ترسيم الحدود: إستبدال الوفد العسكري بآخر سياسي!

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

البلد الذي نجح في كسر الحصار الأميركي على متن بواخر المحروقات التي اخترقت البرّ والبحر بالطول والعرض، عصيّ على كسر “حصار” المستشارين عن بعض الزعامات! يصحّ القول في هذا المقام أن الأميركيين اخترقونا بمجموعة مستشارين ينتشرون في المقارّ الرسمية كالفطر!

إذا كان من عبارة واقعية يصلح استخدامها للدلالة على حالتنا الراهنة، فلا بدّ أن تكون: ضعف لبنان في مستشاريه! هؤلاء، قسمٌ كبيرٌ منهم، يعملون بعكس ما تُمليه المصلحة الوطنية، يقدّمون غالباً وجهة النظر الأميركية على ما عداها، و ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع الإحتلال الاسرائيلي، أظهر هذا الجانب بوضوح.

في الحيثيات، لا توحي أجواء الملف أن ثمة تطورات تصلح لإعادة تنشيط طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، فيما الحراك المستجدّ ذهاباً واياباً، محصورٌ في احتمال بلورة تغييرات داخلية صرف، على مستوى نظرة بعض الأقطاب تجاه قضية التعديلات المطلوبة على مرسوم تحديد الحدود. الضبابية ذاتها تنسحب بدورها على ما جرى بثّه في الإعلام حول زيارة مُفترضة لموفد أميركي إلى بيروت مكلّف بمعاينة التطورات ذات الصلة بملف الترسيم وأين أصبح الموقف اللبناني، هل تبدّل تجاه التراجع عن الخط ٢٩ أم لا؟ ليتبيّن لاحقاً بحسب مصدر مطلع على ملف الترسيم لـ”ليبانون ديبايت” أنها “تسريبة غير دقيقة، وأياً من المقارّ الرسمية لم تتبلّغ بموعد زيارة مماثلة”. وعليه، يمكن القول أن الحراك الناشط داخلياً يأتي كمحاولة لاستنهاض الهمم، على نيّة الدفع قدماً صوب توقيع التعديلات على المرسوم 6433 وتضمينه إحداثيات الحدود الجديدة.

وفي الإشارة إلى الموضوع أعلاه، يتبيّن أن المعنيين السياسيين بالملف، متفقون على قراءة الوفد العسكري التقني المفاوض وتوصيفه للحالة الراهنة بما خصّ الحدود البحرية الجنوبية، لكن المشكلة تبقى في غياب المبادرات من جانبهم مقابل طغيان آراء المستشارين على ما عداها. وعلى ما يظهر، يبدو أن هؤلاء ما برحوا منطقة الحثّ على التريث في انتظار تطور “مُفترض ومُنتظر” من الجانب الأميركي!

وبينما الأمور تسير على هذا النحو، تتسلّل إلى مسامع المتابعين للملف، تلميحات حول وجود رغبة لدى بعض المستشارين الرئيسيين المحيطين بالمسؤولين الرسميين لإجراء “تحديث” على شكل وهيئة الوفد و “تطويره” و تنقيحه عبر ضمّ شخصيات إضافية ذات “بروفايل” سياسي صريح، خلافاً للقاعدة الأساس التي تمّ تشكيل الوفد وفقها، أي عملياً إجراء تغيير هيكلي على الوفد من عسكري تقني وإعطائه صبغةً ونزعةً سياسيةً – عسكريةً – تقنية، ما يعدّ بمثابة تطور خطير قد يؤهّل مثلاً وبحكم طبيعة الشخصيات المقترحة طالما أنها من قماشة “مستشار” من المتبنين لنظرة مختلفة عن نظرة الوفد، إلى إحداث تغييرات جوهرية على صعيد النظرة إلى الملف ككلّ، وإلى نظرة لبنان تجاه إسرائيل بصفتها عدو، واقتلاع مثلاً ما جرى تثبيته في الجولات الخمس السابقة من المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، كالإعلان أن الخط ٢٩ يمثل عملياً سقف الحدود اللبنانية من جهة البحر، ربطاً بأن واحداً من المُقترحين على الاقل، يجاهر باقتناعه الشديد، بمبدأ الشروع في التفاوض على أساس خط الـ٨٦٠ كلم مربع!

