أوساط ديبلوماسية: على المسؤولين أن يبقوا حذرين من الأجواء التفاؤليّة.. وألاّ يسمحوا للعدو بالحصول على كلّ ما يطالب به!

دوللي بشعلاني – الديار

ليس من معلومات مؤكّدة عمّا سيكون عليه موقف لبنان من الردّ الإسرائيلي على طرحه الأخير، رغم ما تنامى الى مسامع المسؤولين اللبنانيين عن أن الأجواء إيجابية. وتُذكّر هذه الأجواء بزيارة الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين الثانية الى لبنان في 9 شباط الماضي إذ أشيعت أجواء تفاؤلية عن قرب التوصّل الى اتفاق، فيما لم تُثمر غرسة الوسيط الأميركي آنذاك، بل أتى تفاؤله عكسياً مع ما طرحه لبنان ردّاً على اقتراحه “الهجين” آنذاك.

وتتخوّف أوساط ديبلوماسية مواكبة لمسألة ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي من أن يكون الوضع الاقتصادي المنهار الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على لبنان، وتحاول أمام الإعلام فقط إنقاذه منه، أن يلقي بظلّه على محادثات الترسيم. فما يعاني منه لبنان من أزمة مالية واقتصادية قد راهنت عليه الولايات المتحدة لكي يغيّر المسؤولون اللبنانيون موقفهم من الخطوط، فيتخلّوا عن الخط 29 الذي فاوض الوفد العسكري التقني على أساسه على طاولة الناقورة، ويقبلوا الخط 23 الذي ينصّ عليه المرسوم 6433 الصادر في العام 2011. علماً بأنّ “هذا التنازل” يجعل حقل “كاريش” كاملاً خارج المنطقة المتنازع عليها إذ انّ قسمه الشمالي يدخل ضمن الخط 29 لجهة لبنان. فهل سيكون هذا حال المسؤولين خلال محادثاتهم المرتقبة مع هوكشتاين خلال زيارته الرابعة الى لبنان المفترضة الأحد والاثنين الآتيين، فلا يمكنهم الإعتراض على ما سيعرضه عليهم بعد الردّ الإسرائيلي على اقتراحهم الأخير بحجة أنّ لبنان بأمسّ الحاجة الى تحسين وضعه الاقتصادي؟ وماذا سيكون عليه موقف “حزب الله” إذ حاز العدو الاسرائيلي كلّ ما يريده في المنطقة البحرية المتنازع عليها ؟!

فالخط 23، من دون أي تعديلات، بحسب رأيها، هو تنازل واضح عن كلّ حقوق لبنان، لأنّ العدو الإسرائيلي سيستفيد عندها من حقل “كاريش” بالكامل كونه يقع خارجه، إن كان وقّع الاتفاق مع لبنان أم لم يُوقّع، ما سيجعله يبدأ بعمله في إنتاج الغاز منه في أيلول المقبل. فيما يبقى العمل معلّقاً من قبل “توتال” في البلوك 9 في المنطقة البحرية اللبنانية بسبب الضغوطات الأميركية عليها، خصوصاً اذا لم يتمّ التوصّل الى اتفاق بين الجانبين.

ورأت الأوساط نفسها أنّ كلام بعض الصحف الأوروبية عن قرب توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ليس تهليلاً بقرب توقيع الاتفاق حبّاً بمصلحة لبنان، بل لأنّ شركة “توتال” الفرنسية التي ترأس “كونسرتيوم الشركات” الذي لزّمته الحكومة اللبنانية عمليات التنقيب والاستكشاف في البلوكين 4 و9 سيكون بإمكانها العودة واستئناف عملها، في حال جرى توقيع الإتفاق، بعدما قامت بعمليات استكشاف أولية في البلوك 4.

