التأليف نحو تشكيلة “رفع عتب”‏

في الوقت الذي تدل كل المؤشرات الى انّ مصير تكليف الرئيس سعد ‏الحريري سيحسم نهائياً هذا الاسبوع تأليفاً او اعتذاراً، تصدّر موضوع ‏رفع الحصانات كل العناوين السياسية في اعتبار انه يناقش نيابياً على ‏وقع تصعيد ميداني لأهالي شهداء المرفأ مع اقتراب موعد الذكرى ‏السنوية الأولى لانفجار 4 آب، هذه الذكرى الأليمة التي دخل لبنان من ‏الآن في جوّها ومناخها، بدءاً من الاستعدادات الشعبية والسياسية ‏لإحيائها، مروراً بملف التحقيقات الذي تسرّعت وتيرته في محاولة ‏لتقديم جديد حول أسباب الانفجار تزامناً مع هذه المحطة، وصولاً إلى ‏رفع أهالي الشهداء من منسوب حراكهم سعياً إلى حقيقة لا يبدو انّ ‏معالمها ستظهر قريباً، الأمر الذي يؤكد انّ هذا الملف سيبقى في ‏صدارة المشهد السياسي إلى ما بعد 4 آب المقبل. ووفق معلومات ‏‏”الجمهورية” من مصدر رفيع فإنّ المواجهة ستشتد في الايام المقبلة ‏بين المحقق العدلي القاضي طارق البيطار والمدعوين الى التحقيق.‏

بالتوازي مع انفجار 4 آب يبقى المشهد الحكومي متصدراً كل ‏المتابعات والأولويات، من زاوية انّ التأليف يشكل المدخل الوحيد ‏لفرملة الانهيار المالي وتبديد قلق الناس وتهدئة النفوس المحتقنة ‏وتبريد الاحتقان الاجتماعي. وعلى رغم إدراك الجميع لهذه الحقيقة، إلا ‏ان أحداً من المعنيين بالتأليف لا يعمل بموجبها من خلال تقديم ‏التنازل المطلوب الذي يفتح الباب أمام ولادة الحكومة، حيث ما تكاد ‏تهدأ على خط الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني ‏الحر” جبران باسيل حتى تشتعل مجددا، وغالباً بلا مقدمات ولا أسباب ‏موجبة، وكأنّ كل الهدف توجيه رسالة إلى من يعمل على خط التقريب ‏بين الطرفين مفادها “ما تعذِّب حالك، فلا حكومة برئاسة الحريري”.‏

وكانت معلومات قد تحدثت عن انّ الرئيس المكلّف في صدد تقديم ‏تشكيلة حكومية جديدة لرئيس الجمهورية ميشال عون هذا الأسبوع، ‏ولم يعرف ما إذا كان الهدف من التصعيد الأخير ثَنيه عن تقديم هذه ‏التشكيلة، او الضغط للتفاوض حولها قبل تقديمها، او تذكيره بضرورة ‏ان يأخذ في الاعتبار مطالب العهد، وفي مطلق الحالات لا يفيد في ‏شيء تقديم تشكيلة جديدة على وقع إطلاق نار متواصل، لأن أي ‏خطوة من هذا النوع يجب ان تتمّ في مناخات إيجابية وروح تعاون ‏وليس على طريقة رفع العتب، إلاّ إذا كان الحريري يرمي من ورائها ‏الى الاعتذار.‏‏ ‏

ولكن يستبعد ان يُقدم على الاعتذار وحتى على تقديم تشكيلة في ‏الوقت الذي أعلن فيه عن اجتماع مرتقب للحريري مع الرئيس المصري ‏عبد الفتاح السيسي، ومعلوم انّ القاهرة على غرار موسكو تشجعه ‏على الاستمرار في مهمته لا الاعتذار، ولا شك في انّ هذا اللقاء سيمُدّ ‏الحريري بجرعة دعم معنوية في اللحظة التي تحوّل فيها الملف ‏اللبناني أولوية دولية في سياق مشاورات غربية وعربية مفتوحة ‏ترمي إلى منع اي انفجار اجتماعي وتوفير المساعدات الانسانية ‏اللازمة وفتح الباب لتأليف الحكومة.‏‏ ‏

في هذه الاثناء علمت “الجمهورية” انّ الحريري سيزور اليوم، على ‏الارجح، رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا وسيسلمه ‏تشكيلة وزارية جديدة، يُتوقّع ان تكون كناية عن تشكيلة رفع عتب او ‏تبرئة ذمة قبل الإعتذار، أللهم الا اذا فاجأ عون الرئيس المكلف ‏بالموافقة عليها او باعتبارها صالحة للنقاش.‏‏ ‏

وتحضيراً لمرحلة ما بعد الاعتذار المحتمل، يبدو أن المسعى مستمر ‏في اتجاه الحريري لإقناعه بتغطية من سيكلّف بعده أو اقله للحؤول ‏دون تحويل الاعتذار مادة مشتعلة، من شأنها تأجيج الاحتقان السياسي ‏والطائفي، وهذا ما يشدد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في ‏مشاوراته. في وقت علم انّ الموفد الفرنسي باتريك دوريل سيزور ‏بيروت غداُ في محاولة لإنقاذ ما تبقى من المبادرة الفرنسية والبحث ‏في مصير تكليف الحريري.‏‏ ‏

فرصة أخيرة‏ ‏

وكانت محطة “إن بي إن” قد بثّت في نشرتها الرئيسية مساء السبت ‏الماضي انّ الحريري سيقدم تشكيلة وزارية لعون خلال هذا الأسبوع، ‏وصفتها بأنها يمكن ان “تكون فرصة أخيرة للإنقاذ”. لكن مصادر “بيت ‏الوسط” لم تؤكد لـ”الجمهورية” هذه الرواية، ودعت الى انتظار ‏التطورات في الساعات المقبلة.‏‏ ‏

