رميش..بلدة ريفية سياحية بإمتياز.. تعاني إهمال الدولة

تحقيق غادة دايخ وكوثر عيسى

تصوير حسين سلمان

بلدة استوطنت من مجموعات بشرية متعددة ومتنوعة عبر الحقبات التاريخية فاستمرت التسميات والمضمون منذ العهود القديمة حتّى اليوم، “رميش” الجنوبيّة إسم يعتبر مصدراً مهّماً لما يحمله من دلالاتٍ دينية، جغرافية وأثنيّة، وتعود البلدة في وجودها إلى ما قبل المسيح حيث عثر على تمثال فيها (معبد) عدا عن بعض الدلائل.

تسميات عدّة أطلقت على بلدة رميش الجنوبية، يعود جذور التسمية إلى ما قبل المسيح، “بيت شمس” إسمٌ اطلق على بلدة رميش من أملاك نفتالي، “راميس” هو أحد الإسرائيلين من بني فرعوش انفصل عن زوجته الغربية عن اسرائيل بأمر من النبي عذرا، إن رميش تحمل أيضاً إسم “إقليم رميش” وهو وادٍ قليل العمق متّسع يصلح للزراعة يسمّى وادي رميش.

تقع بلدة رميش على تلّة ممهّدة بين بركتين شرقية وغربية تحيطها عدة تلال وجبال، تغطَيها أشجار السنديان والبطم التي تحجب عنها أشعة الشمس بسرعة عند المغيب.

تقع قرية رميش قضاء بنت جبيل في محافظة جبل عامل وهي تمتد بمحاذاة الحدود اللبنانية_الفلسطينية بعد أن كانت تابعة لمديرية تبنين من قضاء صور في عهد الإنتداب المباشر، يحدّ البلدة من الجنوب فلسطين ومن الشمال قرية عين إبل ومن الشرق والشمال الشرقي بلدة يارون ومن الغرب بلدة عيتا الشعب.

تجاور رميش أهم القرى مثل يارون، بنت جبيل، بيت ليف، مارون الرأس، حانين، عيتا الشعب، رامية، القوزح، امتدت مساحة البلدة عبر العصور وتوسّعت بعد أن كانت مزرعة صغيرة وأصبحت في أواخر القرن العشرين قرية كبيرة حيث وصلت مساحتها العامة إلى حوالي عشرين ألف دونم.

ترتفع رميش عن سطح البحر حوالي 700 متر وتبتعد عن بيروت حوالي 135 كلم أي أنها من أبعد المناطق الجنوبية عن العاصمة بيروت، هي أكبر رعايا أبرشية صور المارونية من حيث عدد سكانها المسجلين في النفوس، ويبلغ 11000 نسمة، والمقيمون فيها حوالي 9000 نسمة ويصل عدد المهاجرين إلى 1000 نسمة فقط.

تمتاز تربة رميش بخصوبتها ومقاومتها للجفاف صيفاً وتصلح لزراعة التبغ والبلّوط والصنوبريات والحبوب على أنواعها والخضار والأشجار المثمرة، كما ويسيطر على البلدة المناخ المتوسطي عموماً وتأثير واضح للمناخ القارّي ورياح الخماسين.

رميش هي من أقرب القرى لحدود إسرائيل التي يحدّها الخط الأزرق، فمنذ العام 1948 ثلث أراضي البلدة داخل الحدود مع إسرائيل، كما وأنّ رميش هي القرية الوحيدة من الناقورة حتّى شبعا فيها حظر أمني على حدودها مع العدو الإسرائيلي، حيث أنّ العدو وضع الألغام على كافة حدوده معها.

تعتبر القرية منطقة زراعية بإمتياز إذ تعتمد على إكتفائها الذاتي لتأمين لقمة العيش، ففي موسم زراعة التبغ ترى البلدة تمتلئ حقولها بالمزارعين رغم أن الدّخان يعتبر من الأشغال الشّاقة إلاّ أن السكّان يجدون فيه فخراً لأنه مورد عيش وإنماء للبلدة وهي سبب صمودهم، هذا ما عبّر عنه أهل البلدة لصوت الفرح التي تضع في أولويات أهدافها متابعة الجنوب وأهله رافعة صوت كل من له كلمة حق.