وللحقيقة، إن ما وراء محاولة إعادة “تركيب” الوفد، رغبةٌ أميركية تجد من يحاول ترجمتها في الداخل لإزالة ما تسمّيه “حجر عثرة” في طريق تأمين التغييرات المطلوبة لإعادة تفعيل المسار، وتتمثّل مثلاً بموقف رئيس الوفد العسكري التقني المفاوض العميد بسام ياسين، الرافض بالمطلق قبول العودة “المشروطة” إلى طاولة المفاوضات على قاعدة التراجع عن الخط ٢٩، متسلّحاً بقرار سياسي مصدره رئيس الجمهورية ميشال عون، الرافض بدوره للإملاءات والشروط في الملف. ويبدو بحسب المعلومات المتوفّرة، أن التواريخ الفاصلة عن حلول موعد تقاعد العميد ياسين، ستكون حُبلى بالتطورات، أولّها محاولة الضغط من أجل عدم توقيع قرار التمديد له على رأس مركزه كما ترتأي قيادة الجيش، وثانيها ربط إعادة تفعيل المسار بحصول تغييرات جوهرية على صعيد الوفد!

ومما لا شكّ فيه، أن حالة الركود الحاصلة من الجانب الرسمي اللبناني ساهمت وتساهم، في تأمين محاولات التسلل سواء الداخلي أو الخارجي على الملف، غالباً من خلال تسريبات ومواقف إعلامية غير منسّقة مع مرجعية الوفد المكلف أعمال التفاوض. ويبرز في هذا السياق تسويق أنباء حول طلب لبنان رسمياً العودة إلى طاولة المفاوضات، ليتبيّن أنه كان مجرّد ادّعاءٍ فارغٍ من المضمون و يفتقد إلى المراسم الإجرائية وإلى الإجماع ، لكون الجهة المعرقلة لـ”مسار الناقورة” ليست داخلية أو ذات صلة بالوفد العسكري، إنما خارجية نتيجة رفض العودة للطرح اللبناني القائل بالخط ٢٩.

وليس سراً، أن محاولة الإطاحة برئيس الوفد المفاوض تأتي متلازمة مع ارتفاع بعض الأصوات في الداخل التي بدأت بالتشويش عبر الاشارة إلى ضرورة الإسراع في العودة إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة، سعياً وراء “النفط” والتغاضي عن جملة أمور، بمعنى التنازل عن الثوابت التي كرّست على الطاولة بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة بما يوازي إعلاناً لبنانياً صريحاً عن سقف حدوده. هؤلاء، غالباً ينطلقون في فهمهم للملف، من تلازم مسارهم مع رقعة الـ٨٦٠ كلم٢ حصراً ، أي إنسجاماً ليس مع قناعات بقدر ما هي تنازلات مقدّمة للجانب الأميركي من قبلهم، والتي تسمح للعدو ليس فقط في مدّ اليد على المياه الإقتصادية اللبنانية، إنما تهديد حقل قانا وكامل البلوك رقم ٩!

من ناحية أخرى، لا يبدو أن الوفد العسكري التقني قد أقفل خطوطه بشكل كامل، وطالما أن الحديث يدور حول “مصير المفاوضات”، قد عاد ليطغى على يوميات المسؤولين ، ومن يدور في محيطهم يسوّق لفرضية العودة إلى الطاولة على أساس الـ٨٦٠ كلم٢ أي عملياً التخلّي عن الخط ٢٩، فإن الطرح المقابل هو “تصفير الخطوط” والعودة إلى الطاولة على أساس بحث مفتوح حول الخطوط كافة، ولا مانع هنا من العودة إلى اعتماد خط العرض رقم ٢٧٠ خطاً للترسيم، ما يخوّل لبنان الحصول على ما يزيد عن ٥٢٠٠ كيلومتراً بحرياً مربعاً إضافية، تقع إلى الجنوب من النقطة ٢٣ وبمحاذاة النقطة ٢٩، ما يمكّن لبنان من قضم مساحات شاسعة من حقل “تامار الإسرائيلي”.

Leave A Reply