كما يعني بالتالي إعطاء العدو الإسرائيلي المثلث الذي يطالب به في البلوك 8، وإبقاء الجزء الجنوبي من حقل “قانا” الواعد خارج الخط 23، كونه يقع في البقعة التي تخلَّى عنها لبنان عند “تنازله” عن الخط 29 القوي قانونياً والمدعّم بنصوص قانون البحار والاتفاقيات الدولية.

وتجد في الوقت نفسه، أنّه ما كان على لبنان أن يُطمئن العدو الإسرائيلي خلال المحادثات الأخيرة عن طريق إعلان المسؤولين فيه أنّ الخط 23 هو خط حدوده البحرية، لأنّ هذا الأمر شجّعه على الطلب من سفينة “إنرجين باور” المجيء الى المنطقة وبدء عملها بشفط الغاز من حقل “كاريش” وإنتاجه وبيعه الى الدول الأوروبية في الأشهر القليلة المقبلة. وحسناً فعل “حزب الله” بإطلاق مسيّراته نحوها، كونها أعطت زخماً للمفاوض اللبناني. كما فعلت فعلها إذ وضعت حدّاً للتمادي الأميركي- الإسرائيلي الذي يحلّل العمل في “كاريش” من قبل العدو الإسرائيلي، فيما يمنع الشركات المتعاقدة مع لبنان على المجيء والعمل في البلوك 9 بحجة أن لا اتفاق بين الجانبين، وأنّ المنطقة غير مستقرّة أمنياً. ولكن يبقى أن يتمّ التوافق على موقف وطني موحّد، حتى وإن كان الحزب يترك القرار السياسي للمسؤولين اللبنانيين المعنيين بملف الترسيم.

وأكّدت أنّ المسؤولين لن يسمحوا بأن يأخذ العدو الإسرائيلي كلّ شيء في المنطقة المتنازع عليها، وإن كان الوفد اللبناني قد اعتمد الخط 29 خلال المفاوضات غير المباشرة على طاولة الناقورة برعاية أممية ووساطة أميركية، كتكتيك استراتيجي، ربما، يتيح للبنان الحصول على الخط 23 شرط أن ينحدر جنوبي حقل “قانا” ليضمّه الى المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان. فالقرار قد اتخذ: “لا للحقول المشتركة بين لبنان والعدو الاسرائيلي أكان الهدف منها التطبيع أو أي شيء آخر”، إذ لا يمكن للبنان أن يثق بالعدو. والتجارب السابقة معه خير دليل على ذلك. فقد أبقى هذا الأخير على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر محتلّة من قبل قوّاته رغم الانسحاب الذي تحقّق في 25 أيّار 2000 من القرى والبلدات الجنوبية.

وتتساءل الأوساط عينها: ماذا يجني لبنان إذا ترك حقلاً مشتركاً بينه وبين العدو الاسرائيلي، وقد يكون ثمّة حقول أخرى مفترضة عند الخط 23 لا بدّ من التوافق عليها خلال الجولات المكوكية التي يقوم بها هوكشتاين قبل توقيع أي اتفاق على وجه السرعة، بِمَا بؤمّن مصلحة العدو الإسرائيلي فقط؟ ومن الذي يضمن عندها عدم شفط هذا الأخير كلّ الغاز الموجود في “قانا” في العمق من الجانب المشترك، والثروة النفطية المتوقّعة في حقول أخرى مفترضة؟!

وأشارت الى أنّ الأجواء التفاؤلية جيّدة، غير أنّ لبنان لن ينخدع بها، خصوصاً إذا أتى الردّ الإسرائيلي ليس على قدر توقّعاته. كما عليه أن يخشى من هذا العدو الذي لا يهتم سوى لمصلحته وللاستيلاء على حقوق الآخرين، فهو قادر عندما يشاء أن ينسف أي اتفاقية تطلّبت سنوات للتوافق عليها ووضعها وصياغة نصّها، لهذا على المسؤولين اللبنانيين مضاعفة حذرهم من هذا التفاؤل الذي قد يكون مصطنعاً ولا يعود بالفائدة على لبنان.

Leave A Reply