ورداً على سؤال عن إمكان أن تكون هذه الخطوة ترجمة للتفاهمات ‏التي توصّل إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الحريري، قالت ‏المصادر إن الاتصالات مفتوحة بينهما، واذا كان مصدر ما نشرته ‏المحطة الناطقة باسم حركة أمل عين التينة، فإنّ ذلك لن يكون ‏مستبعداً أو مستغرباً.‏

ورداً على الموقف الروسي الذي تبلغه الحريري الجمعة الماضي، ‏اضافت المصادر لـ”الجمهورية” انّ هذا الموقف ليس مفاجئاً وهو ‏ثابت ومعروف منذ زمن، وأي تفسير آخر قد يكون مزاجياً ويفتقر الى ‏الدقة. فمنذ اللقاءات التي جمعت الحريري بوزير الخارجية الروسي ‏سيرغي لافروف في ابو ظبي قبل شهرين تقريباً وما شهدته موسكو ‏من لقاءات منذ تلك الفترة، لم تخرج موسكو عن موقفها الداعم ‏لحكومة يترأسها الحريري.‏‏ ‏

وعن حجم التعاون القائم بين موسكو والثلاثي الجديد الاميركي – ‏الفرنسي ـ السعودي لفتت المصادر الى انّ موسكو “على تنسيق دائم ‏مع الأطراف سواء مع باريس والرياض. اما بالنسبة الى واشنطن فإنّ ‏المفاوضات، وإن تركزت في القمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ‏ونظيره الاميركي جو بايدن، فقد أطلقت دينامية جديدة. وإن على ‏المراقبين الإشارة إلى أهمية الاتفاق الذي تم التوصل إليه أخيرا حول ‏بعض الخطوات الإنسانية في سوريا بخصوص المعابر البرية لنقل ‏المساعدات لربما انسحَب تفاهماً على ما يجري في لبنان. فهناك ‏عوامل مشتركة بين الأزمتين، ولا يمكن تجاهل ان يمتد اي تفاهم في ‏شأن اي منهما الى الأخرى.‏‏ ‏

الى القاهرة‏ ‏

وفي الوقت الذي ما زال قادة تيار “المستقبل” يؤكدون انّ توجه ‏الحريري ما زال ينحو الى الإعتذار، كشفت مصادر “بيت الوسط” عن ‏زيارة للحريري إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ‏الخميس المقبل. وربطت المصادر عبر “الجمهورية” بين هذا اللقاء ‏وبين اللقاء الذي كان قد انعقد بينهما في العاصمة المصرية قبل ‏اسبوعين تقريباً، وانتهى الى اتفاق على التشاور في سبل مواجهة ‏المرحلة الراهنة من الازمة اللبنانية وما يعوق تشكيل الحكومة والأزمة ‏الاقتصادية والنقدية.‏‏ ‏

لقاء للثلاثي الجديد

وفي غضون ذلك، واستكمالاً للقاءات الرياض آخر عنقود اللقاءات ‏التي عقدها الثلاثي الجديد الأميركي والفرنسي والسعودي على ‏مستوى وزراء الخارجية والسفراء، قالت مصادر ديبلوماسية خليجية ‏وغربية ان اجتماعاً سيعقد اليوم في مبنى السفارة السعودية في ‏اليرزة يضم الى السفير السعودي وليد البخاري كلّاً من السفيرتين ‏الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو، بغية البحث في الإجراءات ‏الواجب اتخاذها لترجمة ما تم التفاهم عليه في لقاءات السفيرتين في ‏الرياض قبل ايام.‏‏ ‏

وكانت الأوساط الديبلوماسية حتى مساء امس تحتفظ بكثير من ‏الغموض حول الخطوات العملية التي اتخذت وطريقة تنفيذ ‏التعهدات التي قطعت في لقاءات روما وباريس والرياض في إطار ‏الجهود التي يبذلها الثلاثي الجديد الداعم للبنان من خلال تلك التي ‏ستشمل الدعم المخصص للجيش اللبناني والقوى العسكرية ‏والأمنية، بعد ان تبلغت السفارة السعودية عبر الملحق العسكري فيها ‏حاجات القوات المسلحة اللبنانية، على رغم أنّ الرياض لم تشارك في ‏مؤتمر باريس الذي عقد إلكترونيّاً الشهر الماضي.‏‏ ‏

موفد فرنسي‏ ‏

الى ذلك كشفت مراجع ديبلوماسية لـ”الجمهورية” انّ موفداً فرنسياً ‏يصل الى بيروت اليوم هو الوزير المكلف بالتعاون الاقتصادي ‏والتجاري الفرنسي السيد فرانك ريستير، في مهمة تتصل بالوقوف ‏على حاجات لبنان الاقتصادية والإجتماعية في إطار التحضيرات ‏الجارية استباقاً للمؤتمر الثالث الخاص بدعم لبنان المقرر عقده في ‏‏20 تموز الجاري برئاسة الرئيس ايمانويل ماكرون، والذي سيتناول ‏حاجات لبنان في هذه المرحلة على مختلف المستويات الإنمائية ‏والإعمارية والمعيشية بما يتصل بالخدمات العامة المفقودة.‏‏ ‏

ومن المتوقع ان يبدأ الموفد الفرنسي زيارته الرسمية غداً بزيارة يقوم ‏بها الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس حكومة ‏تصريف الأعمال والحريري، كذلك سيلتقي مسؤولين اقتصاديين ‏وعسكريين.‏

الجمهورية

Leave A Reply