شخصيات لبنانية قرأت هذه الكتب في 2020… أكثر الإصدارات المؤثّرة

مرَّ العام 2020 بتخبّطات وتقلّبات، أرخت بظلالها على مزاج القراءة. لم يكن عادياً هذا العام، بقسوته وثقله وما أحدثه من خضّة. حُجرت البشرية في المنازل، فاختار البعض القراءة مُتنفساً وإحساساً بجدوى الزمن، والبعض أصيب بملل لم يقوَ بعده على أي نشاط، حتى التصالح مع “خير الجليس” وملء الوقت بعوالمه وخباياه. هنا، في هذه الجردة، شخصيات لبنانية من مجالات مختلفة، قرأت كتباً، واختارت منها، بناء على طلب “النهار”، أبرز ما أثّر فيها، مع نبذه عن ال#كتاب، علماً أنّ ورود الشخصيات بهذا الترتيب لا يخضع لأي معيار أو أفضلية. ولعلّ أكثر الكتب التي أثّرت في هذه الشخصيات يكون باباً للتأثير بالقارئ أو نصيحة للقراءة.

وليد جنبلاط: رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي

اسم الكتاب: “بيروت مدينة العالم” لربيع جابر.

 

تقع ملحمة جابر (“المركز الثقافي العربي”) في ثلاثة أجزاء، وترسم الرواية الخيالية صورة بيروت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، والخطوط العريضة لحياة سكانها ومنازلهم ونكباتهم ومواسم تجارتهم في الحرير، ومدى استجابتهم للتغييرات التي شهدتها مدينتهم، من نزول الجيش المصري فيها بقيادة إبراهيم باشا، خلال حربه مع السلطنة العثمانية، وإقامة المحجر الصحي وانتشار بيوت البغاء، حيث تغيّرت معالم المدينة.

كما يعرّج السرد الروائي على فتنة 1860 بين الدروز والموارنة في بلاد الشام، والنزوج إلى بيروت الذي غيّر وجهها مرة أخرى، بالإضافة إلى قدوم الإرساليات التبشيرية، قبل أن تضرب المدينة موجة كوليرا.

يعيش تفاصيل الحوادث رجل بذراع واحدة يدعى عبد الجواد أحمد البارودي، القادم من دمشق هرباً من جريمة قتل، مؤسّساً عائلة وحارة البارودي في بيروت، لاحقاً.

سمير جعجع: رئيس حزب “القوات اللبنانية”

اسم الكاتب: “الوصايا” للإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

“أوصي أبنائي وأخواني الشيعة الإمامية في كلّ وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وألاّ يميّزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وألاّ يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميّزهم عن لبنان (…). 

هذا المبدأ “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه”، هو من المبادئ التي يدين بها لبنان وشعب لبنان للفكر الشيعي ولمؤسسة “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”. والحقيقة أنّ هذا المبدأ وضع ليس فقط استجابةً للمسيحيين وترضية لهم، بل كان ضرورةً للاجتماع اللبناني ولبقاء كيان لبنان، ليس لمصلحة لبنان وشعبه فقط، وإنّما لمصلحة العالم العربي في كثير من الأبعاد، وحتى لمصلحة جوانب كثيرة من العالم الإسلامي (…). من هنا، تتراءى مسؤولية العرب والمسلمين في تشجيع شتّى السبل التي تجعل المسيحية في الشرق تستعيد كل حضورها وفاعليتها ودورها في صنع القرارات، وفي تسيير حركة التاريخ، وأن تكون هناك شراكة كاملة في هذا الشأن بين المسلمين والمسيحيين في كلّ أوطانهم وفي كلّ مجتمعاتهم(…).

كريم بقرادوني: سياسي ومحامٍ

اسم الكتاب: “صفحات مجهولة من حرب تموز 2006 يكشفها نبيه برّي ويرويها علي حسن خليل”.

 

 

أكثر ما لفت نظر بقرادوني هو “التنسيق الذي قام به الرئيس نبيه برّي والسيد حسن نصرالله، حيث أمسك برّي بزمام الاتصالات السياسية وتوظيفها في خدمة المعركة العسكرية، فيما أمسك نصرالله بزمام المعركة العسكرية ووظّفها في تقوية موقف برّي في المفاوضات”، معتبراً أنّ “هذا التنسيق أدّى إلى انتصار تموز على أيدٍ لبنانية”.

