الأمل والوفاء… بقلم الدكتور محمد هاني فرحات

كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، هي عبارات كانت تسردها أمهاتنا لنا ونحن صغار عندما تحدثنا عن حكايات الماضي الغابر الذي لا يعود، وما حمل هذا الماضي من آمال وآلام، من سعادة وشقاء، وفرح وبؤس.
ومن أجمل الحكايات التي كانت تحكيها الأمهات والجدات هي حكايا الوطن والأرض والحصاد، تلك الحكايات التي كانت تثير في النفس السعادة والبهجة، ثم يعقبها قصة الاحتلال والمجازر، وما تورثه في النفس من هم وغم وحزن، كان السؤال المُلح الذي يقرع أدمغتنا الصغيرة بشدة: لماذا لم ندافع عن أرضنا عن حقنا عن شعبنا؟ وكان جواب الأمهات والآباء البسيط لم يكن لدينا سلاح ندافع به عن أنفسنا ولم تسعفنا الجيوش العربية التي دخلت لنصرتنا، فسلّمت البلاد للصهاينة وهُجرنا عن قرانا في الجنوب اللبناني.
اليوم نحن أيضاً نحكي لأطفالنا حكايا الوطن ولكنها ليست مثل تلك الحكايات التي كنا نسمعها ونحن صغار، وإنما نحكى لأطفالنا حكايا العز والشرف والكرامة، نحكي لهم حكايا يتغنّى بها العرب والمسلمون في بلادهم، بل إن حكايانا هي حكايا العزة والكرامة المفقودة في بلاد العرب والمسلمين، ومن أجمل حكايانا التي نحكيها هذه الأيام هي حكاية تحطم أسطورة جيش الاحتلال الذي كان لا يُقهر فقهرناه، وكان لا يُهزم فهزمناه، وكان لا يُذل فأذللناه.
نحكي لهم كيف يهزم بطل من أبطالنا دولة، وكيف يهرب أمام مقاوم من مقاومينا جيش، نحكي لأبنائنا ونقول لهم كان ياما كان أن عَطّلت المقاومة مطارات وموانئ العدو وقصفت بمئات الصواريخ مدن العدو ومستوطناته، ونحكي لهم بكل فخر كيف نقلت عدسات الإعلام مشاهد الدمار والخراب من مدن العدو ليُشاهدها العالم أجمع، نحكي لأبنائنا بكل عزة كيف أنّ النار تواجه بالنار، والدم يواجه بالدم، والقصف بالقصف، نقول اليوم لأطفالنا كان يا مكان، كان قبل سنوات يجتاح جيش العدو ميس الجبل وبنت جبيل ومارون الراس والخيام فيقتل وينسف البيوت ويعتقل ويعود، وكيف أصبح اليوم عاجز عن التقدم ولو أمتار قليلة في أرض ميس الجبل، وكيف صنعت المقاومة الاسلامية في لبنان وأفواج المقاومة اللبنانية (أمل) هذه المعجزة، نقول لأطفالنا كان ياما كان أن أنطلق المجاهدون لقتال العدو في زمن الضعف والهوان العربي لا يملكون إلا بضع رصاصات في مسدس وبضع طلقات في رشاش، وكيف أصبح اليوم صاروخ يضرب كل شبر في مدن العدو…أجل نحكي لأطفالنا اليوم كيف فرضنا قواعد إشتباك على العدو ومعادلة توازن الرعب، وكيف جعلوا من قرار الحرب الذي كان يتخذه قادة العدو بكل بساطة ليرفعوا أسهمهم الانتخابية، كيف أصبح هذا القرار من أصعب وأخطر القرارات التي يمكن لزعيم صهيوني أن يتخذه وذلك لعدم القدرة على تحمل تبعاته، وفي ذات الوقت كيف أصبح قرار قصف عاصمة العدو أسهل عند المقاومة من شربة ماء.
إذا كنا اليوم نحكي لأطفالنا قصص البطولة والفداء فإنني على يقين أنّا قريباً جداً سنحكي لهم كان يا مكان أن كانت فلسطين محتلة من الصهاينة وحررها أبطالنا من هذا العار بالدم والنار.
سنحكي حكاية تحرير فلسطين ومزارع شبعا وسنروي لهم الحكاية من البداية حتى النهاية ولكن بصيغة الماضي الذي لا يعود، أجل الاحتلال سيصبح جزءً من التاريخ الذي لا يعود…
إنه الأمل والوفاء إنه نهجنا الواضح، إنه خطنا الثابت، إنه قرارنا الصائب، إنه خيارنا الواحد، على خطى الامام الصدر والرئيس بري.

Leave A Reply