زرنا البلدة واطّلعنا على أوضاع أهلها، كما وجالت كاميرا صوت الفرح على تلال رميش وسهولها لإظهار ما يملك الجنوب من قرى سياحية بإمتياز، فإنّ بلدة رميش تمتلك العديد من المطاعم والفنادق الراقية بطلتها الجبلية المميزة والمسابح التي تعتبر من أجمل المسابح في لبنان.

يوجد في البلدة لجنة لأموال الوقف والنشاطات تقوم بصيانة المدافن والكنائس وأملاك الوقف وتختص بالعقارات فقط.

تأسست عام 1990 ويتم تعيين مسؤولها من قبل مدينة صور لثلاث سنوات قابلة للتجديد ، وتضم الأعضاء: دانيال جرجس، فهد الحاج ، الياس الياس، رزق الله العلم، مارون طانيوس وايلي شوفاني ومن كهنة الرعية الأب نجيب العميل والأب طانيوس الحاج.

ورغم أن رميش قرية تعتمد على الزراعة إلاّ أنّ أبناءها يركزون على الوظيفة، كما أن عدداً كبيراً من شبابها بالقوات المسلحة اللبنانية تعادل نسبتهم عدد لواء بالجيش اللبناني، ما بين جيش ودرك وأمن عام.

قدمت هذه القرية الجنوبية الصامدة بأهلها العديد من الشهداء على صعيد الوطن، منهم الشهيد اللواء فرنسوا الحاج الرجل الوطني الذي فقده لبنان قبل أن تفقده قريته وأهله ومحبّيه، ويبقى اليوم رمزاً وفخراً لأهل بلدته ولوطنه الحبيب.

رئيس البلدية السيد رشيد خليل الحاج

هدف بلدية رميش الأساسي اليوم هو تأمين المياه لرميش لأن البلدة ينقصها المورد المائي حسب كلام رئيس البلدية السيد رشيد خليل الحاج وهذا ما جاء على لسانه:” وزارة الموارد المائية والكهربائية مشكورة فقط على تقديم بئر ماء ارتوازي وبعد شهر سيتم ضخّه واستعماله، وبئر آخر من مجلس الجنوب، كما وقدّمت الوزارة أربع محطات كهرباء، وعبّدت وزارة الأشغال بعض الطرقات بعد تقديمنا العديد من الملفات وأُنجزت أكثرها.

– تدفع البلدية 450 مليون بالسنة للصندوق البلدي وهذا لا يكفي لمتابعة كل الحاجات والمتطلبات إلاّ أننا نحاول جاهداً تقديم ما تستحق البلدة وأهلها، تسعون مليون فقط لعملية كبّ النفايات في السّنة، وكان قد رصد مليار وستمئة وخمسين مليون لبناء مدرسة مهنية في رميش و”بسحر ساحر” انتقلت الأموال من الجنوب إلى عكّار ونحن نرفع صوتنا على هذه القضايا المعتّمة.

نائب رئيس البلدية السّيد ميشال طانيوس شوفان

عانت بلدة رميش من وجودها على الخطّ الأزرق بعض المشاكل بسبب القضايا الأمنية والألغام والمساحات المحظورة رغم أننّا نحتاج لهذه الأرض، كما وعانت المنطقة الكثير قبل التحرير عام 2000 كنّا مقيّدين ومسيّرين وليس لنا أي قرار أو رأي أو دور على الأرض، كنّا إذا أردنا العبور من قريتنا إلى بيروت نمر بصعوبة، وأواخر الثمانينات كانت الناس تغادر بالبحر لأن الطرقات البرّية كلّها كانت مغلقة، مرّ علينا الكثير ولكن مقارنة باليوم نحن نعيش بأمان وهذه نعمة، والزراعة ثبتتنا على أرضنا وننجب الأولاد هنا لمساعدتنا في زراعة الدّخان أيضاً، وإن كنّا بلداً فقيراً إلّا أن غنانا بوجودنا بأرضنا بكرامتنا.