قبل تحوّلها كتاباً، كانت صحيفة “السفير” تنشر كلّ اثنين في العام 2011، تحت شكل حلقات، فصولاً من “الصفحات المجهولة” بلغت 21 فصلاً. يغوص الكتاب في تفاصيل تُنشر للمرة الأولى، ويقدّم قراءة لحرب تموز وللمفاوضات السياسية بين عين التينة والديبلوماسية الأميركية كونداليزا رايس والسفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان، بالإضافة إلى موقف “حزب الله” من بعض بنود القرار 1701، الداعي إلى وقفٍ كامل للعمليات القتالية في لبنان، والذي يُطالب الحزب بالوقف الفوري لهجماته، وإسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية الهجومية وسحب كل قواتها من الجنوب.

غازي العريضي: سياسي

اسم الكتاب: “الديوان الإسبرطي” لعبد الوهاب عيساوي.

 

تتناول الرواية (دار ميم للنشر)، مرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر بدقّة. هو كتاب “جميل جداً”، وفقاً للعريضي، يحمل معلومات عن تاريخ الشعب الجزائري ونضاله للاستقلال والانعتاق من الاستعمار.

تتشابك قصص خمس شخصيات بين العام 1815 والعام 1833، في مدينة المحروسة الجزائري: صحافي جزائري، جندي سابق في جيش نابليون، وثلاثة جزائريين بمواقف متباينة حيال الوجود العثماني في البلاد، يختلفون في طريقة التعامل مع الفرنسيين.

وقد حازت الرواية في على الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) لعام 2020 في دورتها الثالثة عشرة.

ناصر سعيدي: سياسي واقتصادي

اسم الكتاب: “الأرض غير الصالحة للسكن” (The Uninhabitable Earth) لديفيد والاس ويلس.

 

أطلق فيروس كورونا نداء ملحّاً لإيقاظ البشرية غير المحصنة ضد المخاطر الجسدية، على الرغم من التقدّم التكنولوجي السريع. وبالرغم من تسبّب الفيروس الصغير في إيقاف النشاط البشري، إلا أنّ مخاطر الوباء بسيطة للغاية مقارنة بمخاطر المناخ التي تشكل خطراً وجودياً على البشرية.

دخلنا “عصر الأنثروبوسين”، حيث يقوم البشر بصورة منتظمة بتدمير بيئتهم ومعيشتهم ومنزلهم وكوكبهم. فالحقبات الجيولوجية السابقة ولدت كنتيجة للقوى الخارجية للطبيعة أو للأحداث الكونية.

واقع الحال اليوم أنّ النشاط البشري هو الذي يؤدّي إلى تغير مناخي كارثي. وفي عصر الأنثروبوسن هذا، نقوم بأنفسنا بتدمير نظامنا الإيكولوجي العالمي بسرعة، ونغزو مواطن الحيوانات، ونرتكب الإبادة الإكولوجية. وكنتيجة لهذه الممارسات، ظهرت الأوبئة وكسرت الحواجز بين الإنسان والحيوان، مما بدوره يهدد جهاز مناعتنا والأنظمة الصحية والبنى التحتية.

يحذّرنا كتاب الصحافي الأميركي ديفيد والاس ولز من “الأرض غير الصالحة للسكن”، وأن هذا المصير في انتظارنا، إن لم نتحرك على الفور. وتعد عملية إزالة الكربون والصفقات الجديدة في الاقتصادين الأخضر والأزرق ضرورية للغاية، إن أردنا والحيوانات الأخرى البقاء على قيد الحياة. إذ لا يوجد كوكب بديل.

زاهي وهبي: شاعر وإعلامي

اسم الكتاب: “الملهاة الفلسطينية” لإبراهيم نصرالله.

