لقاحات أطفالكم بمصرف لبنان: اقلعوا عن الرفاهية وتحمّلوا أوجاعكم

وليد حسين – المدن

لقاحات الأطفال غير مقطوعة من الأسواق. أو بمعنى آخر موجودة وبوفرة. لكن وجودها شبيه بودائع اللبنانيين.. “في الحفظ والصون”. وتنتظر قرار حاكم مصرف لبنان الإفراج عنها. فرياض سلامة صار الحاكم الأول والأخير في قوت اللبنانيين وطبابتهم وسياراتهم.. وبؤسهم، بعدما أغرقهم زعماؤهم السياسيون في البؤس والفقر.

أزمنة القرابين

لكن قبل السؤال عن أزمة لقاحات الأطفال المقطوعة فعلاً من الأسواق منذ أكثر من شهر، فلنتساءل: لماذا ينشغل المواطن بهذا الرفاه لأطفاله؟ عليه الإقلاع عنه فوراً، وحقن طفله بالمتوفر من عقاقير “العودة إلى الطبيعة”، على مثال العودة إلى الزراعة الجنائنية قرب البيوت قوتاً لأيام الفقر والجوع، التي تبارى الزعماء إياهم في دعوة جماعاتهم إليها. فنحن بأزمة تستدعي التضحية في كل شيء، وتقتضي العودة إلى الأزمنة البدائية، أزمنة القرابين والأضاحي على مذبح الآلهة.

المقصود مما تقدم القول إن لقاحات الأطفال بأصنافها الجيدة المستوردة من “الغرب اللعين” غير متوفرة. لأن الشركات المستوردة تنتظر توقيع حاكم مصرف لبنان منذ نحو شهر لاستيرادها بالدولار، اللعين أيضاً. أما تلك التي توزعها وزارة الصحة فمتوفرة. وما على اللبناني الذي اعتاد تلقيح طفله باللقاحات الفرنسية والسويسرية والألمانية والأميركية وغيرها، إلا الإقلاع عن هذا الرفاه “اللعين” كأصحابه، في قاموس زمننا اللبناني الراهن، والذهاب إلى المستوصفات وحقن طفله باللقاحات التي تؤمنها وزارة الصحة مجاناً. فنحن شعب بلغ به البطر حداً غير معقول: اعتدنا على رفاهية تلقيح أطفالنا بلقاحات غربية جيدة. والأجدر بنا تلقيحهم بلقاحات زمن التقشف والفاقة الشرقي الزاحف على مشرقنا من صين العم ماو المترسملة حديثاً وروسيا الخال بوتين ومافياته، بالتكافل والتضامن مع إيران نظام الملالي، لتخليصنا من أخطبوط النيوليرالية الغربية. وهي لقاحات تسبب للأطفال الحرارة والمرض ليومين أو أكثر، يقول أحد أطباء الأطفال، ساخراً من ما وصلت إليه أحوالنا.

ليتحمل أطفالكم المضاعفات

اللقاحات الأساسية لأمراض الشاهوق والخانوق والكزاز والريقان والحصبة والمكورات الرئوية، متوفرة في وزارة الصحة. وصحيح أن معظم أطباء الأطفال يتجنبون استخدامها بسبب الأعراض التي تنجم عنها عند الطفل، ومعظم أهالي الأطفال أيضاً. لكن ما هم؟! فعلينا التضحية برفاه استخدام لقاحات بمواصفات عالمية وموقعة باسم شركات، عملت لسنوات على تطويرها وتنقيتها من أي شائبة تؤدي إلى مضاعفات عند الطفل: حرارة مرتفعة وتورم وشلل موضعي مؤقت وغيرها من الأعراض المزعجة التي تقعد الطفل لأيام في الفراش. أما لقاحات التقشف الشرقي فمعظمها من الهند أو سواها، وتؤمنها وزارة الصحة.

