علاج سعر الصرف برفع يد “المركزي”… لا إطلاقها

خالد أبو شقرا – نداء الوطن

طوى ليل الأول من أمس “عتمته” على تعهد حاكم مصرف لبنان اتخاذ إجراءين يحدّان من ارتفاع سعر الصرف، عقب استدعائه إلى السراي الحكومي على عجل، مشهدية تعيد إلى الأذهان اجتماعات بعبدا مع كل “شوطة” للدولار منذ نهاية العام 2019. حيث تُفتتح بالشجب، ثم القاء اللوم على الجهات الخارجية، ومطالبة “الحاكم” بالتصرف، فالحقن بـ”إبرة مخدّر”، ومن بعدها تعود أسوأ مما كانت عليه وسط قبول من الجميع.

مراحل “الحزن” الخمس على فقدان الدولار من الأسواق لا تؤدي إلى “التسليم” عبثاً بالارتفاع الجنوني فقط، إنما إلى تفويض الحل لـ”المركزي”، الذي ينطبق على علاقته مع الدولة قول المتنبي “فيك الخِصام، وأنت الخصم والحكم”. “فالمشكلة بالدرجة الأولى سياسية أكثر منها نقدية”، بحسب مصادر متابعة. و”هي تتعلق بفقدان الدولار حتى من مصرف لبنان، واضطراره إلى شراء الدولار من السوق من دون سقف لتسديد مستحقات والتزامات خارجية لا يستطيع التملص منها”. آخرها كان تسديد وديعة لمؤسسة الضمان الكويتية بقيمة 300 مليون دولار اشتراها من السوق منذ أيام قليلة. وهي التي أدت إلى هذا الارتفاع في سعر الصرف. خصوصاً أن “بعض مصادر الصرافين تفيد بان تأمين مبالغ كبيرة يدفع إلى رفع السعر لتأمين المبلغ”.

إنعدام الشفافية

قرار ليل الأربعاء بتزويد المصارف بكامل حصتها من الدولار لما تبقى من هذا الشهر، لبيعه للتجار على منصة صيرفة “لا يمحيه النهار”، بحسب الخبيرة الاقتصادية د. ليال منصور. فالأيام المتبقية من هذا الشهر لا تتجاوز 15 يوماً. وإن قدّر لهذا التدبير النجاح وكبح جماح الدولار مرحلياً، فهو سينفجر حكماً مطلع العام القادم. خصوصاً أن الهدف اليوم تخفيض سعر الصرف للخروج بأرقام معقولة للعام 2021 التي تعتمد بشكل رئيسي على معطيات آخر كانون الأول”.

التشجيع على شراء الدولار من منصة SAYRAFA يقابله إنعدام بالشفافية، لا يتعلق فقط باقتصار التداول عليها على بعض المصارف، إنما أيضاً غياب أي معلومة عن التجار المستفيدين منها. فمستوردو المواد الغذائية والأدوية، التي أنشئت المنصة لتسهيل حصولهما على الدولار، ينكرون الاستفادة منها، والمواطنون لا يستطيعون شراء الدولار منها لتأمين مصاريف أولادهم التعليمية في الخارج أو الدفعات الشهرية للعاملين في الخدمة المنزلية. وعليه، لا يبقى من مستفيد على هذه المنصة إلا تجار المحروقات وبعض المستفيدين. فهل من المنطقي تعمّد “المركزي” شراء الدولار من السوق وخسارة الفرق بين سعر الأخير والسعر المحدد على منصته من أجل تمويل بعض العمليات. وكيف لهذه المنصة أن تنجح في ضبط سعر صرف الدولار إن كانت محدودة بقطاع واحد وتموّل من دولار السوق؟

