مشاكل الحياة وتعقيداتها تدفع بالإنسان إلى العزلة! – د. انطوان يزبك

د. أنطوان يزبك

ربما كثرة الإخفاقات في الحياة لها مدلولاتها و سببيّة وجودها، و لكن و على ما يبدو تفشل البشرية في معالجة هذا الحشد من الأسقام والعلل النفسيّة المدمّرة والتي تعجّل الرحلة إلى وادي الجنون .

هكذا تمّ توصيف الأمر ، وقد يكون التخلّي و الإعتزال والترفّع عن جاذبيّة الأرض والمقصود هنا ؛ المادة والشرّ ، دواءً لترهات هذه الحياة و عقدها المؤذية .

إن أكثر من عبّر بدماثة و لياقة ، عن مدى ثقل الوجود و بشاعة النفس البشرية هو( إيميل سيوران ) حين طرح هذا السؤال و أجاب عليه :

ماذا تفعل من الصباح إلى المساء ؟

أتحمّل نفسي …

و كأنّ تحمّل الإنسان لنفسه يعدّ شقاء ما بعده شقاء !

و لكن في مناسبة أخرى يعود سيوران ليقول أيضا :

إن القدرة على التخلّي هي المقياس الوحيد للإرتقاء الروحي حين نغادر الأشياء وليس حين تغادرنا ، نرتقي إلى العري الباطني ، تلك المنطقة القصوى حيث نفقد كلّ خيط بالعالم و بأنفسنا ، حيث النصر يعني الإعتزال والتنحّي بسكينة و دون حسرة و خاصة دون ميلانخوليا (الكآبة و السوداويّة ) .

جميل ما قاله سيوران خاصة عن الميلانخوليا ، فالّذي ينجح بالفكاك من أسر الكآبة والهزيمة النفسية هو الرابح الأكبر والمنتصر على كلّ متاعب الحياة والنفس ، إن الذي يعيش مع أشباح الماضي من دون فكاك ينتهي بتدمير ذاته وتدمير محبّيه من حوله !

و قبل سيوران بكثير ، كان شمس الدّين التبريزي قد أثار هذا الموضوع و توصّل إلى الخاتمة التالية :

كلّ المجد لمن اختار الصمت حين كان قادرا جدّا على قول أسوأ الكلمات لأنّه يعرف جيدا أنّه ما من كلمة سيّئة تمرّ بلا ثمن .

الصمت هو مثل الإعتزال والترفّع ، هو علاج لكلّ المشاكل مهما كانت مستعصية والموقف المنقذ في أحيان يكون الإنسان فيها في عمق موقف حرج للغاية و كلمة واحدة تكون شرارة مشكلة كبرى لا بل تسبب بزلزال .

لكن هذا العلاج لا ينفع ينفع كثيرا إذ يرى البعض أن في الصمت والاعتزال نوعا من الهروب من المواجهة وقد وصف النقّاد إميل سيوران بأنه واحد من كبار دعاة فلسفة العدمية الرافضة لكلّ شيء نظرا لمزاجه السوداوي القاتم و أن شمس الدين التبريزي من ناحيته مغرق جدّا في لاواقعية روحيّة بعيدة عن الواقع والمنطق و تاليا تبقى تعاليمه خارج نطاق التحقيق ولكنّها لا تخلو من جماليّة روحية لها نكهتها و شعريّتها و تساميها .

في المقلب الآخر نجد عددا من المفكّرين الكبار والعقلاء من الذين ينتهجون طريقا أخرى في التفكير ويذهبون الى ملاقاة المجتمع و خدمة الناس بواسطة أفكارهم ، من بين هؤلاء الفيلسوف الفرنسي الشاب شارل بيبان Charles Pépin ، الذي وعلى الرغم من صغر سنّه ، فقد سلك طريق التفاؤل في الحياة والمنطق العملي كما حوّل الفشل الى فضيلة في كتابه :

Les Vertus de L’échec

فضائل الفشل . في هذا الكتاب يبرهن أن العظماء في تاريخ البشرية والذين نجحوا في العلوم والاكتشافات ، فشلوا عشرات المرات قبل أن يصلوا الى مبتغاهم و كان الفشل في أساس نجاحهم و الدافع له .

وفي كتابه الآخر :

La Confiance en Soi

الثقة بالنفس ، يدعم الإنسان في شخصيّته و يرمّم كل ما هو متداع فيه ، ومن أقواله المهمة حول جدوى الفلسفة :

لم تشفِ الفلسفة يوما من مرض السرطان ، و لكنّها كما الجمال تساعد على الحياة .

شعار شارل بيبان على ما يبدو في الحياة أن يكون مفيدا للآخرين من دون الإدّعاء أنه يستطيع شفاء كل الأمراض و الآلام .

تبقى وسائل التعاطي مع الوجود و مشاكل الإنسان متنوّعة ومتعدّدة ، ولا يجب على الإنسان أن يستسلم بل المهم هو أن نترك الأبواب مشرّعة لكلّ فكرة جديدة و سلوك مفيد .

د أنطوان يزبك

Leave A Reply