توقيع الحاكم

اللقاحات “الإضافية الضرورية”، أي غير الأساسية (كلمة أساسية تحمل معنى الرفاه أيضاً) مثل المكورات السحائية والجدري أو فيروس روتا أو الريقان ألف، فهي من الكماليات التي لا تتعاطى بها وزارة الصحة.

ولا ينفي أطباء الأطفال إمكان تخزين الشركات المستوردة اللقاحات الجيدة والمضمونة، تحسباً لرفع الدعم عنها. ولا ينفون أيضاً فرضية تهريبها إلى الخارج لتحصيل الدولارات الطازجة. فبحسبة بسيطة يبلغ ثمن معظم هذه اللقاحات المدعومة، ضعفي الحد الأدنى للأجور، في حال رفع الدعم. ومنذ أكثر من شهر يتواصل الأطباء مع الموزعين لتأمين لقاحات زبائنهم المعتادين. والجواب: ننتظر توقيع الحاكم بأمر الله الفاطمي. والنتيجة عدم توفر هذه اللقاحات إلا في بعض المستشفيات الجامعية. أما من يسأل من الأهل عن اللقاحات، فما عليه إلا الذهاب إلى المستوصفات، التي توفر الأساسي منها، التي تأتي عبر منظمة الصحة العالمية.

لقاحات مجانية

منذ أكثر من ثلاثة أشهر بدأت وزارة الصحة تحسب حسابها لهذه الأيام، وإمكان فقدان اللقاحات من الأسواق، بسبب تأخر مصرف لبنان في توقيع الاعتمادات المالية. فطلبت من جمعية طب الأطفال التعميم على الأطباء أنه بإمكانهم استخدام لقاحات الوزارة في عياداتهم، وتلقي أتعاب المعاينة حصراً، شرط لصق إعلان يكتب عليه الطبيب أن اللقاح مجاني. ورفض معظم الأطباء هذا المقترح، لأنهم لا يستخدمون هذه اللقاحات بسبب مضاعفاتها. فالأهل الذين يذهبون دورياً إلى أطباء الأطفال، يفعلون ذلك لتجنب هذه اللقاحات، وتجنيب أطفالهم الأعراض المؤكدة. وجوابهم كان أن تلك اللقاحات تتوفر في المستوصفات مجاناً، وبإمكان الأهل الذهاب إليها من دون تكبد تكاليف معاينة الطبيب. ففي السابق منعت وزارة الصحة على الأطباء شراء اللقاحات من المستورد واستخدامها في العيادات، وحصرت بيعها في الصيدليات. وعندما حَلَّت الأزمة تريد الوزارة وضع الأطباء في مواجهة أهالي الأطفال.

رفاهية الطبابة

على الأهل الإقلاع عن التفكير برفاهية اللقاحات الجيدة، وقد يصلون إلى يوم تصبح فيه زيارة الطبيب رفاهية أيضاً. وعليهم نسيان تلقيح أطفالهم بلقاحات “الكماليات”، على الرغم من موت نحو 500 ألف طفل من حديثي الولادة بفيروس روتا سنوياً في العالم، بسبب إسهال حاد يستدعي دخولهم إلى المستشفى لأكثر من أسبوع. لكن مكافحة هذا الفيروس صار من الكماليات في لبنان. وهو ضروري لكنه ليس إلزامياً كباقي اللقاحات. ودعمه من مصرف لبنان يفتح شهية المهربين. فثمنه عالمياً نحو 50 دولاراً، وعلى سعر صرف الرسمي المدعوم يصبح بنحو 4 دولارات. فليحمل ويباع في سوريا أو في إفريقيا.

الطبابة في المستشفيات رفاهية بدورها. ألم يكن أجدادنا يتطببون في بيوتهم وبالأعشاب؟ وهل نحن أفضل منهم؟ الشعب اللبناني تخطى المعقول في طلب الرفاهية في البلد المنكوب، يقول الطبيب، مضيفاً: جهزوا الأمصال في بيوتكم، سيأتي اليوم الذي لن تتمكنوا فيه حتى التفكير بالذهاب إلى المستشفى.

Leave A Reply