خطة التعافي إلى مجلس الوزراء بتكتّم شديد

سابين عويس – النهار

من اللحظة التي أعلنت فيها الدولة اللبنانية، بتوقيع رؤساء مؤسّساتها الدستورية الثلاث الأولى، التزامها تنفيذ مندرجات الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى نحو توقيع برنامج معه، بدأ العد العكسي يواجه هؤلاء، كل من موقعه وما يمثل، لوضع البنود المتفق عليها موضع التنفيذ. ولا تعفي الانشغالات الحاصلة بالاستحقاق الانتخابي مع اقتراب موعد هذا الاستحقاق، السلطتين التشريعية والتنفيذية من مواجهة التحديات الماثلة أمامهما لجهة ترجمة التعهدات بأفعال تعبّد الطريق أمام أيّ سلطة جديدة، تشريعية كانت أو تنفيذية استطراداً، ستنبثق عن الانتخابات، للتوقيع على البرنامج المرتقب، انطلاقاً من أن الوقت الفاصل عن انتهاء ولاية المجلس الحالي لم يعد كافياً لإنجاز البرنامج وإقراره.

للتحدّيات المشار إليها مساران متوازيان ومتلازمان، أحدهما أمام الحكومة التي ستبادر اليوم الى عرض خطة التعافي الاقتصادي والمالي المرفوعة من رئاسة الحكومة الى طاولة مجلس الوزراء، فيما يقتضي المسار الثاني تسريعاً لمناقشات اللجان النيابية لمشروعي قانون موازنة ٢٠٢٢ من جهة، والكابيتال كونترول من جهة ثانية. والمشروعان، كما تبيّن المناقشات الجارية، لا يزالان يحتاجان الى مزيد من الوقت والدرس قبل أن يُرفعا الى الهيئة العامة، علماً بأن الوقت بات ضاغطاً قبل أن يدخل المجلس في حالة الانتخابات.

تكتسب خطة التعافي أهمية بالغة نظراً الى أنها ستكون نواة البرنامج المزمع توقيعه مع الصندوق. وبناءً على ذلك، فهي ستلحظ كل الإجراءات الأساسية المتفق عليها مع بعثة الصندوق والمدرجة في ورقة الاتفاق الأولي. وتشكل مسألة توحيد سعر الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع الخسائر المالية الحيّز الأهم فيها، نظراً الى أن ما تقترحه الحكومة في خطتها سيكشف التوجهات الاقتصادية والمالية التي ستحكم البلاد في السنوات الأربع المقبلة، وهي مدة البرنامج كما ورد في الاتفاق، وسيحدّد التوقعات الرسمية للنموّ وتنشيط الاقتصاد وإعادة التعافي.

تلتزم الحكومة عموماً والفريق الاقتصادي لرئيسها خاصّةً الصمت والامتناع عن تسريب أي معلومات عن الخطة، عازية هذا الصمت الى أن الخطة لا تزال تخضع لتعديلات وملاحظات انطلاقاً من المناقشات التي تجريها مع الهيئات الاقتصادية، حيث تستمع الى ملاحظاتها واعتراضاتها، علماً بأن أوساط هذه الهيئات لا تخفي انزعاجها من الاقتراحات الحكومية ومن عدم التجاوب الرسمي مع طروحاتها.

والواقع أن السبب الفعلي الكامن وراء الصمت الحكومي، على ما تقول مصادر سياسية بارزة متابعة للملفّ، هو أن الخطة الحكومية المرتقبة لا تلحظ أي أفكار جديدة من خارج سياق مندرجات الاتفاق الأولي مع الصندوق، كاشفة عن أن الحكومة عمدت الى تحديث خطة حكومة حسان دياب، مع بعض التعديلات التي فرضها مرور الزمن على أرقام تلك الحكومة وتوقعاتها.

فبدلاً من اعتماد سعر صرف على أساس ٣٥٠٠ ليرة للدولار كما هو وارد في خطة دياب، تقترح حكومة ميقاتي اعتماد سعر صيرفة.

وتركز الخطة في شكل أساسي على إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي وتوحيد سعر الصرف وتوزيع الخسائر المالية. علماً بأن بند منح ٥ تراخيص جديدة لمصارف تجارية قد ألغي.

وفيما ترفض مصادر في الفريق الاقتصادي لميقاتي تحديد آلية توزيع الخسائر وعلى من يقع العبء الأكبر فيها، تنفي صحّة الجداول المسرّبة سابقاً (التي تحمّل المودعين ٥٥ في المئة)، كاشفة عن أنها تأتي ضمن اقتراحات ومسوّغات غير نهائية، مؤكدة أن المقاربة الحكومية لمسألة الخسائر لا تقف عند آلية التوزيع التي يخشاها صغار المودعين، لأنها لن تطالهم. فالخطة ستلتزم سداد كل الودائع حتى سقف ١٠٠ ألف دولار (والرقم لا يزال قابلاً للنقاش ربطاً بالتمويل)، بالدولار مقسطة على عشر سنوات أو ١٥ سنة.

عامان ما بين خطتي دياب وميقاتي، قواسم مشتركة كبيرة تجمعهما، وإن بفارق بسيط ولكن خطير، هو أن الخسائر باتت أكبر والاحتياطات باتت أقلّ والتقشّف بات أقسى. وما يقدّمه صندوق النقد اليوم بقيمة ٣ مليارات للـ٤٦ شهراً المقبلة، أهدرت السلطة السياسية والنقدية أربعة أضعاف منه في عامين. وما لم تبادر الحكومة كما المجلس النيابي في أسابيعهما الاخيرة الى خطوات تترجم حسن النية والجدية في مواجهة الأزمة، فإن مصير خطة ميقاتي لن يكون أفضل حالاً من مصير خطة دياب!

Leave A Reply