كارثة اقتصادية

إذا كان التدبير الأول لن يساهم في لجم سعر الصرف، فان تسديد القروض التجارية على سعر 8000 ليرة نقداً، أي ليس بواسطة شيكات بالدولار، سيؤدي إلى “كارثة إقتصادية”، بحسب أحد المصادر التجارية. فـ”التاجر الذي يملك وديعة بالدولار لن يستطيع تسديد قرضه بواسطتها، بل سيضطر إلى استعمال ما بين يديه من دولارات أو ليرات نقدية. الأمر الذي يزيد الكلفة على التجار”. ومما يفاقم المشكلة بحسب المصادر أن “هذه القروض قديمة، وهي تعود بمعظمها إلى تجار متعثرين. ذلك أن القادرين منهم سدد قروضه خلال الفترة الماضية. وعليه فان القروض التجارية غير المسددة والمقدرة بأكثر من 16 مليار دولار ستفاقم مشاكل القطاعات الانتاجية والخدماتية. وقد تدفع قسماً غير قليل إلى الاقفال والتوقف عن الدفع، فترتفع نسبة القروض المدعومة إلى أرقام كبيرة جداً وتزداد نسب البطالة.

إمتصاص خاطئ للسيولة

هذا الواقع يجعل من التدبير الأخير غير ذي فائدة على سعر الصرف، بل على العكس سيكون أكثر ضرراً، خصوصاً أنه سيمثل للتجار، بحسب الخبير الاقتصادي د. وليد أبو سليمان، سحباً للدولار من ودائعهم على سعر 8000 ليرة أي بخسارة 66 في المئة من قيمة أموالهم بالمقارنة مع سعر السوق، ومن ثم إعادة شراء نفس كمية الأموال على منصة صيرفة بسعر وصل أول من أمس إلى 23 ألف ليرة”. وبحسب أبو سليمان فانه “ليس بهذه الطريقة يتم امتصاص السيولة بالعملة الوطنية من السوق. ولنسلم جدلاً أن المؤسسات التجارية قادرة على دفع القروض على سعر 8000 ليرة، فهذا الأمر سيدفعها إلى تحويل الكلفة أو الفرق على المستهلك النهائي. ما سينتج المزيد من ارتفاع الأسعار ويكبر حجم التضخم”. الأمر الذي يعود ويدخلنا بحلقة مفرغة من المطالبة برفع قيمة السحوبات من الودائع وزيادة الرواتب والأجور ومن بعدها اللجوء إلى إجراءات لامتصاص السيولة… وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية.

“اللبيرة” تعود

من الجهة الأخرى، فان هذا القرار سيدفع إلى زيادة المضاربة على الليرة وتعزيز وجود سعري صرف لها، الأول نقدي بالقيمة الحقيقية والثاني بنكي (اللبيرة) بقيمة أقل. وعلى هذا الاساس يصبح الشيك بالليرة يباع بسعر أقل من قيمته الحقيقية. وهذا ما يشبه بالظبط، بحسب أبو سليمان، “الفرق بين اللولار أي الدولار البنكي المحتجز والدولار النقدي”. عملياً فان كل هذه الاجراءات لا تساهم إلا بتكريس المزيد من الفوضى، ولا تحد من تدهور سعر الصرف. والدليل، بحسب أبو سليمان، “فشل كل الاجراءات الترقيعية منذ بداية الأزمة باحداث أي تغيير إيجابي واحد. بل العكس، فان نتائجها عادة ما تكون سلبية وترتد بطريقة عكسية على المودعين والمواطنين ومختلف القطاعات الانتاجية والخدماتية”.

السؤال الاساسي اليوم ماذا سيفعل مصرف لبنان بعد انتهاء مهلة الخمسة عشر يوماً المشار اليها في القرار الأخير، يسأل المتابعون؟ ليأتي الجواب المنطقي: “استمراره شراء الدولار من السوق من الاموال المطبوعة لتمويل بعض العمليات. الأمر الذي يجعل من المستحيل ضبط الدولار أو التخفيف من حدة صعوده الجنوني. وأخطر ما في الأمر، بحسب أبو سليمان، أن “الهيركات على الودائع لم يعد مقنعاً بل أصبح سافراً”.

Leave A Reply