هذه الأدوية ارتفعت أسعارها.. والمعيار دولار المصارف

خضر حسان – المدن

يحاول الصيادلة إنقاذ قطاعهم من الانهيار، للحفاظ على مورد عيشهم وصيانة خط إمداد الناس بالدواء. لكن استمرار انهيار ما تبقّى من قطاعات في البلاد، يجعل محاولات الانقاذ مسكِّنات بلا قيمة. وتصبح نية حماية البعض، تفاقماً لمأساة البعض الآخر.

فالصيادلة الذين طالبوا مراراً برفع نسبة أرباحهم من الدواء لتتناسب مداخيلهم، بعض الشيء، مع معدّل انهيار الليرة وانعكاسه على أسعار السلع والخدمات، وجدوا ضالَّتَهم بقرار وزارة الصحة، اليوم الأربعاء 7 نيسان، القاضي بتعديل هامش ربح الصيادلة على الأدوية المدرجة ضمن القسمين A1 وA2 من دون غيرهما من الشرائح والأقسام.

ماذا تعني الزيادة؟

الأدوية التي تُباع في الصيدليات، سواء المستوردة أو المصنّعة محلياً، مقسّمة بحسب أسعارها إلى شرائح (كما يظهر في الجدول أدناه). والشريحة A تضم الأدوية ذات الأسعار المنخفضة، وهي مقسّمة بدورها إلى قسمين A1 وA2. وبحسب الجدول، جاءت الزيادة بمعدّل 2500 ليرة على الأدوية المدرجة ضمن القسم A1 وبمعدّل 3900 ليرة على الأدوية المدرجة ضمن القسم A2. والقسم الأول هو الأدوية ذات الأسعار الأقل من 12500 ليرة، فيما القسم الثاني يضمّ الأدوية التي تزيد أسعارها عن 12500 ليرة ولا تتخطى 25 ألف ليرة.

وتتضمن هذه الزيادة بعضاً من الأمور التقنية التي لا يفكّ طلاسمها سوى الصيدلاني، فيما المستهلك لا يعرف إلاّ السعر النهائي. فالأسعار النهائية للأدوية تتضمّن هامش ربحٍ للصيدلاني، وهو ما يسمّى “جعالة”. والهامش يتغيّر بقرار من وزارة الصحة، تبعاً للظروف الاقتصادية ولتغيير أسعار الأدوية محلياً أو عالمياً، وما إلى ذلك من متغيّرات.

وجعالة الصيدلاني بالنسبة للقسم A1 هي 1000 ليرة، وبالنسبة للقسم A2 هي 1500 ليرة. وبموجب القرار بات مجموع الجعالة للقسم الأول 2500 ليرة وللقسم الثاني 3900 ليرة. أي أن أسعار الأدوية في القسم الأول ارتفعت 1500 ليرة وليس 2500 ليرة، وأسعار الأدوية في القسم الثاني ارتفعت 2400 ليرة. وبالتالي، فإن سعر دواء البندول المدرج ضمن قسم A1، كان 3500 ليرة وأصبح 5000، وسعر دواء نورميكس المدرج ضمن القسم A2، كان 16250 ليرة وأصبح 18750 ليرة.

دولار المصارف

الزيادة لم تأتِ من فراغ، إذ يطالب الصيادلة بتعديل جعالتهم لتناسب ارتفاع سعر صرف الدولار، نظراً إلى تآكل القدرة الشرائية لمداخيلهم. وعليه، فإن مفتاح فهم الزيادة الحالية، يكمن في سعر صرف الدولار. وكي لا تأتي الزيادة متوازية مع سعر صرف السوق السوداء، ارتأت الوزارة تبنّي دولار المصارف، أي 3900 ليرة.

ومن هنا، بقيَت الجعالة كما هي إسمياً، لكنها ارتفعت فعلياً. فالجعالة التي كانت 1000 ليرة، كانت تساوي 666 سنتاً، على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة. وهي اليوم ما زالت 666 سنت، لكن على سعر صرف 3900 ليرة. ولذلك، ارتفع سعر الدواء 1500 ليرة، ليضاف إلى الألف ليرة، لتتناسب الزيادة مع سعر صرف 3900 ليرة. أما الجعالة التي كانت 1500 ليرة، فكانت تساوي دولاراً واحداً، وما زالت تساويه، لكن وفق سعر صرف المصارف.

ويُبرر الصيادلة هذا الارتفاع بإعطائهم جزءاً من حقوقهم التي سلبها ارتفاع سعر صرف الدولار. ويرفضون إدراجه ضمن زيادة الضغط على المواطنين، وخصوصاً المرضى. إذ أن الزيادة طالت الأدوية الرخيصة وغير المستعملة في الأمراض المزمنة والمستعصية، أي يمكن للمواطن تحمّلها. كما أن الأدوية التي طالها الارتفاع، ليست سلعة يومية.

في المقابل، ينطلق اعتراض المرضى على زيادة الأسعار مِن زاوية أن الزيادة الضئيلة حسابياً، تحمل ثقلاً كبيراً لأنها تضاف إلى مجموع ما تُنفقه الأسرة. وإذا كان الصيادلة قد خسروا بعضاً من قدرتهم الشرائية، فأنهم ما زالوا محافظين على مدخولٍ يقيهم العَوَز.

تنطلق وجهتا النظر من حجم الضرر الذي خلّفته الأزمة الاقتصادية والنقدية. لكن ما تؤسس له زيادة جعالة الصيادلة وفق سعر الصرف 3900 ليرة، هو إمكانية انسحاب هذا التعديل على قطاعات أخرى، ليتحوّل سعر المصارف إلى سعر رسمي بدل الـ1500 ليرة. ناهيك باحتمال زيادة الجعالة على أدوية الشرائح الأخرى، كلّما ازداد الوضع الاقتصادي سوءاً. فالصيادلة يدعمون مطالبهم بأرقام الصيدليات التي أقفلت حتى الآن، والتي تتجاوز الـ600 صيدلية. فإذا ساء الوضع أكثر وارتفعت نسبة الصيدليات المقفلة، فهل سيكون ذلك مبرراً لتعديل إضافي في الجعالة، وتالياً رفع أسعار الأدوية؟ كل الاحتمالات مطروحة.

Leave A Reply