 

“نحن لسنا أبطالاً، لقد فكّرتُ في هذا طويلاً. قلت لنفسي نحن لسنا أبطالاً، لكننا مضطرون أن نكون كذلك”… ابراهيم نصرالله (أعراس آمنة/الملهاة الفلسطينية).

الملهاة الفلسطينية بأجزائها الـ12 من “قناديل ملك الجليل” إلى “دبابة تحت شجرة عيد الميلاد”، هي سلسلة روائية نكتشف من خلالها مجدداً لغة ابراهيم نصرالله السلسة الشيقة، المرتفعة أحياناً إلى مصاف الشّعر، ومقدرته العالية على السرد، وتطويع التاريخ، واستحضار التفاصيل بحيث يشعر القارئ أنّه يحيا زمن الرواية، ويشارك أبطالها وشخوصها يومياتهم ووقائع عيشهم.

والأهم هو مضامين هذه الملحمة الروائية التي يصرف نصرالله سحابة العمر في إنجازها (إلى جانب أعماله الشعرية ومؤلفاته الأخرى)، والمتمثلة باستعادة المناخات والمقدمات التي سبقت بعقود احتلال فلسطين، وصولاً إلى إقامة الكيان الإسرائيلي على أرضها وطرد جزء كبير من شعبها والتنكيل بمن بقي، ولعلّ الأهمية المضاعفة أو القيمة المضافة التي تكتسبها هذه الملحمة أنها تأتي في زمن يُراد نسيان فلسطين، والقفز فوق عدالة قضيتها وأحقية أبنائها بقيام دولتهم الحرة المستقلة، وأيضاً في ظلّ سعي الاحتلال الاسرائيلي الحثيث للسطو على التاريخ، مثلما سطا على الجغرافيا، وتزييف الوعي وتزوير الذاكرة من خلال إدعاءات تاريخية باطلة لا أساس لها ولا دليل، وفق وهبي.

يغوص نصرالله في تاريخ بلاده والمنطقة، ويجول في جغرافيتها ومدنها وقراها ووقائع عيشها، مستعرضاً الفئات الاجتماعية المتنوعة طبقياً واجتماعياً ودينياً التي يتشكّل منها شعب فلسطي، وميزته أنه لا يقع في فخ “أسطرة” الإنسان الفلسطيني وتنميطه بوصفه بطلاً خارقاً، بل يقدّمه كإنسان في حالاته الواقعية المختلفة، من خلال شخصيات كثيرة التنوع والأمزجة والأهواء شأنَ بني البشر في كل مكان وزمان، وذلك من دون إغفال التضحيات العظيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني على مدى عقود طويلة من الزمن في سبيل حريته واستقلاله، لكن “الذي يجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لانجعله يحس لحظة أنه هزمنا، وإن عشنا سأذكّرك أننا سنبكي كثيراً بعد أن نتحرر، سنبكي كل أولئك الذين كنا مضطرين أن نزغرد في جنازاتهم، سنبكي كما نشاء وسنفرح كما نشاء، وليس حسب المواعيد التي يحددها هذا الذي أطلق النار عليهم وعلينا الآن”. 

عمر كريستيدس: مؤسّس مؤتمر “أراب نت”

اسم الكتاب: “الدفن في ثيفا” The Burial at Thebes.

تدور المسرحية القصيرة للكاتب الأيرلندي شيموس هيني، “The Burial at Thebes” (الدفن في ثيفا) المأخوذة عن التراجيديا اليونانية الكلاسيكية “أنتيغون”، للروائي المسرحي اليوناني سوفولكيس (عن دار Faber and Faber)، حول خلاف داخل العائلة المالكة لمدينة ثيفا اليونانية القديمة.

بعد وفاة الملك، حارب ولداه ليحكما المدينة إلّا أنهما توفيا أيضاً. وأمر حينها شقيق الملك، الذي تولّى الحكم، بدفن أحد الأخوين كالأبطال، بينما أمر بعدم دفن الآخر، الذي يعدّ خائناً، لتتعفّن جثته. لكن قرّرت أنتيغون شقيقة الأخوين، تحدّي أوامر الملك ودفن شقيقها الثاني. ففعلت الصواب ودفنت شقيقها، قائلة: “لقد عصيت الملك، لأنّ قراره لم يتوافق مع قانون زيوس ولا حتى القانون الذي فرضته العدالة”.

