ما هي خسائر العرب من مقاطعة فرنسا؟

غسان حجار- النهار

 

من الضروري في كل عملية او اجراء او خطوة، قياس حسابات الربح والخسارة، اذ لا يمكن النظر بعين واحدة الى النتائج. تضج وسائل التواصل الاجتماعي بالتقارير واكثر بالتعليقات التي تتناول الخسائر الفرنسية من جراء الدعوات الى مقاطعة باريس بعد تناول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاسلام بكلام رأى فيه العالم الاسلامي اهانة له، وحرك الاسلام التركي والاخواني (الاخوان المسلمون) تلك الحملة لاسباب سياسية اكثر منها دينية، بسبب الصراع الفرنسي التركي على الثروات النفطية والمصالح الاقتصادية في المنطقة.

في قياس الربح والخسارة، ان باريس التي وفق محللين ومفكرين لديها، ستربح الجمهورية والعلمانية التي دفعت لبلوغها اثمان باهظة في الماضي، ستخسر مرحليا خصوصا في تجارة التجزئة بسبب تأثر هذه التجارة باندفاعة الناس وتجاوبها الموقت مع تلك الدعوات والحملات. وهذا الاندفاع سرعان ما يذوب في حمأة التطورات، اذ سبقته حملات لمقاطعة اميركا واسرائيل، تلاشت سريعا، ولم يكن لها اثر اقتصادي حقيقي.

اما التجارة الفاعلة على مستوى الدول، وخصوصا تجارة السلاح، والسيارات وما يتعلق بها، وبعض المنتجات المتعلقة بالصناعات النفطية، فتلك عقود لا تتأثر بحركة الشارع، لانها تتعلق بالحسابات السياسية والاستراتيجية ما بين الدول.

اما المثل الصارخ على الخسائر المتبادلة فيظهر في الميزان التجاري مع تركيا الذي يصب في مصلحة انقرة بمعدل ملياري دولار سنويا، ولم تنجح جهود باريس على مدى الاعوام الاخيرة في تعديله لمصلحتها.

ماذا عن الخسائر التي ستلحق ايضاً بدول عربية ؟

وصل حجم التبادل التجاري بين الجزائر وفرنسا في 2019 إلى نحو 10.209 مليارات دولار، شكلت منها صادرات فرنسا إلى الجزائر 5.513 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 4.696 مليار دولار، اي ان الجزائر ستخسر نحو 5 مليارات من دون حتمية توفير سوق بديلة في ظل الضائقة الاقتصادية وجائحة كورونا.

ومثلها المغرب حيث بلغ التبادل التجاري العام الماضي قرابة 11.58 مليار دولار، منها 5.336 مليار دولار، هي الصادرات الفرنسية إلى المغرب. اي ان المغرب سيخسر ايضا نحو 6 مليارات سنويا.

وبلغ التبادل التجاري بين فرنسا وتونس في 2019 نحو 9 مليارات دولار، شكلت صادرات المنتجات الفرنسية إلى تونس قرابة 3.8 مليار دولار، في مقابل صادرات تونسية بنحو 5 مليارات ستخسرها تونس ايضا.

واللافت في بيانات موقع ITC Trade أن صادرات فرنسا إلى تركيا بلغت في 2019 نحو 6.655 مليارات دولار، لكن باريس تعاني من عجز مع تركيا، يزيد على ملياري دولار، لان شركات فرنسة كبرى افتتحت معامل لها في تركيا، وهي تصدر انتاجها. واذا ما طالت المقاطعة، او اتجهت منحى تصعيديان، فان المعامل الفرنسية ستنتقل الى دول اخرى، ما يضعف من عامل الاستثمار في تركيا، ويرفع نسبة البطالة.

امام هذه العينة من الارقام، يمكن لقارئ الاحداث ومحللها، ان يصل الى نتيجة مفادها، ان مقاطعة فرنسا تسبب لها الخسائر، لكن الخسائر ستصيب ايضا الاقتصادات العربية ومعها تركيا بنسب كبيرة لا مجال لها في ظل تعثر تلك الاقتصادات والتباطؤ في النمو والانهيارات التي تضرب قطاعات مختلفة وفي كل انحاء العالم.

Comments are closed.