انخفاض الاستيراد 54%… هل انتهى زمن السيارات الجديدة في لبنان؟

لطالما كانت السيارة في لبنان ضرورة أكثر منها رفاهية، بفعل غياب نظام نقل عام فاعل. ومع مرور السنوات، تحوّل اقتناء السيارات إلى قاعدة غير قابلة للتغيير، تغذّيها سياسات مالية سابقة سهّلت تملّكها عبر القروض المصرفية، حتى جاء الانهيار الاقتصادي عام 2019 ليقلب المعادلة رأساً على عقب.

قبل 2019، كان سوق السيارات في لبنان مزدهراً، مدفوعاً بتسهيلات مصرفية شجّعت على الاقتراض. لكن مع تفاقم الأزمة المالية، اختفت هذه القروض تقريباً، وتغيّرت طبيعة الاستهلاك، فتراجع الطلب على السيارات الجديدة، وارتفع الإقبال على المستعملة على الرغم من ارتفاع الأسعار.

البيانات الجمركية تكشف عن تراجع كبير في استيراد السيارات خلال السنوات الأخيرة. ففي العام 2024، استورد لبنان حوالي 19,200 سيارة، بقيمة 325 مليون دولار، وهو انخفاض بنسبة 54% مقارنة بمتوسط الاستيراد في الأعوام التي تلت الأزمة. وهذا التراجع يعكس التحولات الاقتصادية، بحيث لم يعد امتلاك سيارة جديدة أولوية بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين.

الحرب الاسرائيلية وتأثيرها على السوق

إلى جانب الأوضاع الاقتصادية، شكّلت الحرب الاسرائيلية التي اندلعت في 7 تشرين الأول 2023 عاملاً إضافياً ساهم في ركود السوق. وانعكست التوترات الأمنية على قرارات الشراء، بحيث تجنّب كثيرون الاستثمار في سلع مرتفعة الثمن كالمركبات، وسط حالة من عدم اليقين حول المستقبل.

في موازاة ذلك، فرضت السياسة النقدية قيوداً إضافية على الاستيراد، اذ ارتفع الدولار الجمركي إلى 89 ألف ليرة، بعدما كان عند مستويات متدنية نسبياً في السنوات الماضية، ما جعل كلفة السيارات أعلى من قدرة المستهلكين.

وعلى الرغم من انخفاض إجمالي عدد السيارات المستوردة، شهد السوق تبدّلاً في التوجّهات، بحيث ارتفعت نسبة السيارات الجديدة المستوردة إلى 28% من الاجمالي، بينما كانت تقتصر على 20% في السنوات الماضية. كما زاد الاقبال على السيارات الصغيرة، ما خفّض المعدل الوسطي لسعر السيارة المستوردة إلى 16,900 دولار، بانخفاض طفيف عن السنوات السابقة.

استيراد السيارات، على الرغم من تراجعه، لا يزال يشكّل عبئاً مالياً على لبنان. فمنذ 2020، بلغت فاتورة الاستيراد في هذا القطاع 3.2 مليارات دولار، تشمل تكلفة السيارات وقطع الغيار والمحروقات، ما يزيد الضغط على الميزان التجاري. في المقابل، لم تُطرح حلول فعلية لتطوير نظام نقل عام بديل يحدّ من هذه التكاليف، ما يُبقي الوضع على حاله، رهناً بالأزمات الاقتصادية والتقلبات المالية.

قزي: غياب التعيينات يعرقل إنعاش القطاع

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، أشار نقيب مستوردي السيارات المستعملة إيلي قزي إلى أن إعادة فرض الرسوم الجمركية بمعدلات مرتفعة، واحتسابها وفق سعر صرف السوق، رفع تكاليف الاستيراد بصورة كبيرة.

وأكد قزي أن الأزمة المالية وانخفاض القدرة الشرائية أثرا بصورة مباشرة على سوق السيارات، إذ كان الكثير من المواطنين يعتمد على القروض المصرفية لشراء سياراته. ومع تراجع هذه التسهيلات وانهيار رواتب شريحة كبيرة من الموظفين، خصوصاً في القطاع العام، تراجع الطلب بصورة واضحة. ولفت إلى أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإطلاق تسهيلات ائتمانية جديدة هما من الخطوات الأساسية لإنعاش هذا السوق من جديد.

وحول الجهود الرسمية لمعالجة هذه التحديات، أوضح قزي أن غياب التعيينات الادارية في المؤسسات المالية والجمركية يعرقل اتخاذ قرارات فاعلة، معتبراً أن “تنظيم العمل الجمركي واتخاذ خطوات واضحة لمعالجة أزمة الاستيراد هما أمران ضروريان لإعادة تنشيط القطاع”.

وفي رسالة موجهة إلى الجهات المعنية، شدّد قزي على أن “الوقت حان لاتخاذ قرارات جريئة لإنقاذ قطاع استيراد السيارات”، داعياً إلى خفض الرسوم الجمركية، إعادة تفعيل القروض، وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، حتى يتمكنوا من العودة إلى السوق. كما حذّر من أن استمرار الركود قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد ككل.

وفي ما يتعلق بتأثير الحرب الاسرائيلية الأخيرة على القطاع، ذكّر قزي بأن أسعار السيارات شهدت انخفاضاً ملحوظاً خلال تلك الفترة، خصوصاً أن العديد من التجار الرئيسيين يتركز في جنوب لبنان، حيث هناك مخازن كبيرة للمركبات، مشيراً الى أن “الحرب شلّت عمليات البيع، إذ بقيت كميات كبيرة من السيارات في أماكنها، لا سيما في منطقة النبطية ومحيطها، ما أدى إلى تراجع كبير في الحركة التجارية خلال الأشهر الأخيرة”.

وجدد قزي التأكيد أن قطاع السيارات، على الرغم من كل التحديات، لا يزال يشكل جزءاً أساسياً من الاقتصاد اللبناني، لكنه بحاجة إلى إصلاحات عاجلة وإرادة سياسية حقيقية لضمان استمراره ودوره في دعم خزينة الدولة.

عمر عبدالباقي – لبنان الكبير

Leave A Reply