يطلّ الاحتلال الاسرائيلي رسميا بوجهه القبيح مهما حاول البعض إستخدام مستحضرات التجميل ونسج العبارات المنمقة التي تزيده بشاعة، خصوصا أن النهج التوراتي الذي يعتمده العدو سواء في فلسطين أو في لبنان بدأ يترجم في إعلان إسرائيل بأنها تتمسك بخمس نقاط إسراتيجية في الجنوب ولأجل غير مسمى، وذلك بدعم من الولايات المتحدة الأميركية التي نقضت تعهداتها ووعودها بالضغط على العدو للإنسحاب في الوقت المحدد، وتحت أعين لجنة المراقبة الدولية التي بات وجودها لزوم ما لا يلزم، واللجنة الخماسية التي تحولت الى شاهد زور على الاعتداءات الصهيوينة.
هي المماطلة التي إعتمدتها إسرائيل ومهدت لها أميركا بدءا من عدم الالتزام بمهلة الستين يوما، ومن ثم بالتمديد القسري، وصولا الى عودة إسرائيل الى لبنان كقوة إحتلال بعد 25 عاما على التحرير، حيث ضربت القرار 1701 وإتفاق وقف إطلاق النار بعرض الحائط، فيما تلزم أميركا والدول الراعية لبنان بتنفيذه بحذافيره وذلك ضمن سياسة الكل بمكيالين.
هذا السلوك يُحرج العهد الجديد وحكومته التي تفتش عن كيفية حماية مطار بيروت من خلال تلبية الاملاءات الاسرائيلية بمنع الطائرات الايرانية من الهبوط فيه، وهو أمر قد يتطور الى إملاءات أخرى وربما تكون أكثر قساوة، في ظل صمت مطبق للتيارات السياسية “السيادية” التي تبلع ألسنتها وتقدم فروض الطاعة والولاء أمام ولي الأمر الأميركي.
لم يكتف العدو في البقاء ضمن النقاط الخمس، بل هو عاد الى شن الغارات في العمق اللبناني بهدف الاغتيالات من عربصاليم الى صيدا، فضلا عن إمعانه في تدمير المنازل وتخريب ممتلكات الجنوبيين على غرار ما حصل في كفرشوبا أمس وقبل ذلك في كفركلا، وهو لم يتوان عن منع طاقم طبي مع سيارة إسعاف من الدخول الى حولا لإنقاذ شابة جريحة برصاص الاحتلال بقيت تنزف أمام أعين أهلها الى أن إرتقت شهيدة، ما يشير الى أن لبنان ليس مقبلا على إحتلال فقط، بل الى سلسلة إعتداءات صهيونية لا أحد يدري مكانها وزمانها طالما أنها تخضع لمزاجية الاسرائيلي والمبررات التي يقدمها الى لجنة المراقبة الدولية التي تبصم له بالعشرة.
لا شك في أن وجود لبنان تحت الاحتلال الاسرائيلي، قد يفتح المجال أمام إحتمالات عدة، خصوصا أن أبناء القرى الجنوبية العائدين الى منازلهم المدمرة في الحرب، وبعدها بالارتكابات الاجرامية والانتقامية الاسرائيلية، لن يكون من السهل أن يكونوا على تماس مباشر مع العدو الاسرائيلي الذي قد يشهد سلسلة حركات مقاومة شعبية ضمن المناطق التي يحتلها من دون أن يمس ذلك بالقرار 1701 ومن دون أن يخرق وقف إطلاق النار، لأن تلك المقاومة ضد الاحتلال مشرعة في ميثاق الأمم المتحدة.
كما أن وجود الاحتلال سيعطي شرعية لسلاح المقاومة التي أكد أمينها العام الشيخ نعيم قاسم أنها ستتعامل مع الاحتلال بالطريقة المناسبة ولعل خروج بعض المسيّرات من لبنان بإتجاه فلسطين المحتلة أمس، شكل إشارة واضحة حول ما قد تكون عليه الأمور مستقبلا، خصوصا أن المقاومة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي حيال إعتماد صيف وشتاء على سطح القرار 1701.
في غضون ذلك شكل كلام رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمام وفد نقابة المحررين حول الوجود الاسرائيلي وكيفية مواجهته وتأكيده بأنه لن يقبل ببقاء جندي إسرائيلي واحد في لبنان، عامل إطمئنان لكل اللبنانيين، وساهم في منع إتساع الشرخ كونه يأخذ الأمور على عاتقه ويتحمل المسؤولية كاملة في التصدي لهذا الاحتلال، وقد جاء هذا الموقف المتقدم للرئيس عون ليضع حدا لبعض القوى السياسية التي باتت عن قصد أو غير قصد تشكل الاطار السياسي لإسرائيل في لبنان.
غسان ريفي – سفير الشمال