“على الصعيد الامني نوّجه رسالة لكل اللبنانين من الدولة والشعب ونقول لهم أننّا نفتخر اليوم بالأمن لدينا والسبب يعود للسلطات الأمنية المدعومة حتّى من الأحزاب الموجودة على الأرض.

وعلى الصعيد الإنمائي نحن ننسّق دائماً مع اتّحاد البلديات في قضاء بنت جبيل والقلعة ونطالب من مجلس الوزراء اللبناني بخط صرف صّحي من قضاء بنت جبيل إلى البحر، نتمنى على الدولة مساعدتنا فقط على الصعيد الإنمائي، ونفتقر اليوم لمياه الشرب ولكنها ستفرج أكثر هذه السّنة”.

تفتقر العديد من القرى لنظرة الدولة إليها ولكن وصل إستخفاف الدولة اللبنانية الى استبعاد حقوق المواطنين الملّحة خاصة في أشد الظروف وهي الحرب وما بعدها وأصبح الواقع أكثر من إهمال، فبلدة رميش هي القرية الوحيدة التي لم تأخذ أي من المستحقات من الدولة اللبنانية بعد أن وعدتهم مراراً وتكرارً بعد حرب 2006 تسليمهم مبالغ مالية معينة، ولكن كله كلامٌ على ورق، وكل محاولات البلدية للمطالبة بحق أهلها باءت بالفشل لحدّ اليوم بعد الوعود بحصة “رميش” المحفوظة ولكن لربما سيتم الوفاء بالوعد بعد الحرب التالية.

عام 2006 أُنجز في بلدة رميش مركز صحّي (شبه مستشفى) بواسطة مجلس الإنماء والإعمار ، أُهمل المركز من العام 2006 حتَى العام 2011، وعام 2014 تم تجهيزه بجميع المعدات المتطورة والحديثة الصّنع ويحتوي على : مركز تصوير أشّعة، مركز فحص دم، غرفة عمليات للولادة، آلة للحنجرة والزلعوم، حكيم أسنان، طابق لغرف النوم..وغيرها

سُلّم المشروع للبلدية ولكن الميزانية لا تستطيع تغطيته، طالبين من وزارة الصحّة ان تقوم بتكاليف المركز الصحّي فتكلفته تصل لحدود الملايين بالشهر الواحد، وحاولوا بكل الطرق من الجمعيات وغيرها للمساعدة لكن دون جدوى، يبقى الحديث عن قرية تبعد مسافة عن المدينة لربما تفصل هذه المسافة حياة مريض ما أمل إلاَّ تأمين أقلّ حقوقه وهو العلاج القريب بواقع مرير.

ووجهت بلدية رميش إلى المدير العام لشركة الريجي المهندس ناصيف سقلاوي كل الشكر للإهتمام بهم ووقوفه الى جانب البلدة دائماً.

وتحيات مثقلة بالإخلاص لمجلس الوزراء بإسم بلدية رميش وخاصة وزارة الصّحة والماليّة والزراعة، ووزارة الداخلية الذين يفتخرون بها.

الأب شكرالله شوفان

عمل تسعة عشر عاماً مدرّساً في جامعة روح القدس في الكسليك، وانتقل إلى رميش وأسسّ دير في رميش تضم ثانوية وجامعة روح القدس (الكسليك) لإفساح المجال أمام سكان المنطقة للإفادة من تقديماتها التربوية والبقاء في أرضهم التي طالت معاناة أهلها في الفترة الأخيرة من تاريخ الوطن وجرى إحتفال الإفتتاح في 25 أيار 2002 برعاية دولة رئيس مجلس النواب نبيه برّي.

كما وقدّم لبلدته كتاباً تحت عنوان” تاريخ رميش” جاء في الإهداء :” إلى أبناء النبلاء الذين رووا بعرقهم ترابها وأرضها المعطاء، ولا يزالون يقدّمون كل التضحيات في سبيل تقدّمها وازدهارها، فيمشون بعزّها كما مشى الآباء والأجداد، ويحفظون ذكراهم خالدة مدى الأجيال”.

ريمون بولس مخّول مختار في البلدة

لربما الحديث عن رميش يطول لما فيها من روايات وجمالات وحكايات عامرة بسكّانها وابنها المتعلّم والذي يملك شهادة جامعية يعمل بأرضه في زراعة التبغ دون أي تردد، رغم أنه مرّ علينا أصعب الأيام خلال الحرب وقصرت الدولة كثيراً في حقّنا إلا أننا أقوياء وأعزاء بقدرتنا.