ما يعزّز قوّة هذه المسرحية طرحُها تساؤلات تتناسب مع الوضع الصعب الراهن. ومن هذه التساؤلات: “ما هو مصدر العدالة؟” (الحسّ الفردي للأخلاق؟ قانون البلاد؟ الشرائع السماوية؟)، و”ماذا نفعل عندما لا يحقق القانون العدالة؟”. كانت أنتيغون الوحيدة التي تجرّأت على عصيان قرار الملك، فحكم عليها بالإعدام. لكن هذا الحكم أدّى إلى تداعيات مأسوية، أجبرت الملك على تغيير رأيه، ما يطرح سؤالاً: “ما هو ثمن العدالة؟”.

يسرى مقدّم: كاتبة وروائية

اسم الكتاب: “مقتل الكومنداتور” لهاروكي موراكامي: الجزء الأول.

 

يقع كتاب “مقتل الكومنداتور” في جزءين، ويحمل الأول اسم “فكرة تظهر” (ترجمة ميسرة عفيفي/دار الآداب).

بطل الرواية هو رسام بورتريه لا يذكر الكتاب اسمه، تتركه زوجته في بداية القصة بعد أن أصابه الدمار، حيث توقّف عن الرسم وغاص في رحلة طويلة في اليابان.

يرسم الجزء الأول، مسيرة رسّام متمكِّن من التقاط الأسرار المتخفِّية خلف وجوه الأشخاص الذين يرسمهم، يعثر على لوحة بعنوان “مقتل الكومنداتور”، رسمها فنّان كبير، بعد عشرات السنوات، في سقفية بيت في غابة محوطة بجيران غريبي الأطوار.

وقد قالت عنها صحيفة “الغارديان”: “هي رواية حول قوّة الفن البنّاءة وقوّة العنف الهدّامة؛ حول القدرة على جعل هشاشتنا ذهباً، مهما بدت أيّامنا قاتمة”.

البروفسور سليم دكاش اليسوعي: رئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت

اسم الكتاب: “كيف يمكن أن ينهار كلّ شيء؟” لبابلو سرفين ورافائيل ستيفنس. 

هذا الكتاب “كيف يمكن أن ينهار كلّ شيء؟”، كان على رفّ مكتبة دكاش منذ مدّة. ابتاعه من إحدى مكتبات باريس، بعدما استوقفه العنوان، وخصوصاً العنوان الفرعيّ “دليل إلى علم الانهيارات للأجيال الجديدة”. وعندما دخل لبنان في حالة الانهيار التي نشهدها ونعيشها اليوم، قال في نفسه: لا بدّ من قراءة ولو صفحات من هذا الكتاب للحصول على إجابات على أسئلة متكرّرة ودفينة، مطروحة على نفسه وعلى الآخرين: ماذا يعني الانهيار وعلم الانهيار (Collapsologie)؟ ولماذا كثيرون من العلماء والمؤسّسات تتنبّأ بانهيار الحضارة الصناعيّة التي تشكّلت منذ ما يقارب المئتي سنة؟ وما هي العلاقة بين الأزمات المتلاحقة التي يعيشها الكون، ومنها الأزمات المناخيّة والوبائيّة على مصير العالم والكون؟ ولماذا، كما يقول الكاتبان بابلو سرفين ورافائيل ستيفنس، أصبح من الصعب وحتى من المستحيل ألا يقع الانهيار الشامل؟

إنّ الكاتبين سرفين وستيفنس اخترعا مفهوم علم الانهيار الشامل: “إنّه علمٌ يستخدم مختلف العلوم الأخرى السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة وغيرها، ويقوم بدراسة انهيار الحضارة الصناعيّة وما سيتبع هذا الانهيار بالاستناد إلى العقل والدراسات العلميّة المعروفة”. والفرضيّة هي الآتية: أمام الكمّ الهائل من الدراسات حول الأزمات المتراكمة في مجال تردّي المناخ ونضوب الموادّ الأوّليّة من الطاقة، إلى التغذية، حتى الغابات والمعادن، كيف لا تقع الواقعة؟ واستنتاج الكاتبين يقود إلى الموقف الآتي: إنّ الكارثة واقعة والمصيبة على الرؤوس، وما انتشار الأوبئة خلال السنوات الماضية في الصين وأفريقيا إلاّ رأس جبل الجليد الذي سينكشف شيئاً فشيئاً.

