مع رئيس الجمهورية في التدقيق الجنائي… ولو متأخراً

الكاتب غسان حجار- النهار:

رسالة الرئيس ميشال عون حول التدقيق المحاسبي الجنائي. في الظاهر معظم الكتل النيابية مع التدقيق، في الواقع معظم الكتل ضد هذا التدقيق. حتى الكتل التي تمضي في المشروع، يعمل وزراؤها السابقون بعكس القرار الرسمي، والسبب ان المخالفات في الوزارات والادارات تشمل الجميع، وإنْ بنسب مختلفة. بعضهم لم يسرق المال العام بالمعنى الدقيق للكلمة، لكنه أجاز مخالفات تحول دون دفع المكلَّفين المتوجبات للخزينة العامة، أو أنه وقَّع عقوداً رضائية مخالفة انتفع منها أهل وأقارب وشركاء. والدليل على هذا التواطؤ يكمن في عدم إقدام أي وزير على فضح ملفات مَن سبقه، وإحالة تلك الملفات على القضاء، وعرضها للرأي العام. فاذا كان كل الوزراء لم يرتكبوا أي مخالفة، فلماذا إذاً التراشق بالتهم، ولماذا العرقلة في مجلس الوزراء؟ أليس السبب “مرّقلي تا مرّقلك” من منطلق التعمية على المخالفات وإمرارها من دون اعتراض؟

رئيس الجمهورية ميشال عون دعا في رسالته، المتأخرة كثيراً، الى مجلس النواب بواسطة الرئيس نبيه بري، النواب الى “التعاون مع السلطة الاجرائية من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وانسحاب هذا التدقيق بمعاييره الدولية كافة، على سائر مرافق الدولة العامة تحقيقاً للإصلاح المطلوب وبرامج المساعدات التي يحتاج اليها لبنان في وضعه الراهن والخانق، وكي لا يصبح لبنان، لا سمح الله، في عِداد الدول المارقة أو الفاشلة في نظر المجتمع الدولي، مع خطورة التداعيات الناجمة عن سقوط الدولة اللبنانية في محظور عدم التمكن من المكاشفة والمساءلة والمحاسبة، بعد تحديد مكامن الهدر والفساد الماليين اللذين قضيا على الاموال الخاصة والاموال العامة معا”.

وإذا كان رئيس الجمهورية تأخر في المطالبة بالتدقيق الجنائي، فان الوصول متأخراً أفضل من عدم الوصول نهائياً. والخوف من أن تعمل الكتل في مجلس النواب على إضاعة الوقت والهدف في نقاشات عقيمة. ليست العبرة في تأييد المشروع ودعمه كلامياً، بل في التنفيذ، ولا معطيات واضحة عن أسباب مغادرة شركة “الفاريز ومارسال” من دون إتمام مهمتها، بذريعة عدم تجاوب مصرف لبنان بتقديم المستندات الكافية لإنجاز المهمة. تبدو ذريعة الشركة الدولية ملتبسة، لأنها وقّعت اتفاقاً على العمل ضمن القوانين اللبنانية، فاذا كانت لا تدرك العقبات القانونية، فهي غير جديرة بالمهمة، لأنه لا يمكنها ان تطالب بما هو غير قانوني. ثم ان الشركة وافقت قبل ايام من الاعتذار على تمديد مهلة المهمة ثلاثة اشهر، قبل ان تبدّل رأيها من دون تبرير واضح. العقبات أمام الشركة وكل شركة ستكون كبيرة، خصوصا إذا اتُّخذ القرار بأن يشمل التدقيق كل الوزارات والمؤسسات العامة، لأن في اقتصاره على مصرف لبنان ظلماً كبيراً لهذه المؤسسة التي تتحمل اعباء القرارات السياسية الخاطئة وتبعاتها. ولا يكفي الاطلاع على موازنات الوزارات عبر مصرف لبنان، بل من الضروري مراجعة ملفات كل وزارة ومؤسسة عامة على حدة، وان يتهيأ القضاء، المتخاذل غالباً، لمرحلة جديدة يبرز من خلالها دوره الفاعل، فيكون مستحقاً التحوّل سلطة مستقلة، وينتزع هذا الحق من السياسيين.

الكتل النيابية ستكون أمام استحقاق جدّي اليوم، فإما ان تعلن رفضها التدقيق، واستمرار فسادها، وإما ان تمضي في محاسبة الوزراء والمديرين من أعضائها، وهذا حلم بعيد المنال.

Leave A Reply