري» على خلفيّة الدّعوة الّتي وجّهتها السّفارة السّويسريّة إلى عدد من القوى اللّبنانيّة للتّباحث في سبل حلّ الأزمات اللّبنانيّة، ووضع السّفير خطًّا أحمر حول اتّفاق الطّائف، ما اعتبر إشارة إلى عودة السّعوديّة لأداء دورها الفاعل على السّاحة اللّبنانيّة.
داخليًّا، تستمرّ المراوحة في ملفيّ الحكومة والرّئاسة، ولكن الجديد الّذي يذكر على خطّ الرّئاسة الأولى الزّيارة الّتي قام بها السّفير البخاري إلى عين التّينة ولقائه الرّئيس نبيه برّي، أوساط متابعة أكّدت جدّيّة المملكة في مقاربة الملفّ، وإن كان الحديث لم يتطرّق إلى الأسماء، إلّا أنّ البحث كان دقيقاً وصريحاً، وخصوصاً أنّ الرّئيس نبيه برّي يمثّل ثنائي حركة أمل وحزب الله وللثّنائي دور، لا يمكن تجاوزه، وكذلك المملكة.
وهل تكون رئاسة الجمهوريّة مدخلًا لترتيب أولويّات السّعوديّة في لبنان والمنطقة ليكون الرّئيس الجديد جسر تواصل بينها وبين سوريا، وتعود معادلة «س س» لتعديل الموازين الإقليميّة انطلاقاً من «س س» داخليّة تعيد التّوازن الدّاخليّ في الرّئاستين الأولى والثّالثة؟

Leave A Reply