الأزمة ستشتدّ.. الإنتخابات الرئاسية في بوز المدفع

 عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

يردّد مرجعٌ في مجالسه عبارةً واحدة: “الأزمة ستشتدّ”. لا يحصرُ مقصده في الأزمة الحالية التي افتعلتها السعودية تجاه لبنان، وإنما يُطلق إشارته باتجاه الأزمة ككلّ. وعلى سبيل الظنّ مقارنة بالأوضاع المماثلة تقريباً التي عاشها لبنان سابقاً، فإن تخيّل أن تُحلّ الأزمة في غضون عامٍ أو عامين مجرد تكهّنات!

إذاً المطلوب التعايش مع الأزمة وإنتاج حلولٍ ضمنها، لمحاولة التقليل من سقفها أو التخفيف من تصاعدها ووتيرتها وتركها تبلغ مداها، وفي ظلّ ذلك يجدر أن تبدأ ورشة البحث عن حلولٍ مع الحفاظ على حدٍّ أدنى من الأضرار دون تمدّدها أكثر.

ثمة من يعتقد، أن الأزمة قد تهدأ نسبياً دون أن تنتهي، حين تُرشّد وضعية الأكثرية النيابية الحالية وحين يأتي زمن مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، على اعتبار أن هاتين الوضعيتين السياسيتين هما السبب، أو لعلّهما أحد أسباب المشكلة، رغم أن فريقاً آخراً يستسهل حصر الأزمة في محورين دون الإلتفات إلى قضايا أخرى تُعدّ محرّكاً لها، كقضية فساد السلطة المتوارث مثلاً. بناءً على تلك القاعدة، بدأ التحشيد الحضوري للإنتخابات النيابية المقبلة، في الخارج وعند المغتربين تحديداً، أي الطرف الذي تعقد المجموعات المدنية الأمل عليه، في تكريس تغييرٍ نيابي وازنٍ ومنشود عبر الإستفادة من حالة الغضب التي تعتري المغتربين من الطبقة السياسية، ما يتيح عبور مرشحيها إلى الندوة البرلمانية بقدرات غير قليلة.

فكرة التغيير نفسها تلامس بأطرافها وضعية رئاسة الجمهورية. على الأرجح، صارت قضية إيصال الماروني القوي إلى بعبدا من الماضي، رغم أن الرئيس الحالي ميشال عون وقاعدته السياسية المتمثلة في “التيار الوطني الحر”، لا يتقبّلون هذه الفرضية وإنما يرفضونها مطلقاً. إذاً ، لا بدّ من إعادة النظر في وضعية كلّ من المرشحين الموارنة الثلاثة الأقوياء جبران باسيل، سليمان فرنجية وسمير جعجع، وقائد الجيش جوزف عون المطروح كمرشحٍ أقلّه إعلامياً. فهل سيقبل هؤلاء بإعادة ترشيد قواعد انتخاب رئيس الجمهورية؟ على الأرجح لا، ومعظم العارفين ينكرون إمكانية إحداث تغيير على آليات انتخاب الرئيس وظروفها التي تكرّست بعد اتفاق الدوحة عام 2008، وهذا له تأثيراته التي تمهّد طبعاً إلى إحلال الفراغ إلى حين الوصول إلى مخرج، وهذا الوضع قد يكون متوفراً حصوله بشكل أكبر، إن وصلت إلى مجلس النواب مجموعات مدنية تطرح افكاراً تقدمية على صعيد النظرة إلى الطبقة السياسية الحالية، وقد تكون نظرتها تشمل إضفاء تغييرات على وضعية رئاسة الجمهورية.

إذاً وبناءً على ما تقدّم، يفترض أن يكون الرئيس ميشال عون، آخر رئيس جمهورية قوي يُطرح اسمه بموجب الصيغة الحالية المعمول بها، ولو أن الأخير بعث بإشارات حاسمة قبل أيام تجاه وضعيته ووضعية الرئيس المقبل من بعده، لناحية عدم تسليمه بالفراغ كذلك بالإخلال في قواعد اختيار الرئيس التي كرّسها هو، والتي تكفل تأمين دخول القوي إلى بعبدا حصراً.

ثمة من بين العارفين من يقارب تلك الوقائع ويقرأها بهدوء، من دون الجزم بإمكانية توفّرها أو لا وإنما درس الفكرة كفكرة. ولا يخفى في هذا المجال أن دولاً تداولت وطرحت على النقاش خلال فترةٍ سابقة، فكرةً للحؤول دون شمل رئاسة الجمهورية بحالة من النزاع ما يحيلها إلى الفراغ، قوامها تقريب موعد الإنتخابات الرئاسية حتى تلي الإنتخابات النيابية المقبلة، دون أن يشمل التعديل أي تحديثٍ على فترة ولاية رئيس الجمهورية الحالي والتي تنتهي عملياً في تشرين الأول من العام المقبل. ويرى هؤلاء أن تقديم الموعد وتسويق هذا الطرح، يقود إلى تفادي الفراغ الذي يتخوّف من حصوله، أي الفراغ الذي يجعل الإدارة تقريباً بحكم المبتورة.

في الواقع، تكمن المشكلة في طبيعة التداول وتواريخه وظروفه. فالمطروح أن يواكب مشروع الإنتخابات الرئاسية عند نهاية الإنتخابات النيابية، ما يعني أن المجلس المقبل هو المولج انتخاب الرئيس. لكن ماذا إذا لم تحصل الإنتخابات؟ هل يصبح المجلس الحالي بتوازناته العددية المرفوضة من الغرب هو الذي ينتخب الرئيس؟ وكيف ستقابل الأطراف الداخلية المعارضة وتلك الخارجية، الأمر؟

عملياً، أيُ طرحٍ من قبيل تقريب مهل انتخاب الرئيس، يحتاج إلى جوّ دولي وإقليمي مؤاتٍ ، عملاً بقاعدة مفادها أن القضية اللبنانية هي عامل تجاذب واتفاق بين مجموعة من الدول المؤثرة، لن تكون طهران ودمشق والرياض بعيدةً عنها، وبالتالي هذا لا بدّ أن يحتاج إلى تفاهمات ذات منحى إقليمي لترجمته.

عطفاً على ذلك، تحيل مصادر متابعة وضعية السياسة اللبنانية في المرحلة اللاحقة إلى التدويل بشكل أكبر تبعاً لعمق الأزمة.

Leave A Reply