«الإرهاب والاختلال العقلي».. عندما تشكّل المصطلحات الإعلامية سلاح الحرب الكبرى

أحمد شنطف- اللواء

 

عادت أسهم استغلال الدين بالسياسة لترتفع، علمًا أنها لم تندثر يومًا، فكل من أراد سابقًا أن ينشئ امبراطوريته انتقى لها شعارًا دينيًا وكل امبراطوريات العالم نمت على أنقاض اخرى، فهل تحوّل عنوان المواجهة اليوم الى ضرب الأديان فيما بينها لاعلاء «امبراطورية نبذ الأديان»؟ وكيف يساهم الإعلام بذلك؟

من المعروف أن الإعلام يسيّر الرأي العام ولا يسير على هواه، فقاعدة «الجمهور عايز كده» تنطبق على أخبار الإثارة على أنواعها، أي أخبار الجنس والجريمة والغرائب وما شابه ذلك، أما الاعلام الناطق باسم الدعايات الكبرى فيسير بنهج واضح لترسيخ أفكار معينة لدى العامة، وتُدفع المليارات لبلوغ هذا الهدف.

واذا أردنا تعريف هذا النوع من الدعايات فعلينا أن نراقب أحداث العالم هذا الشهر وكيفية تعاطي الإعلام العالمي مع أهم الأنباء.

من جهة، ركّز الإعلام الفرنسي ومن خلفه الأوروبي وصولًا على العالمي على خبر نحر المدرّس الفرنسي بطريقة وحشية على يد مراهق شيشاني مسلم، وُصف بالإرهابي، وهو كذلك، في حين تأخرت فرنسا بالإعلان عن عملية طعن فرنسيتين مسلمتين من أصل جزائري عند برج إيفل على يد امرأتين فرنسيتين، ولم يأت الرئيس الفرنسي على ذكر هذا النوع من «التطرف»، ولم يعط الإعلام العالمي الأهمية المطلوبة للخبر.

حرية الصحافة الفرنسية أخرجت الخبر الى العلن، لكن المتحكم بزر «السياسة العامة» فضّل استكمال رحلة شيطنة الإسلام بشكل عام على خلفية مقتل المدرّس الفرنسي.

العالم بجميع أطيافه شجب واستنكر الهجوم الوحشي في كاتدرائية نوتردام في نيس، إلا أن إعلام «المتحكم» ركّز على كلمة «الله اكبر» الذي نطقها منفّذ العملية وعلى «قطعه لرأس امرأة» علمًا أنه لم يستطع قطعه. العالم الاسلامي كان أول المستنكرين لارهاب المنفّذ، وقلّة من حكام العالم ركّزوا على وجوب الفصل بين الاسلام والتطرف، إلا أن الفرصة كانت مؤاتية لحكام آخرين لاستغلال الحادث الوحشي وتمرير كلمة «ارهاب اسلاموي».

الخطاب المستجد والمبرر حتى للاساءة للرسول محمد ﷺ أجّج كراهية البعض في فرنسا ضد المسلمين، علمًا أن الهدف المعلن للعالم الغربي هو «نبذ الكراهية»، الى جانب عملية الطعن لمسلمتين المرفقة بعبارات «ارجعي إلى بلدك أيتها العربية القذرة»، رُصدت رسائل تهديد بالموت على باب مسجد مدينة «فيرنون» شمالي فرنسا، وتضمنت احدى الرسائل عبارات مفادها «بدأت الحرب، سنخرجكم من دولتنا، وسنحاسبكم على مقتل المعلم الفرنسي»، فضلًأ عن تضمنها عبارات مشينة بحق المسلمات.

هذا الخبر لم يُرصد في صحافة فرنسا ولا في اوروبا، ولم يطلق على صاحبها وصف «المتطرف» ولا حتى «المختل عقليًا»، إلا أن اللافت هو استخدام المصطلح الأخير لوصف مهاجم المارة في أحد شوارع مدينة أفينيون الفرنسية عقب هجوم نيس، بعد اكتشاف أنه غير مسلم.

إذ ذكرت صحيفة «لوموند» الشهيرة أن الرجل ينتمي لمجموعة «Génération identitaire» (الحفاظ على الهوية) اليمينية المتطرفة، وكان يهدد بمهاجمة تاجر من أصل مغربي. مشيرة إلى أن القتيل كان يعاني من «اضطرابات نفسية». ونقل موقع قناة «سي نيوز» الفرنسية عن النيابة العامة قولها «غيرنا مسار التحقيق وانحرفنا عن فرضية الإسلام.. الرجل كان يخضع لمتابعة نفسية وسبق له أن أدلى بملاحظات غير متماسكة».

الصورة باتت واضحة، ولم تعد «طرافة»، المتطرف بهوية اسلامية في هذه الدعاية هو «ارهابي اسلاموي»، وغير المسلم المتطرف هو «مختل غير متماسك»، وربما تتحوّل هذه الدعاية الى دين آخر عندما يُظهر هذا الدين تناميًا في المجتمع ولو كان سلميًا وتحت مبدأ حرية المعتقد.

ما يزعج المسلمون اليوم هو اضطرارهم الدائم لتبرير أفعال القلة المتطرفين، إلا أن الوعي المجتمعي الذي يجب أن يعززه الحكام ورجال الدين وقادة الرأي، سيساهم باظهار الحقائق كما هي بدون تبرير وهجوم مضاد لا يساهم إلا بتنامي الكراهية.. وحتمًا تنامي العنف ومن ثم استغلاله.

Comments are closed.