هل يختفي الدواء مع إطلاق أول رصاصة حرب؟

ما من جدل، بأن ما يحصل في قطاع غزة سيكون له تأثيرات على الوضع اللبناني، سواء دخلت البلاد في حرب أم لا. ذلك لأن لبنان يعيش على وقع أزمة اقتصادية وسياسية انهكت كافة القطاعات، ومن ضمنها القطاع الدوائي. فلا عجب أن نرى تهافت اللبنانيين لشراء المواد الغذائية والأدوية بشكل رئيسي بمجرد الحديث عن حرب في الأفق.

مخاوف عديدة

الخوف من تكرار سيناريو عام 2021، بعدما فقد الدواء في لبنان، بسبب ممارسات التجار إثر رفع الدعم، لم يغب عن ذاكرة المرضى. وهو ما لفتت إليه منى الترك (60 عاماً، ربة منزل) التي تعاني من أمراض مزمنة، وتحتاج إلى أدوية السكري بشكل مستمر.

إذ أن المخاطر المحدقة بالأمن الصحي والدوائي دفعت الترك، حسب ما أكدته لـ”المدن” لشراء وتخزين الأدويه لمدة 3 أشهر. ووفق تعبيرها، لايوجد أي ثقة بالسلطة السياسية، التي سبق وتركت المواطن أمام مسؤولية فردية لتأمين الدواء. وهو ما دفعها اليوم إلى شراء وتخزين كمية من أدويتها كإجراء احترازي.

مخاوف الترك ليست بمعزل عن عدد كبير من اللبنانيين. فقد توجه سامي خوري لشراء أدوية الضغط الخاصة به، وتخزينها في المنزل. يقول لـ”المدن”: المخاوف كبيرة من إمكانية فرض حصار، وبالتالي عدم وصول الدواء أو المواد الأساسية المصنعة له إلى لبنان. أضف إلى ذلك، هناك تقارير تفيد بأن شركات التأمين رفعت التكلفة على اعتبار أن المنطقة ككل عالية المخاطر، ولذا لابد من تأمين الدواء.

نقص الدواء.. حقيقة؟

يقول نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم لـ”لمدن”: “مع كل أزمة يتعرض القطاع الصحي إلى ضغوط. إذ تزداد المخاوف لدى المرضى وتدفعهم إلى شراء الأدوية وتخزينها”. ويضيف، “حتى الآن، لم نشهد طوابير أمام الصيدليات لشراء الأدوية ولا تزال عمليات البيع منضبطة، ومحدودة. لكن المخاوف من اشتعال البلد قد تدفع اللبنانيين إلى تخزين الأدوية”.

ووفق سلوم، على الرغم من أن الوضع لا يزال قيد السيطرة، إلا أن ذلك لم يمنع من أن النقابة وضعت خططاً استباقية، من خلال الترشيد في صرف الدواء، ومنع التخزين والاحتكار.

ووفق سلوم، فإن هذه التعليمات جاءت نتيجة الخوف من قيام بعض التجار بشراء الأدوية وتخزينها، ليتم بيعها مستقبلاً، كما حصل خلال فترة الدعم، أو حتى إمكانية أن يقوم بعض التجار بتهريب الدواء إلى الخارج. ولذا، من المهم بالنسبة إلى الصيادلة التنبه في كيفية صرف الأدوية وتوزيعها خلال هذه الفترة الدقيقة.

من جهة أخرى، وعلى الرغم من هذه الخطط، إلا أن المشكلة الأكبر، تتعلق بوجود نقص حقيقي لبعض الأدوية، مع ما يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشوء أزمة حقيقية مع اشتعال الحرب. يقول “هناك الكثير من الأدوية غير متوفرة في المرحلة الراهنة. فالقطاع الدوائي يعاني أصلاً من نقص في الأدوية، حتى أن المرضى يتناولون الأدوية بشكل متقطع وغير ثابت نتيجة فقدان الدواء. وبالتالي، مع إمكانية حصول حرب، فمن الطبيعي أن نشهد أزمة حقيقية في تلبية الطلب، لمعالجة المرضى”.

وأشار سلوم إلى أن “عدداً كبيراً من أدوية السرطان والأمراض المستعصية لا تكفي المرضى، وهناك الكثير منهم لا يتناولون الجرعات المطلوبة بسبب النقص”.

وجه آخر للحرب

لا تقف حدود تأثيرات الحرب على إمكانية غياب الدواء وحسب، بل من الممكن أن تظهر فئة من التجار تسعى إلى إخفاء الأدوية وبيعها بالسوق السوداء. وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير. أضف إلى ذلك، فإن سيناريو الحرب، أو الحصار، سيكون له تأثيرات أخرى على سعر الصرف. فحتى اليوم، لا يزال سعر الدولار ثابتاً تقريباً، إلا أن إمكانية التذبذب قائمة، طالما أنه لا وجود لأي قاعدة تحكمه. وبالتالي، مع وجود عنصر الحرب، فمن الطبيعي أن تشهد أسعار الصرف ارتفاعات، ستؤدي بدورها إلى زيادة في سعر الدواء، ما قد يثقل كاهل المريض.

الأدوية في لبنان

نجح لبنان رغم الأزمة الاقتصادية في دفع صناعة الدواء المحلية إلى الأمام. تنتج تقريباً 9 مصانع لبنانية الكثير من الأدوية البديلة، والأدوية التي يتم صرفها من دون وصفة، أي OTC، إضافة إلى وجود ما يقارب من 5 مصانع متخصصة بصناعة الأمصال. وقد تساعد هذه المصانع إلى حد كبير في التخفيف من حدة الأزمة في حال وقوع الحروب. وهو ما لفتت إليه كارول أبي كرم، رئيسة نقابة مصانع الأدوية في لبنان، في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام. معتبرة بأن المصانع قادرة على تلبية الاحتياجات الضرورية في حال وقوع حرب.

ولكن إلى أي مدى ستتمكن هذه المصانع من الصمود، في حال غاب التيار الكهربائي، أو دُمرت البنى التحتية، أو انعزل لبنان عن العالم؟

بلقيس عبد الرضا – المدن

Leave A Reply