يشدّد الكاتبان على أنّ الإنسان أهمل هذه القضيّة منذ عشرات السنين، قضيّة إمكانيّة انهيار الحقبة والحضارة الصناعيّة، التي استشرست في إفراغ الأرض من مقوّماتها ومكوّناتها الأساسيّة، من دون الأخذ في الاعتبار أنّ هذا الإنسان والبشر يعيشون في نظام متوازن، إلاّ أنّه سريع العطب عندما يستخدم المكوّنات من دون رادع سياسيّ أخلاقيّ وتحت ضغط مصالح اقتصاديّة ماليّة تقودها كبريات الشركات الكبرى الضخمة على المستوى الكونيّ. من النتائج التي يصل إليها المهندس الزراعيّ سرفين والعالم السوسيولوجي ستيفنس، أنّه ينبغي على قادة العالم أن يستردّوا دورهم الرئيسيّ السياديّ والسياسيّ وأن يكونوا في خدمة الطبيعة أوّلاً، بالتوافق مع مصالح الناس وحاجاتهم الأساسيّة لا العكس من ذلك. 

وهنا، ومع توالي الصفحات، استوقفت دكاش نظريّة ديميتري أورلوف (ص. 187) التي تجيب على السؤال الآتي: كيف يتمّ الانهيار؟ إنّه يبدأ بالانهيار الماليّ عندما لا تستطيع أن تسترجع أو توظّف أموالك، ويتبعه الانهيار الاقتصاديّ حيث سقطت مقولة السوق والأسواق، ثمّ يلحق بهما الانهيار السياسيّ حيث أنّ الأمل أن تهتمّ الحكومة بك وبمستقبلك لا وجود له، وينتهي الانهيار التامّ بالانهيار الثقافيّ والجامعيّ إذ لا فائدة أن تتعلّم وتكتسب شهادة وتخزّن #ثقافة؟ 

وأخيراً، فهل هذه الدراسة هي نبوءة صاغها الكاتبان لحالتنا اللبنانيّة؟

سمير عطاالله: صحافي وكاتب

اسم الكتاب: “مجموعة خطب وينستون تشرشل”.

يتحدّث سمير عطاالله عن المجموعة وهي “من الكلاسيكيات التي أعود اليها دوماً. خلال بحثي في قضايا متعلقة بحياة المراسلين، وقع اختياري على المجموعة، بل هي التي اختارت أن أختارها. نجد في النص ما يميز تشرشل عن غيره من القادة. تشرشل مدرسة هائلة حصدت أتباعاً عديدين، تتمظهر في ريادة بحثه أولاً عن حسنات العدو، وكان آنذاك ألمانيا. بمهارة وموضوعية شديدتين، يصف الكاتب العبقرية الألمانية العسكرية. وبعد أن يمتعنا بهذه الصورة الهائلة ويبرر نجاحها، يعرض علينا ببلاغة جميلة سبب سقوطها، الذي وجده في العقلية العسكرية الجامدة التي تنسف كل إنجازاتها بنفسها. في الحرب العالمية الأولى، كان تشرشل مراسلاً صحافياً، وفي الحرب العالمية الثانية كان زعيما لبريطانيا وأحد أكبر زعماء الغرب. ساهم بهذه الصفة في هزيمة ألمانيا وقدَّم لنا دروساً لا تُنسى، سواء في فن الكتابة أو البحث أو النظر للخصوم”.

عودة عطاالله لكتابات تشرشل هي عودة لأعمال تاريخية تدخل ضمن التثقيف الأدبي، أيا كان موضوعها. فالمراسل والكاتب في الشؤون الحربية البريطانية صار في طليعة السياسيين وطليعة المفكرين، ناهيك بطليعة المنقذين في الحروب، لأنه يمتلك قماشة غير معقولة من الفكر والتأمل والثقافة اللامتناهية.

