لبنان القديم إنتهى ولبنان الجديد لم يُولد!

عبدالكافي الصمد

عندما أعلن المندوب السّامي الفرنسي الجنرال غورو من على درج قصر الصنوبر في بيروت، في 31 آب 1920، “دولة لبنان الكبير” بحدوده الحالية، دار جدلٌ كبير في أوساط الطبقة السياسية التي تولّت السّلطة تحت رعاية ورقابة فرنسية حول مدى قدرة “الكيان الوليد” في مواجهة التحديات التي ستواجهه في السّنوات اللاحقة.

فئة لا يُستهان بها من هذه الطبقة السّياسية أبدت عدم إرتياحها لمستقبل الكيان الجديد، لأسباب مختلفة، بعدما سجّلت ملاحظات عليه تبدأ من تحفّظها على حدوده التي رسمها الإنتداب بلا أيّ اعتبار لملاحظات السكّان ورغبتهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، ونظامهم السّياسي، والأسس الإقتصادية والإدارية لبلدهم وعلاقاته مع دول الجوار والإقليم والعالم، لكنّ كل هذه الملاحظات جرى إهمالها، برغم أنّ فئات سياسية مختلفة من الطبقة السّياسية الوليدة أبدت خشيتها من أن يشهد البلد إضطرابات سياسية وإقتصادية وأمنية وإجتماعية مختلفة، ما جعلها لا تتردد حينها في إبدائها رغبات مختلفة، منها تصغير الكيان أو بقاء الإنتداب مشرفاً على إدراة الكيان خشية تصادم الأقليات الطائفية فيه، ما جعل الإستقلال يبدو وهماً وشكلاً خالياً من أيّ مضمون يؤكّد إيمان اللبنانيين بوطنهم، وتمسكّهم به، إلّا وفق الصورة النمطية المرسومة عنه في عقولهم، ووفق أهوائهم وميولهم الطائفية والمذهبية والشّخصية.

توقعات المتشائمين بمستقبل الكيان صدقت بنسبة كبيرة، إذ لم تمر 10 سنوات على البلد منذ الإستقلال عام 1943 من دون أن يشهد أزمة سياسيّة أو خضّة أمنية وصولاً إلى الحرب الأهلية 1975 ـ 1990، ومشكلات إقتصادية وماليةواجتماعية، واضطرابات بفعل الإهتزازات في المنطقة سياسياً وأمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً، والتي انعكست في لبنان أكثر من أي بلد آخر في المنطقة نتيجة الإنقسامات الداخلية وضعف السّلطة المركزية فيه.

خلال هذه الفترة لم تستجب الطبقة السّياسية ـ المالية والسّلطة في لبنان لدعوات إلى إجراء تعديلات ومراجعات على نظامه السّياسي والإقتصادي، منها جاء من فئات داخلية مهمّشة في صنع سياسات البلد أو الإستفادة منها، وأخرى أتت من جهات خارجية نصحت الطبقة والسّلطة معاً بإدخال تعديلات عاجلة على نظامهم السّياسي والإقتصادي، وحذّرتهم من أنّه لن يمكنهم الإستمرار زمناً طويلاً في “العيش” على نظام “غير طبيعي”، وبأنّ تمسكّهم بنظام قائم على حساب الآخرين ومشكلاتهم، واعتمادهم على قطاعات محدّدة كالخدمات (مصارف، سياحة، تعليم واستشفاء وغيرها) على حساب قطاعات أخرى (الصناعة والزراعة)، أدّت في نهاية المطاف إلى انهيار النّظام السّياسي السّابق (دستور 1943) بنظام جديد (إتفاق الطائف)، قبل أن تؤدّي تطوّرات الحَراك الشّعبي منذ 17 تشرين الأوّل 2019 في انهيار النّظام الإقتصادي والمالي، ووضع البلد على شفير إنهيار كبير.

ما سبق عنى أنّ دور لبنان السّابق قد انتهى، أو على وشك، وهو دور لا يمكنه الإستمرار فيه بعدما استغنى الآخرون في المنطقة عنه أو كادوا، وبرغم ذلك فإنّ رسم دور جديد للبلد لم يُولد بعد، ولم تطرح أيّ فئة سياسية أو إقتصادية تصوراً حول “أيّ لبنان نريد”، وفي ظل غياب “رجال دولة” فإنّ البلد مرشّح لأن يبقى سنوات طويلة أسير إضطرابات وأزمات لا تنتهي.

Leave A Reply