ميقاتي متمسك بـ”خريطته” التي وضعها في جعبة كل المعنيين

رضوان عقيل – النهار

لا تشير معطيات الملفات المعقدة على طاولة السرايا الحكومية الى ان الامور تتجه نحو الحلحلة التي يتصدرها عنوان الاستعصاء وتشبث الافرقاء بمواقفهم من موضوع استقالة الوزير جورج قرداحي والخلاف القضائي الدائر حول مقاربة التحقيق العدلي في تفجير المرفأ، الى الازمة المفتوحة والمرشحة للتصعيد اكثر بين لبنان والدول الخليجية. ويحضر اليوم الى بيروت الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي ويجول على الرؤساء الثلاثة، ومن غير المتوقع ان يخرج بانفراجات على خط العلاقة مع السعودية سوى تشديده على ضرورة رأب الصدع بين البلدين وسعيه الى عدم اتساع القطيعة بين لبنان والسعودية أقله على المستوى الديبلوماسي. وتبقى كل هذه العناوين السياسية والقضائية من قضية المرفأ الى احداث الطيونة وعين الرمانة، العناصر المانعة لعودة التئام جلسات مجلس الوزراء رغم كل محاولات الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يزال على رأيه في التمسك بخريطة الطريق التي وضعها في جعبة كل المعنيين والرئيس ميشال عون الذي لم يعترض عليها. وهي تركز على انطلاقة تعيد الحكومة الى الانعقاد وتوجيه رسالة حسن نية الى المملكة تبدأ من إقدام قرداحي على الاستقالة. ولاقت خريطة ميقاتي دعما قويا من المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى لتحظى مخارج رئيس الحكومة بتأييد من شرعية سنّية كاملة وتبقى مربوطة بنجاح محاولته هذه لاحتواء تداعيات هذه العاصفة.

وبعدما قال ميقاتي كلمته، ها هو ينتظر حصيلة ما ستصل اليه المشاورات الدائرة، ولا سيما ان اكثر الاطراف دخلوا في لعبة شراء الوقت مع ترقب حدوث اي تطورات داخلية او خارجية جدية لتنعكس ايجاباً او سلباً على كل هذه المساحة من المراوحة، ولو ان اكثر وزارات الدولة ومؤسساتها باتت في حكم المشلولة نتيجة هذا التخبط. ورغم كل التحديات والانهيارات التي تطاول الشرائح الكبرى من المواطنين، لا تنفك عيون اكثر من كتلة وحزب على حسابات الانتخابات النيابية وما ستحمله من تغيير ولو كان هذا الامر على حساب اللبناني الذي لم يعد قادراً على الوصول الى مكان عمله او تأمين الحد الأدنى من مستلزمات أسرته وحاجاتها. ورداً على القائلين: لماذا لم يلتق الرئيس ميقاتي الوزير قرداحي ويصارحه بكل الحقائق المطروحة وتغليب مصلحة البلد على المصلحة الشخصية، يأتي الرد بأن رئيس الحكومة لا يعارض مثل هذا اللقاء اذا كان كفيلا بالوصول الى الاستقالة وتبيان حقيقة كل ما جرى. اما حصول جلسة بينهما مع بقاء كل منهما على موقفه فان القضية ستزداد تعقيدا وقد تستولد ازمات اخرى.

وفي لحظة ارتفاع منسوب الضغوط وتفاقم الازمات لا ينفك ميقاتي عن التأكيد على وتيرة عمل اللجان الوزارية ومتابعتها للملفات الحيوية المطروحة امامها، من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الى غيرها من المسائل التي تهم المواطنين، مع الاشارة الى ان هذا النوع من العمل لا يؤدي الغاية المطلوبة الا باجتماع الحكومة التي لا يبدو انها تستطيع ان تقدم أجوبة للمجتمع الدولي الذي يعرف ان الاستمرار على هذا المنوال من المراوحة واستفحالها اكثر قد تنتهي الى استقالة الحكومة، وعندها لا تنفع كل المفاوضات وقنوات الاتصال مع الخارج. وفي حال حصول مثل هذه الاستقالة التي لم يصل اليها ميقاتي بعد، تُشلّ الوزارات والادارات ويصبح لبنان دولة فاشلة بكل ما للكلمة من معنى، ولا فائدة عندئذ من الحديث عن الاصلاحات الموعودة وامكان الخروج من هذا المسلسل. وثمة هنا من اقترح على ميقاتي ان يمارس “نصف اعتكاف” وان يقوم بالحد الأدنى من الواجبات المطلوبة منه ويعمل على تطبيقها ضمن الحدود الدستورية في انتظار حصول تطور في الافق اللبناني المظلم. ويبدو ان ميقاتي يعمل على “التعايش” مع الازمات ومع رفع اكثر الاطراف للسقوف العالية.

ولا أحد يقلل شأن الازمات المطروحة على بساط البحث وسط هذا الكباش من التغاضي عن ملفات وطنية كبرى تحتاج الى قرارات كبرى من طرف الحكومة، وهي لا تتعلق بكيفية التعاطي مع صندوق النقد فحسب، بل ثمة ملف كبير في حجم ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل في الجنوب. ومن المقرر ان يصل المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة أموس هوكستين الى تل أبيب هذا الاسبوع ليستمع الى الجانب الاسرائيلي في موضوع الترسيم، على ان ينقل الخلاصة الى بيروت، ولم يحدد بعد موعد وصوله اليها. ولا تنحصر المسألة بهذا الامر فقط، بل ان من نقاط الضعف في لبنان عدم وجود رؤية موحدة لكيفية التعامل مع هذا الملف الوطني الحساس والذي لا يتعلق بشؤون الساعة وتشعباتها بل يخص مصير الاجيال المقبلة. ولم تصل الحكومة بعد الى جواب واضح وحاسم في ما يتعلق بهذا الملف شأن مسائل أخرى تبقى معلقة على خشبات مسرح سياسي مهتز ينتظره السقوط الكامل اذا تم الاستمرار وفق هذه المراوحة بين الافرقاء وسقوط الهيكل فوق رؤوس الجميع.

Leave A Reply