وفي الكتاب، يجمع تشرشل ما بين المراسل والمؤرخ، ومن خلاله نقرأ التاريخ بصورة أفضل وأعمق وأشمل، ونستنتج أن الصحافيين الذين ينتقلون الى السياسة أو الأدب، تمنحهم الصحافة قدرة عجائبية يحبّ أن يسمّيها دائما بـ”قدرة التفصيل”، نكتشفها بأهمية خاصة لدى غبريال غارسيا مركيز الذي أدخل فن التفصيل وأصبح سيده وترك للتفصيل أن يتحول الى أدب.

وفي رأي عطاالله أنّه كلما قرأنا في الكلاسيكيات، اقتنعنا أنّ كل إصدار حديث هو مجرد ابن أو تابع لها، إذ تعلّم عبر السنين أنّ أفضل ما نقرأ ليس بالضرورة ما صدر حديثا أو الكتب التي سجلت شعبية واستقبالاً أدبياً مهماً. بل يعتقد أنه لا مناص من العودة الى هذه التحف، سواء تزينت السنة بإصدارات جديدة مهمة، أم أصابها الجدب العفوي كما يحدث في مراحل كثيرة من دون أسباب واضحة. 

جهاد الزين: صحافي وكاتب

اسم الكتاب: “أنا والكتب” لطريف الخالدي.

 

يقترح جهاد الزين قراءة كتاب “أنا والكتب” لطريف الخالدي الصادر عام 2018 عن منشورات الجمل. ينقل انطباعاته عن الكتاب قائلاً أنه “يروي بشكل عام ودقيق وذكي سيرة الكتب التي قرأها منذ صغره حتى اختصاصه الجامعي في الدراسات الإسلامية والتاريخ الإسلامي في جامعة أوكسفورد، ثم لاحقاً في عمله في الجامعة الأميركية. كتاب مكتوب بحس ساخر وعلمي في آن. ومن أكثر الجمل التي بقيت في ذهني هذا التعبير الرائع للدكتور طريف: 

“وجدتُ في ما بعد أن سوء الفهم (يقصد لكتاب أو لفكر) في بعض الحالات قد يؤدي إلى إثراء المعرفة بما يوازي حسن الفهم”.

هذا الكتاب جعله يبحث عن كتاب آخر كتبه بالانكليزية جون كاريه قبل ذلك بسنوات تحت عنوان the unexpected professor، وهو أيضاً استعراض لكل أنواع الكتب التي قرأها منذ الصغر، لكن بطريقة أكثر اتصالاً بالسيرة الذاتية، بما فيها نمط الحياة لطالب في جامعة أوكسفورد وليس فقط الكتبية. كذلك فترة قضاها في مصر كمجند في الجيش البريطاني في أوائل الخمسينات. ومن التعابير التي لفتته في هذا الكتاب تعبير “الحياة خارج الكتب” أو استشهاده ببيت من الشعر عن “الأرض التي وصلوا إليها بعد الظهر ويبدو الوقت فيها كأنه دائماً بعد الظهر”.

جمانة حداد: كاتبة وصحافية

اسم الكتاب: “صادوم” لفريدريك مارتيل.

 

كتاب طرح جدلاً واسعاً للكاتب والصحافي الفرنسي فريدريك مارتيل. هو عبارة عن تحقيق من عمق الفاتيكان، نُشر عام 2019 بثماني لغات، واستغرق المؤلف 4 سنوات لإنجازه. تناولته الكنيسة بالتنديد، في اعتباره مجرّد مزاعم وتحليلات، في أعقاب قضية جنسية هزّت الفاتيكان والعالم، إثر ثبوت قيام كهنة باغتصاب 30 طفلاً في كنيسة ألمانية، واتّصالها بمقر البابا بنيديكتوس السادس عشر حيث تمت إقالة حاجب البابا وعضو في جوقة خاصة في كاتدرائية القديس بطرس، بعد الكشف عن ضلوعه في شبكة دعارة تعتدي على الأطفال.

