تسير المفاوضات غير المباشرة بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والعدو الاسرائيلي على قدم وساق، حيث أعلن الوسطاء فجر أمس عن الاتفاق على المرحلة الأولى المتعلقة بوقف إطلاق النار الذي يفترض أن يدخل حيز التنفيذ عند الساعة الثانية عشر من ظهر اليوم، وتبادل الأسرى والمعتقلين والانسحاب الإسرائيلي من غزة، كما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إنتهاء الحرب في القطاع، ما يعني إنهاء معاناة شعب غزة المستمرة منذ سنتين شهد فيهما كل أنواع الابادة والتجويع والتدمير والقتل والتشريد على يد مجرم العصر بنيامين نتنياهو.
في الشكل بدا من حضور الموفدين من صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب جارد كوشنير والمبعوث إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ورئيس مجلس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، والموفد التركي رئيس الاستخبارات إبراهيم قالن، فضلا عن الموفد المصري وإستدعاء “حماس” لممثلين عن الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، أن الأمور هذه المرة جدية، خصوصا أن الرئيس ترامب الساعي للحصول على جائزة نوبل للسلام مارس كل أنواع الضغط على نتنياهو للسير في خطته لأن موعد الصفقة قد حان ولا إمكانية لأي مماطلة أو تسويف أو مناورة كما كان يفعل في المرات السابقة، وهو اليوم يحتاج إلى ترامب لحمايته بعد وقف إطلاق النار.
أما في المضمون فإن الوسطاء بذلوا جهودا كبيرة لإزالة كل العقبات أمام خطوات تطبيق وقف إطلاق النار، في حين تعاملت حماس بإيجابية مطلقة ما أدى الى الاتفاق المنشود وحصلت على ضمانات أميركية ودولية لمنع إسرائيل من معاودة الحرب بعد تسليم الأسرى، وهي أي حماس ركزت على ضرورة تسليم خرائط الإنسحاب، وضمان إنسحاب آخر جندي إسرائيلي مع تسليم آخر أسير لديها، كما قدمت أمس كشوفات المحكومين بالمؤبد من القادة الكبار والمعتقلين المطلوب إطلاق سراحهم وفق المعايير والأعداد المتفق عليها، مقابل موافقتها على إطلاق من تبقى من الأسرى الاسرائيليين على قيد الحياة وعددهم يقارب العشرين دفعة واحدة خلال 72 ساعة.
يشير ذلك إلى أن حماس نجحت في فرض شروطها، وهي عملت للحصول على موافقة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ليشمل الاتفاق كل الأطراف المعنية، وهذا ينفي كل مزاعم نتنياهو حول تحقيق أي إنتصار، خصوصا أن أهداف حرب السنتين التي شنها على غزة لم تتحقق، فهو لم يقض على حماس التي فاوضها ووقع الاتفاق معها برعاية أميركية وعربية، ولم يتمكن بالقوة من إستعادة الأسرى الذين سوف يبادلهم بنحو ألفيّ معتقل فلسطيني بينهم ٢٥٠ من المحكومين بالمؤبد لم يكن أحد من المسؤولين في إسرائيل يفكر في إطلاق سراحهم، ما سيعطي حماس المزيد من المعنويات والحضور بعد تحقيق هدفها في إستعادة قادتها الكبار وأبناء شعبها.
في غضون ذلك، وفي حال تم تنفيذ الاتفاق بالتزام إسرائيل بكامل بنود المرحلة الأولى، فإن نتنياهو الذي عطل سبعة إتفاقات خلال السنتين الماضيتين سيواجه الطوفان الحقيقي في الداخل الإسرائيلي بالرغم من دعم ترامب له، حيث لن يفلت من الملاحقات لا من المعارضة بقيادة يائير لابيد الذي يتحين الفرص للانقضاض عليه، ولا من أهالي الأسرى الذين قتلوا في حرب تبين أن لا أفق لها، ولا من المجتمع الاسرائيلي الذي سيحمّل نتنياهو مسؤولية الفشل بدءا من عملية طوفان الأقصى إلى الحرب الاسرائيلية التي لم تحقق أهدافها، فضلا عن قضايا الفساد التي تلاحقه ومن المفترض أن يحاكم فيها.
إذاً، فقد نجحت مفاوضات شرم الشيخ في وقف إطلاق النار، وهي قد تكتب نهاية نتنياهو وتنهي معاناة أهالي غزة وصولا إلى إعادة إعمار المدينة المقاومة التي حرّكت العالم وأحيت قضية فلسطين في عقول وقلوب ونفوس العالم أجمع.
غسان ريفي – سفير الشمال

