فرضت حالات “الإنفصام” نفسها على المشهد اللبناني في ظل العدوان الاسرائيلي المستمر على الجنوب، والذي تجاوز خروقات إتفاق وقف إطلاق النار، الى الحرب المفتوحة التي يشنها العدو الصهيوني على المناطق اللبنانية ويتحكم بوتيرتها إما تصعيدا كما حصل يوم أمس في بلدات دبين، كفرتبنيت، ميس الجبل، برج قلاويه والشهابية، أو غارات غادرة لتنفيذ إغتيال هنا أو تدمير هناك.
تزامَنَ التصعيد الاسرائيلي مع زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس التي يُفترض أن تصل الى لبنان يوم الأحد المقبل، للمشاركة في إجتماعات لجنة الاشراف على وقف إطلاق النار، ولمتابعة تنفيذ خطة الجيش اللبناني لجهة الإنتشار في جنوب الليطاني وحصر السلاح بيد الدولة.
زيارة أورتاغوس تشكل قمة في “الانفصام” الأميركي تجاه لبنان، أو في العجزالمطلق تجاه إسرائيل، خصوصا أن إجتماعات لجنة الاشراف على وقف إطلاق النار كانت ولا تزال “لزوم ما لا يلزم”، طالما أن هذه اللجنة تلعب دور “العدّاد” للخروقات التي بلغت منذ تشكيلها مع تعاقب ثلاثة جنرالات أميركيين على رئاستها أكثر من 4500 خرقا، ما يحولها الى “لجنة الاشراف على العدوان الاسرائيلي على لبنان” برعاية أميركية تمثلها أورتاغوس تارة وتوم باراك تارة أخرى، ومما يضاعف من هذا “الانفصام” هو المطالبة الأميركية للبنان بتقديم الأكثر، في حين أنه ملتزم منذ27 تشرين الثاني 2024 بوقف إطلاق النار، بينما تواصل إسرائيل حربها من دون حسيب أميركي أو رقيب دولي.
وشكل بيان قيادة الجيش اللبناني المترافق مع التصعيد الاسرائيلي أمس حول أن “العدوان المستمر يعيق إنتشاره في جنوب الليطاني”، أبلغ رد على زيارة أورتاغوس التي تريد متابعة خطة الانتشار وحصر السلاح، وهو جاء إنسجاما مع الخطة التي قدمها قائد الجيش العماد رودولف هيكل الى مجلس الوزراء في الخامس من أيلول الجاري والتي أكد فيها أن إستمرار الاحتلال والعدوان اليومي يحول دون قدرة الجيش على تنفيذ بنود هذه الخطة.
هذا “الانفصام” ينسحب أيضا على رئيس الحكومة نواف سلام الملتزم بالتوجهات الأميركية كاملة، والخاضع لمزاج مستشاريه الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في إعداد فيديوهات تُبث على مواقع التواصل الاجتماعي وتُظهر سلام “القوي” وهو يتحدث عن حضور الدولة وعن قرار حصرية السلاح وعن إستعادة قرار الحرب والسلم، في حين أن إسرائيل لا تدع له فرصة أو إجتماعا لمجلس الوزراء إلا وتعمل فيها على تقويض مفهوم الدولة من خلال الاعتداءات على الجنوب وإطلاق المسيرات في سماء العاصمة بيروت.
وفي الوقت الذي يرفض فيه سلام التعليق على كل مسيرة إسرائيلية تدخل الأجواء اللبنانية (كما سبق وصرح في عين التينة)، بما يشبه التعايش مع العدوان والركون والاستسلام له، قال يوم أمس عقب التصعيد: “لبنان يدعو المجتمع الدولي، لا سيما الدول الراعية لاتفاق وقف العمليات العدائية، إلى ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها فورا”.
علماً، أن سلام مارس الكثير من الضغط في جلسة 7 آب لإقرار ورقة توم باراك في مجلس الوزراء والتي تلغي بشكل أو بآخر إتفاق وقف إطلاق النار لمصلحة آليات وبنود أميركية جديدة تصب كلها في مصلحة إسرائيل، وقد عاد أمس الى الحديث عن ضرورة إحترام هذا الاتفاق الذي لا تقيم إسرائيل وزنا له، ولا يوجد من يفرض بنوده من الدول الراعية التي تحولت مع إستمرار العدوان الصهيوني الى شاهد زور، فيما يتعامل رئيس الحكومة مع الوقائع والتطورات على قاعدة: “عنزة ولو طارت”..
غسان ريفي

