بات في حكم المؤكد أن إسرائيل ماضية في حربها العدوانية على لبنان وصولاً إلى الغزو البري التي تتحدث المعلومات أنه سيأتي استكمالاً للضربات التدميرية التي نفذتها في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وأدت إلى اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مع قيادات أساسية وفاعلة. إنها حرب مفتوحة قررتها إسرائيل وحدد خطوطها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وهي تتخطى أهداف غزة لتضع المنطقة كلها على شفير بركان من أجل تغيير المعادلات القائمة بدءاً من جبهة جنوب لبنان.
من الواضح أن الحرب التي تشنها إسرائيل ضد “حزب الله” وتنفذ فيها عمليات تدميرية لمناطق لبنانية شاسعة بين الجنوب والبقاع تدفع الأهالي للنزوح، قد بدأت فعلياً منذ اغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر في 30 تموز (يوليو) الماضي، حين كسرت الخطوط الحمر بضربة في الضاحية الجنوبية لبيروت ضاربة “توازن الردع” الذي استند إليه “حزب الله” مصراً على موقفه من أن الاحتلال لا يستطيع أن يوسع الحرب، ثم تتالت عمليات الاغتيال لندخل اليوم في لحظة الحقيقة أمام حرب شاملة قررتها إسرائيل وحصلت خلالها على تغطية أميركية وإن كانت مشروطة بعدم ضرب المنشآت اللبنانية وفق ما يقول مصدر ديبلوماسي، لكنها قد تفتح على ضرب مرافق حيوية وبنية تحتية في حرب تُشن بلا سقوف وبذرائع مختلفة لا تقتصر فقط على رواية إعادة السكان إلى المستوطنات الشمالية.
تشير المعطيات الميدانية والسياسية إلى أن التصعيد الحربي الإسرائيلي في مساره الجديد بعد اغتيال نصرالله سيتوسع ويستمر، فالضغط الذي تمارسه إسرائيل بعمليات قصف متتالية وغارات جوية يؤكد أن من اتخذ قرار الاغتيالات لن يتوقف بل يستدرج حرباً أوسع ومواجهات لا تقف عند حدود. والواضح وفق المصدر الديبلوماسي أن إسرائيل تمكنت من الحصول على التغطية الدولية خصوصاً الأميركية التي كانت إدارتها حتى وقت قريب ترفض الانجرار إلى حرب إقليمية، لكن الأمور تبدلت بعد الانسداد الذي حدث في المشاورات حول التوصل الى حل ديبلوماسي بشروط يرفضها “حزب الله” أساساً في ما يتعلق بتطبيق القرار 1701 وذلك على الرغم من وجود قنوات حوار وتواصل أميركية- إيرانية، لكنها لم تكن كافية لعدم توفير غطاء العمليات الإسرائيلية التي انطلقت في الوقت الذي كان فيه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان
يطلق في نيويورك مبادرات انفتاحية، لكن التصعيد الإسرائيلي وكلام نتنياهو المرتفع السقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منع أي تقارب أو إمكان خرق جدي بين واشنطن وطهران.
يتبين من خلال ما تعكسه الاجواء الدولية أن إسرائيل ماضية في حربها وتريد توسيعها وتعميمها على مستوى المنطقة، مستندة إلى ما حققته في غزة وتحويل القطاع غير قابل للحياة وتكريس احتلاله. فمجرد الانتقال من غزة لإشعال جبهة لبنان يعني ذلك أن تل أبيب حققت ما تريده من أهداف في القطاع وخنقت أيضاً الضفة الغربية ضمن مشروع تصفية القضية الفلسطينية. وبما أن التركيز الإسرائيلي انتقل الى لبنان وبعد الضربات التي لحقت بـ”حزب الله” والتي لم يكن يتوقعها وفق المصدر الدبلوماسي طالما أنه استند في كل معركته إلى حسابات إقليمية تبيّن خطأ انزلاقه تحت عناوين مساندة غزة القائمة على توازن ردع هش لم يستطع توفير الحصانة ضد الاغتيالات، فهذا التركيز يؤكد أن إسرائيل قررت ضرب الحزب وتفكيك بنيته ضمن مشروع أوسع لنتنياهو عبّر عنه بوضوح في نيويورك، سيكون الغزو البري أحد مساراته، بصرف النظر عما يمكن أن يحققه، لكنه يتجاوز بذلك كل المساعي الأميركية السابقة التي كانت تعمل لتنفيذ القرار 1701، وصولاً إلى هدف تجريد الحزب من عناصر قوته أي سلاحه وتشريد بيئته، مع ما يرتبه ذلك من نتائج على البينة اللبنانية الداخلية كلها.
في الحرب الإسرائيلية الجديدة التي قررها نتنياهو، وتمكن خلالها من اللعب على التناقضات الدولية والتوازنات الأميركية واستغلالها على أبواب الانتخابات، ثمة هدف هو جعل إسرائيل الدولة ذات اليد الطولى في المنطقة والقادرة على شن الحروب لتغيير معادلات النظام الإقليمي. ولا شك في أن الوصول الى هذه الغاية الإسرائيلية تستوجب وفق المصدر الديبلوماسي الانتهاء من جبهة لبنان واستعصاءاتها التي يمثلها “حزب الله” كطرف أساسي في الممانعة الإيرانية، وذلك بعد “حماس” في غزة، وبالتالي الهدف الإسرائيلي من توسيع الحرب هو توجيه ضربة كبرى لـ”حزب الله” ضمن عملية طويلة الأمد ومسار قد يفجر جبهات أخرى من العراق إلى سوريا واليمن، وضرب ما تسميه إسرائيل أذرع إيران لانهاء نفوذها في المنطقة.
لا يبدو حتى الآن أن شيئاً قد يوقف نتنياهو عن الاستمرار بحربه ضد “حزب الله” ولبنان، وربما كانت هناك فرصة بعد النداء الأميركي – الفرنسي بمشاركة الاتحاد الأوروبي ودول عربية عدة، للتوصل الى وقف لإطلاق النار، لكنه أجهض بفعل التصعيد الحربي الهستيري الإسرائيلي أولاً، وثانياً بفعل الأداء اللبناني القاصر عن فهم مسار الخطة الإسرائيلية وتكرار شعار الربط بين لبنان وغزة الذي يرفعه “حزب الله”، وبالتالي فشل الفصل باستمرار حرب المساندة التي يدفع لبنان ثمناً كارثياً لها. وعليه مضت إسرائيل في توسيع حربها واغتالت نصرالله التي يبدو أنها انتزعت توافقاً دولياً على استهداف قيادة “حزب الله” وهو ما أعط إسرائيل حافزاً لاتخاذ قرار التوغل البري ووضع المنطقة أمام حرب كبرى.
المرحلة الجديدة التي دخلت بها المنطقة انطلاقاً من جبهة لبنان، ستتضمن أيضاً مفاجآت وفق المصدر الديبلوماسي، ليس انطلاقاً من الرد المتوقع لـ”حزب الله” المهدد الآن بوجوده ومصيره، انما بما سيتخذه مسار الحرب الإسرائيلية والأهداف التي تريد تل أبيب استكمالها وسط ارتباك إيراني واضح وصمت دولي عبر إنتاج مزيد من الحروب وتعميم الفوضى، وهو ما يعني انفجارات متعددة في مختلف الساحات، ستكون انعكاساته على لبنان كارثية ما لم يتحصن منذ الآن لمواجهة الارتدادات والتداعيات الخطيرة على بنيته وحتى وجوده.
ابراهيم حيدر- النهار