قرار بنزع السّيادة
لا يوجد في القوانين السّماويّة ولا الإنسانيّة ولا في قوانين العالم قانونٌ أو قرارٌ يبيح احتلال الأوطان أو استعمارها وانتهاك سيادتها. لم يسجّل التّاريخ انسحاب أو تراجع أيّة مقاومة أمام الاحتلال في العالم والشّواهد على ذلك كثيرة. أول من تحدّث عن أهمية تجريد الدّول من قوّتها هو أحد مهندسي السّياسة الأمريكيّّة كيسينجر في كتابه ( الدّيبلوماسيّة) حيث يقول إذا أردت أن تسيطر على أمّةٍ فابدأ بإضعافها وتجريدها من عناصر قوّتها للسيطرة عليها محوّلاً بذلك عمليّة (نزع سلاح الأعداء) إلى استراتيجيّةٍ لفرض
التبعيّة الاقتصاديّة والسياسيّة على الشّعوب وفقاً لما يلي:
1 – إضعاف الجيش ومنع امتلاكه لأيّة قوّة تخوّله الدّفاع عن سيادة الوطن.
2 – فرض عقوباتٍ اقتصاديّةٍ لممارسة المزيد من الضّغط على الدّولة والشّعب تمهيداً للسّيطرة الاستعماريّة الكاملة وفرض الاحتلال (المشرّع) بقراراتٍ دوليّةٍ
3 – طمس الهويّة الوطنيّة
وترسيخ فكرة الاحتلال وتحويلها إلى فكرة الحليف المدافع عن مصالح الوطن من خلال فرض عمليّة التّطبيع
ثبت بالتّجربة التاريخيّة والمعاصرة أنّ من لا يملك القوّة لا يملك قراره وأنّ المقاومة كانت ولا زالت أحد أهم ركائز القوّة العسكريّة والدّيبلوماسيّة للبنان من خلال ما أنجزته من تحرير عام 2000 وما سبقه من مواجهة الاحتلال مروراً بانتصار عام 2006 ووصولاً إلى اليوم بالرّغم ممّا واجهته في معركة أولي البأس في مواجهة العدو الاسرائيليّ مدعوماً بتحالفٍ دوليٍّ لا زالت المقاومة تشكّل عنصر التّهديد الأكبر للكيان الصّهيوني بدليل إنّ ما يحظى به لبنان من اهتمامٍ دولي وزياراتٍ ديبلوماسيّةٍ ما كانت لتحصل لولا سلاح المقاومة الذي لا زال يشكّل الهاجس الأكبر للبيت الأبيض ودوائر صنع القرار في العالم. وما زيارات نائب موفد الرّئيس الأمريكي للشّرق الأوسط مورتان أورتاغوس إلّا شاهدٌ حيٌّ على إنّه بغير القوّّة لا تحمى سيادةٌ ولا يُصان وطنٌ وعليه فإنّ كل ما تدأب عليه واشنطن وتل أبيب هو تجريد لبنان من قوّته وإلحاقه بالمعسكر الأمريكي الاسرائيليّ وتحويله إلى قاعدةٍ أمريكيّةٍ لحماية الكيان الصّهيوني المؤقّت وهو الحلم القديم الذي تحاول بعض
القوى السّياسيّة تجديده رغم تبنيها لسياسة حياد لبنان وعدم دخوله في سياسات المحاور والتّحالفات عندما تتعلّق المسألة بدعم إيران للمقاومة وبناء محور مقاوم لمواجهة
الكيان الصّهيوني ووضع حدّ للغطرسة الأمريكيّة في المنطقة، في حين تتبنّى نفس الجهات النظريّة الأمريكيّة الاسرائيليّة في نزع سلاح المقاومة بل إنّ بعضها يذهب إلى أبعد من
ذلك من خلال إعلان استعداده لتجنيد نفسه مجاناً في معركة نزع سلاح المقاومة دون إدراك خصوصيّة لبنان وجنوبه خصوصاً في معاناته مع العدوّ الاسرائيليّ التي بدأت معه
منذ نشوء ذلك الكيان واحتلاله لفلسطين عام 1948 ودون البحث عن وضع استراتيجيّةٍ دفاعيّة تحمي لبنان وتصون سيادته أولئك الذين يريدون إعادة لبنان إلى زمن ( لبنان
القوي بضعفه) لم يعانوا ما عاناه الجنوبيّون من العدوّ الاسرائيلي فهم لم تُنسف منازلهم ولم يؤسر أبناؤهم في المعتقلات ولا يدركون معاني التّشبث بالأرض والنّزوح عنها، لم يقتلوا ظلماً وجوراً ولم يقدّموا أبناءهم قرابين على مذبح الوطن ولم تساومهم أمريكا على بناء منازلهم المدمّرة مقابل التّخلي عن سلاح المقاومة، وبالرّغم من كلّ تلك
التّضحيات الجسام لا زالت المقاومة خيارهم الأوّل والأخير وقد جسّدوا ذلك في انتخابات المجالس البلديّة والاختياريّة، لذا فإنّ منع امتلاك لبنان وجيشه أيّ سلاحٍ يردع العدوّ
الذي لا يزال حتّى السّاعة يحتلّ العديد من المواقع في الأراضي اللبنانيّة مسجّلاً أكثر من ثلاثة ألف خرق للاتفاق وفي ظلّ استمرار خروقاته اليوميّة من خلال استهداف قرى
وأبناء الجنوب على مرأى من القوّات الدوليّة التي تحوّلت إلى عينٍ للاحتلال وحامٍ له ،فبالرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لا زال العدوّ الاسرائيليّ يعيق عمل وتقدّم الجيش اللبنانيّ في الجنوب محوّلاً الاتفاق الى (غطاءٍ شرعي) لاعتداءاته على لبنان برعايةٍ أمريكيّةٍ فرنسيّةٍ في ظلّ صمتٍ دوليٍّ. إزاء كلّ ذلك فإنّ محاولات واشنطن الحثيثة لنزع سلاح المقاومة ستبوء بالفشل، فنزع السّلاح يعني تجريد لبنان من قوّته وبمعنى آخر إنّ نزع سلاح المقاومة في لبنان هو انتزاعٌ لسيادته واستقلاله وإلزامه بتوقيع (اتفاقية سلام) مع العدوّ الاسرائيليّ. أما بقاء السلاح ضمن استراتيجيّةٍ دفاعيّةٍ فيعني امتلاك لبنان للقوّة التي تحدّ وتمنع العدوّ من التماهي
في عدوانه وتسقط مشاريعه التوسعيّة، وبقاء السّلاح لا يلغي قيام الدّولة بل يشكّل ركيزةً ثابتةً لبناء دولة قويّة وقادرة على فرض سيادتها دون اللجوء إلى الامم المتحدة وغيرها
من المؤسّسات الدّوليّة التي باتت شاهد زور بل شريكاً في قتلنا من خلال صمتها أمام اعتداءات العدوّ على لبنان ، وما تمسّكنا بالسّلاح الا كتمسّكنا بسيادتنا واستقلالنا وتشبثنا بأرضنا ووطننا الذي سيّجته دماء الشّهداء.