عن خلفية اختيارها الكتاب، تقول حداد، “كتاب ترك في داخلي بالغ الأثر أثناء قراءته وبعدها. يطرح واحداً من المواضيع التي تتصدّر قائمة أولوياتي، وذلك لإماطته اللثام عن الحياة السرّية لكهنة وأساقفة في الإكليروس، وكيفية التستّر على الفضائح الجنسية وإن كانت معروفة داخل الكنيسة”.

تتابع: “لم أتفاجأ حقاً بالمحتوى. لم يعد سراً ما يحدث في هذه المجموعات المنغلقة التي تتظاهر بالعفة، فيما يعيش بعض أفرادها حياة مزدوجة من الممارسات المثلية. لكن المشكلة ليست في خبث هؤلاء، في النهاية هم أحرار بحياتهم وأجسادهم كراشدين. المشكلة الحقيقية والمرعبة هي الجرائم الجنسية التي يرتكبها عدد من الاكليروس ضدّ الأطفال والتي باتت معروفة على نطاق عالمي. صُدمت بدقّة المعلومات التي صاغها المؤلّف طوال أربع سنوات. للعنوان دلالة رمزية مقتبسة من قصّة مدينة صادوم التي أحرقت في زمن ابراهيم ولوط.

ألكسندر نجار: روائي ومحامٍ

اسم الكتاب: “الطاعون” لألبير كامو.

 

يقول نجار عن هذه الرواية التي تعدّ من أهم كلاسيكيات الأدب الوبائي: “أعدت هذا العام قراءة رواية (الطاعون) لألبير كامو. تدور فكرة الكتاب الذي نُشر في عام 1947، حول تفشّي وباء الطاعون في وهران الجزائرية وتطرح أسئلة وجودية من خلال شخصيات عدّة تستوقف القارئ في خصوصياتها اللافتة. يذكّرنا الكتاب بالتجربة المؤلمة التي نمر بها حالياً بسبب وباء كوفيد. في البداية، كان قصد المؤلف شجب النازية. ورداً على على فكرة الفيلسوف الفرنسي رولان بارت، يعتبر كامو في الواقع أنّ (الطاعون (…) له محتوى واضح في صراع المقاومة الأوروبية ضد النازية)، لذلك تقدّم هذه الرواية قراءة مزدوجة: واحدة فلسفية وأخرى سياسية”.

يفصّل الراوي في (الطاعون) عزلة المدينة المتوسّطية وتفاعل شخصياته في الأعمال والأفكار. لم يكن ذلك الراوي سوى طبيب يدعى برنار ريو. ونتعرّف في الرواية على جان تارو الغريب الذي استغرق في تأمّلاته الأخلاقية، في ضوء انخراط الشخصيتين في فرق الإصحاح البيئي التي كانت تنقل الموتى وتحكم العزل على المرضى للمساعدة في حماية السكان الأصحاء. 

رسم كامو في هذه الرواية عالماً فاقد الأهمية، تشكّله أحداث غير متوقّعة ويسوده العبث. ووصف الأديب الفرنسي كتابه بأنّه يندرج ضمن “دائرة العبث”، وهي أيضاً تجسيد لإعادة نظره في توجّهاته الأولى إزاء الواجب الأخلاقي.

فاديا كيوان: المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية، أستاذة جامعية، باحثة وناشطة.

اسم الكتاب: “سياسات الإدماج الاجتماعي: وصل السياسات بالمعرفة بهدف التغيير الاجتماعي”.

 

“سياسات الإدماج الاجتماعي: وصل السياسات بالمعرفة بهدف التغيير الاحتماعي”،

كتابة مجموعة من المؤلفين، تحرير كل من غابرييلا كوهلر، البرتو سيماداموري، فاديا كيوان وبيدرو غونزاليس، صادر عن منظمة اليونسكو ومركز كروبس للدراسات حول الفقر، 2019. باريس، باللغة الانكليزية.

صدر هذا الكتاب في خريف 2019، حيث أطلقه بعض المحرّرين والمؤلفين في ندوة خاصة عقدت في مكتبة الامم المتحدة في جنيف، شارك فيها جمع من الاختصاصيين والمهتمين بقضايا التهميش وبالسياسات الاجتماعية في العالم.