والد الشهيد فرنسوا الحاج

أفتخر بولدي شهيداً على مذبح الوطن وكلنا فداء للوطن والجيش اللبناني، واليوم قائد الجيش يقوم بمهمة كبيرة ولكن على النوّاب والوزراء التعاون مع المؤسسة العسكرية فهم رأس الدولة وإن كانت السلطة العسكرية للجيش ولكن إن لم يساعدوه سيبقى الجيش ضعيفاً وسيدمر لبنان فعلينا التوحّد والتضامن لبناء وطن عزيز.

تتعدّد وتتنوع الجمعيات الأهلية والنشاطات الإجتماعية والثقافية والرياضية في بلدة رميش بشبابها المتألّقون والمميزون، وقد حدّثنا الخوري نجيب العميد الذي له اليد الطولة في تأسيس العديد من هذه الجمعيات وقدرتها على الإستمرار منذ زمن بعيد لحدّ اليوم حيث ملأ منطقته بالدين والعلم والمعرفة والترفيه على مدى أعوام.

الجمعيات وتأسيسها:

الندوى الثقافية تأسست عام 1961، جمعت العديد من الشباب في رميش، تقدم نشاطات عديدة وخاصة في الصيف حيث تقوم كل سنة في العطلة الصيفية بتحضير لإسبوع نظافة وإزالة كل العوائق في البلدة، إقامة نشاطات رياضية، ندوات ثقافية دورات رياضية، مسرحيّات ومهرجانات سياحية وغيرها، كما وتقّدم للناس المحتاجة.

الجمعية الخيرية تأسست عام 1969، في مدينة بيروت وضواحيها والتي تهدف لجمع أهالي رميش في المدينة بلقاءات للتعارف والبقاء على تواصل دائم، كما وعملت على شراء أراضٍ لبناء مدافن للبلدة.

نادي التجلي الذي أسس عام 2000 نادي إجتماعي ورياضي.

جمعية مار جرجس تأسست عام 2014 والتي تقوم بكافة النشاطات في البلدة.

أخويات العذراء تأسست مركز شؤون الإجتماعية (شبيبة، طلائع، فرسان) وتضم رجال ونساء، يتولاهم مرشد ليحثهم على الإجتماعيات والدّين والمحبّة، والأموال التّي تجمع تقدّم للفقراء والمرضى.

الكشّاف الذي تأسس عام 1971 يتضمن ثلاث أعمار( الجراميز، الكشّافي، الجوّالي)، أسسوا بيت خاص بهم بمساعدة الخيّرين وإنشاء مركز جمهية لأجدادنا (بيت ستّي وجدّي)، حيث يخصصّ رحلات إسبوعية لهم.

المؤسسات الأهلية:

الصليب الأحمر اللبناني الذي أٌسس عام 1985 والذي بدأ بالمشروع المطران يوسف خوري(مطران مدينة صور قدماً) حيث قررّ إقامة مركز في رميش وتطوع العديد من شبّان اللبلدة، ويعمل المركز على نطاق واسع على مستوى الجنوب، وتبرّع أحد أبناء البلدة الخيّرين لبناء مركز للصليب الأحمر وأنجز بتطوع بعض المتبرعين، يرأس المركز السيّد نمر العلمرئيس الندوى الثقافيّة.

مركز الدفاع المدني تأسّس عام 2001 بمتابع وتأسيس الخوري نجيب العميل بعد أن كان قد زار وزير الداخلية وطلب منه إقامة مركز بالبلدة وأنجز المقر، حيث كان له دور كبير في حرب تمّوز.

تبقى الدولة اللبنانية بهيبتها الضعيفة ونظرة المواطن المستخف بها تحيّر أمرهم رغم أنها على علمٍ بكل ما يحتاجه من أقل حقّ، إلا أنها أبت أن تكون عمياء وأبى المواطن الشريف أن يضحّي بكل ما لديه ليبقى، ليحيا، ليعيش بكرامة…

Leave A Reply