جلسة تصفية الحسابات!!

بدل أن تنعقد جلسات مجلس الوزراء أسبوعيا لمعالجة مشاكل المواطنين ومحاكاة هواجسهم وأزماتهم ومعاناتهم من الانهيار الاقتصادي إلى الوضع الاجتماعي إلى الانتخابات النيابية المترنحة، إلى الاحتلال الاسرائيلي والتهديد اليومي بالحرب الموسعة والاستمرار بالاعتداءات والاغتيالات اليومية، باتت إجتماعات الحكومة تشكل مصدر قلق وخوف لدى اللبنانيين خصوصا أن كل جلسة من جلساتها تحمل سلسلة من الألغام مع فتائل تفجير، تنجح التسويات في الدقائق الأخيرة في تعطيلها وسحبها باللجوء إلى صيَغ تمنع إرتباط الانهيار بالانفجار وصولا إلى الإرتطام الكبير.

كل ذلك لا يأتي من فراغ، بل من سعي الرئيس نواف سلام منذ أن أبصرت حكومته النور إلى حشد التأييد الشعبي له وبناء زعامة سياسية لكن من دون جدوى، خصوصا أن ردات فعله الغاضبة هي التي تتحكم بمسيرته وتدفعه إلى التعاطي مع كثير من الملفات بمنطق تصفية الحسابات والكيدية السياسية والثأر الشخصي، الأمر الذي يحول دون تمكينه من ترتيب الأولويات، فيقدم الثانوي ويؤخر المهم ويتجاهل الخطير.

لا شك في أن هذا السلوك السلامي، من شأنه أن يحوّل جلسة مجلس الوزراء اليوم إلى حلبة للصراع المستجد قد ينتج عنها توترات سياسية، البلاد والعباد بغنى عنها، خصوصا أن الحكومة بكاملها ما زالت منشغلة بإضاءة صخرة الروشة بصورة السيدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، تحت شعار الحفاظ على هيبة الدولة التي كُسرت بمخالفة شعبية لتعميم رسمي، وصولا إلى الاستماع إلى وزير العدل عن إجراءات النيابة العامة بحق “المتهمين” بإضاءة الصخرة وكسر هيبة الدولة، والاطلاع على قرار وزير الداخلية بشأن جمعية “رسالات” التي طلبت الترخيص، ومحاولة البعض إظهار بطولات وهمية بتوقيفها أو سحب العلم والخبر منها وتحويلها إلى كبش فداء.

واللافت، هو أن ثمة قناعة لدى الجميع أن ترميم هيبة الدولة لا تكون بالحفاظ على تنفيذ التعاميم الرسمية التي يُضرب بها عرض الحائط يوميا من قبل نافذين ومحظيين ومدعومين ومقربين من دون أن تحرك أي جهة رسمية ساكنا، بل إن ترميم الهيبة يكون بالحفاظ على سلامة الأراضي اللبنانية، والتصدي للعدوان الاسرائيلي، و إنهاء الاحتلال الصهيوني، وإيجاد إستراتيجة دفاعية تساهم في تعزيز الأمن الوطني، أما الأمور الخلافية فمقدور عليها ولا يجوز إعطائها أكثر من حجمها، لأن ما تريده إسرائيل اليوم هو توترات داخلية وصولا إلى فتنة تفسح لها المجال لتوسيع إحتلالها وتنامي إعتداءاتها.

والمستغرب، أن رئيس الحكومة قدّم بند صخرة الروشة وجمعية “رسالات” على كل البنود الأخرى حتى على بند الاستماع إلى التقرير الشهري لقيادة الجيش بما يتعلق بقرار حصرية السلاح والمعوقات التي تحول دون تنفيذه، وذلك بالرغم من أهمية وخطورة هذا البند الذي يتعلق بالسيادة اللبنانية وبنتائج ينتظرها المجتمع الدولي وأميركا.

تشير المعلومات إلى أن الاتصالات قائمة على قدم وساق من أجل الوصول إلى معالجات تفضي إلى تسوية معينة، وأن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون يحاول تصويب الأمور بإعادة ترتيب الأولويات في بنود الجلسة وتأخير بند صخرة الروشة إلى ما بعد الاستماع إلى تقرير قائد الجيش العماد رودولف هيكل، خصوصا أن الرئيس عون يحرص على مقاربة التطورات من منطلق وطني بحت، ويسعى الى إيجاد المعالجات لكثير من القضايا الشائكة بعيدا عن الشخصنة وعن إثارة أي توترات أو استفزازات، كونه يريد أن يحافظ على عهده وعلى أمن وإستقرار البلاد ودرء المخاطر الاسرائيلية عنها والترقب الصهيوني لأي فتنة من أجل إستثمارها، لذلك فإن الهجوم المصطنع الذي يتعرض له الرئيس عون ليس بريئا بل يدخل أيضا في إطار تصفية الحسابات التي جهز البعض لها غرفا سوداء تنشط في مجالات عدة.

سيناريوهات عدة قد تشهدها جلسة مجلس الوزراء اليوم، فإما نجاح إتصالات التهدئة والوصول إلى تسوية لا تكسر هيبة الدولة بحسب توصيف سلام، ولا تستفز بيئة المقاومة، أو إيجاد صيغة توافقية على تأجيل بند الصخرة إلى جلسة مقبلة، أو التفتيش عن قرار “مشكول” يصار إلى سقوطه مع مرور الزمن، أو إصرار نواف سلام على تصفية حساباته مع المسؤولين عن إنارة صخرة الروشة وإتخاذ أقصى التدابير بحقهم، ما قد يؤدي الى إنسحاب الوزراء الشيعة مجددا، والى إعتراضات وإحتجاجات ونزول إلى الشارع تعبيرا عن رفض قرارات كان ينبغي على أجهزة وزارتيّ العدل والداخلية إتخاذها وليس الحكومة مجتمعة، ولكن إذا عُرف السبب وهو أن الرئيس سلام يسعى إلى تعزيز موقعه السياسي وحضوره الشعبي بإرضاء الشارع المناوئ للمقاومة، وفرض وجوده داخل الحكومة على حساب الجميع عندها يبطُل العجب!!..

غسان ريفي – سفير الشمال

Leave A Reply