تم توزيع الكتاب على المكتبات في ربيع 2020، ولم يسمح انتشار وباء كورونا بتسليط الضوء على هذا العمل البحثي الدسم والتوقف عند الاستنتاجات التي يفرضها. 

انطلقت الفكرة لإنتاج هذا الكتاب من برنامج “موست” للتحولات الاجتماعية الذي يعمل لدى منظمة اليونسكو، وتشترك فيه 35 دولة. يتمحور هذا البرنامج حول تقريب عملية رسم السياسات من الانتاج العلمي والأكاديمي بحيث تقوى قدرة الحكومات على الاستشراف والقيام بالتفكير الاستراتيجي بدل النهج المعتمد على الجزئيات.

كلف برنامج “موست” اللجنة العلمية الاستشارية بوضع الخطوط العريضة لإنتاج بحثي يتناول مسألة محورية، هي تحليل أشكال الاقصاء والتهميش ومقاربة الطرق المتنوّعة في معالجتهما عبر سياسات اجتماعية هادفة وتسعى إلى الإدماج الاجتماعي.

تشاركت اليونسكو مع مركز “كروبس”، وهو مركز ابحاث مرموق لدى جامعة برغن. وتم اطلاق دعوة عالمية للاستكتاب، وقد لبى الدعوة 158 باحثاً، وقام فريق التحرير باصطفاء 12 بحثاً بهدف تغطية ظاهرة التهميش والاقصاء من كل الجوانب.

يتناول الكتاب في الجزء الأول منه المسائل النظرية والمفهومية، ويستعرض الادبيات العالمية في هذا المجال. كما يتناول موضوع تحدّيات الاقصاء التربوي وكيفية التخلص منه، الاقصاء الاجتماعي وتداخله مع الفقر والسياسات التي تتجاهل تحليل علاقات السلطة في بناء مفهوم التنمية المستدامة. 

ويتناول القسم الثاني دراسات حالات، منها مفهوم الجماعة ونوعيّة الحياة في بوليفيا، النمو والتحول الاجتماعي في الكاراييب، التخطيط المدني النقدي في كمبالا، سياسات الخدمات الاجتماعية بين تعاطف المحيط المديني والرقابة في الصين، سياسات الخطيط المدني في دلهي، التبادل في القطاع الهامشي والزبائنية في سياسات الإدماج الاجتماعي في مومبي، سياسات الاقصاء القائم على نسيج اللفائف في الريف الهندي، وأخيرا التحولات اللازمة لعدم ترك أحد يتخلف عن ركب مسار التنمية المستدامة.

ولما كان هذا الكتاب يتناول مروحة واسعة من الحالات من الاقصاء والتهميش والفقر، وحيث أنّ الأبحاث خلصت كلها الى توصيات وإرشادات للسياسات العامة، فإنّ الدروس المستنتجة منها هي في غاية الاهمية بالنسبة لصانعي القرار في الدول.

وما جاء استنتاجه من دون مفاجأة، هو تراكم اشكال التهميش عند بعض الفئات، مثل النساء، فيتبين مثلاً أنّ النساء من اللفائف الدنيا في الريف الهندي هن الأكثر فقراً. فإذا بالفقر يتغلغل في الفئات التي تشكو أصلاً من الاقصاء العرقي والتهميش الطبقي.

كما أنّ تحليل أشكال الاقصاء يُظهر تعدّد أشكاله وتداخلها وتراكمها، كذلك المعالجات والتي تكون الأكثر أثراً حينما تستند الى الدراسات العلمية، فتتوزّع التدخلات الحكومية لتطفئ منابع التمييز الذي يولد التهميش فالإقصاء فالفقر. 

انها سلسلة من العقد المتداخلة والتي تدعو الباحثين وصانعي السياسات على السواء الى تفكيكها ومعالجتها من الجذور بغية تحقيق الاستقرار والعدالة والتنمية المستدامة. 

كتاب علمي بامتياز، وأهم ما فيه أنه يحاول تسهيل فهم ظواهر اجتماعية خطيرة بهدف معالجتها علمياً.

المصدر : النهار

Leave A Reply