حكايا موجعة من ذاكرة انسانية أثناء حرب تموز 2006

فاطمة شعيتو

تسع سنوات مرت على حرب تموز 2006.. مشاهد لا تروى، أشلاء نثرت أمام الملأ، عيون أبصرت الحدث وتجاهلت خطوط الانسانية أو أدمعت عليها..البعض كانت لعدستهم الكلمة والعون وآخرون اكتفوا من الظلم ليضعوا واجبهم الأخلاقي ومبادئهم فوق كل شيىء.

تعددت الرؤى على أرض الحدث، مراسلون ومنقذون في كل مكان، هنا وهناك دمار وعدوان، قلوب لا ترحم، أطفال يقتلون بلا رحمة، وحكايا موجعة لا تنتهي..

حكايا من ذاكرة انسانية.. شاهدت.. صوّرت.. شعرت.. ساعدت.. أدمعت.. في حرب قاتلة..

موقع صوت الفرح أضاء على مراسلين ومسعفين عايشوا أحداثاً مؤلمة خلال حرب تموز2006، فكيف كانت ردات الفعل وهل حرّكتهم إنسانيتهم للتخلّي عن عدساتهم ومخاوفهم للمساعدة ؟!

مفوض الهيئة الصحية الاسلامية – الدفاع المدني في المنطقة الاولى السيد عبد الله نور الدين

ذكر توزيع سيارات الإسعاف على البلدات المعرضة للقصف عند بداية حرب تموز، وقال أن العمل وصل إلى ذروته مع اشتداد القصف الإسرائيلي لكن الجهوزية كانت على أتمها لتقديم العون قدر المستطاع، إلّا أنه مع قطع العدو لأوصال منطقة الجنوب عن باقي المناطق سبّب نقصاناً في المواد الإسعافية التي هي أساس العمل..

وأكمل أن العمل في مثل هذه الأجواء مليئ بالمخاطر لكن من اخذ على عاتقه العمل على إنقاذ المواطنين، عليه تأدية مهامه على أكمل وجه وعدم النظر الى المصاعب ونسيان نفسه كشخص مؤكداً أن “التعاطف الإنساني لم يخرج من أعماقنا يوماً”.

وتحدث عن مجزرة مروحين التي اعتبرها حالة خاصة بمشهدها المؤلم، إذ كانوا أول الواصلين الى المكان وعملوا مع الجمعيات على سحب المصابين واسعافهم من أطفال ونساء وعجزة أبرياء لا ذنب لهم، قائلاً أنه لا يمكن سوى التفاعل مع هكذا مشاهد، والأصعب من ذلك كانت نداءات الإستغاثة من أماكن مقطوعة تحتاج الى رفع الركام لكن لا يمكن إيصال الرافعات إليها.

وختم، ” بعد تسع سنوات على حرب تموز 2006 ما زلنا على ذات الإصرار والعزيمة ، نعمل أكثر لنكون لائقين بخدمة أهلنا في الجنوب وجاهزين لأي اعتداءات لنبلسم الجراح ونخفف المعاناة”.

عضو القيادة المركزية في كشافة الرسالة الإسلامية ـ الدفاع المدني أبو علي فارس

ذكر الدور الأساسي لكشافة الرسالة الاسلامية في حرب تموز 2006 خاصة منطقة صور والمناطق المحيطة بها بشكل عام، فأي منطقة تقصف أو تضرب يتوجهون إليها بعد تلقي النداء من غرفة القيادة التي كانت تتابعهم على مدار الساعة.

وتحدث عن أهمية وجود غرفة عمليات مشتركة تقوم على توزيع المهام بعد التنسيق كي لا تتضارب الأعمال ويبقى منظماً بعيداً عن المخاطر وتجنب وجود أكثر من سيارة اسعاف في مكان واحد.

يقول أبو علي الذي كان لا يزال مسؤول مركز صور في ذلك الوقت ” الخوف لا محل له في قلوبنا.. الحمدلله بفضل إيماننا استطعنا أن نبقى بجانب أهلنا في أحلك الظروف”، ولفت إلى أن الإعلام المشكور على عمله كان يغطي الأحداث لكنه لم يشم رائحة الدم وموت الأطفال والمجازر عن هذا القرب.

وأكمل أنهم استطاعوا تغطية كافة المجازر من قانا وصريفا وغيرها، عمل الشباب بكل تضحية ورائحة الموت تفوح في كل مكان.. لم يتراجعوا.. بل أتموا المهمة على أكمل وجه ..أزالوا من بعض الأماكن الركام بأيديهم وانتشلوا الجثث وساعدوا العالقين.. فكان من بين فرقتهم الشهداء والجرحى ، لكن الحافز كان أقوى لإتمام ما بدأوا به.

وأضاف، أثناء إنزال مفرق العباسية عندما كانت المروحية تمشط المكان باتجاه صور ، كان شبابهم في وضع صعب، سمعوا الصراخ والرصاص والضرب فعزموا رغم الوضع على الدخول الى المكان وتقديم المساعدة فكان الجيش موجود هناك “أخذنا منهم الروح كما أخذوا الروح فينا”.

المشهد الأكثر تأثيراً بنظره كان انتشال جثة ولد وهو متمسك بكل قبضته بيد أمه والتساؤل عما كانت آخر عبارات نطقها الطفل وهو يمسك يد أمه ” سنقصف الآن، هل سنموت؟؟ وما كانت كلمات الأم رداً على خوف ابنها؟!”، يقول أنه لا يمكن التعبير سوى بدمعة وغصة.

وأشار أبو علي الى صعوبة تأمين المحروقات في وضع الحرب، لكن رئيس اتحاد بلديات صور عبد المحسن الحسيني ورئيس بلدية صور المهندس حسن دبوق أمّنوا لهم قدر المستطاع من المحروقات وأعطوهم الصلاحيات لاستخدام محطات البنزين.

أمّا الودائع التي انحفرت جانب ثكنة الجيش بعد أن امتلأت برادات المستشفى الحكومي، فقد تم وضع الأسماء أو الأرقام للمجهولين بمواكبة الجيش، الى حين انتهت الحرب وجاء الأهالي لتفقد إذ ما كان ابنهم من بين الشهداء، وبالإستعانة بأسطول جمعية الرسالة تم نقلهم الى ضيعهم وفقاً لرغبة عائلاتهم.

وفي بناية الدفاع المدني، كان أبو علي بالقرب من المبنى قبل أن يملأ الدخان المكان، لم يعرف وقتها أي مبنى قصف لكنه شاهد أبو زينب من الدفاع المدني مصاباً والجرحى يسيرون أمامه فنقل عدداً منهم الى المستشفى، وبعد الإبلاغ عن الحادثة قامت الجمعيات المختلفة بواجبها وأرادوا الإنسحاب لكن اتصالاً حثّهم على العودة لوجود أحدهم هناك وإذا بمحرمة تلوح من الطابق السادس فاستطاعت الفرقة بعد جهد من مد جسر بين مبنيين ليتفاجأوا بوجود عقيد مصاباً برأسه والى جانبه بحدود الثمانية أشخاص ” كانت فرحتنا لا توصف بإنقاذهم”.

وختم : ” أسفنا كان على الشهداء الشباب مثل علي ونجيب شمس الدين اللذين كانا ناشطين بالعمل الاجتماعي ولديهم العروبة القومية الأصيلة”.

مدير مشروع الحد من المخاطر في الصليب الأحمر اللبناني قاسم شعلان

قال أن تجربة حرب تموز كانت قاسية وأصعب من الحروب السابقة التي مرت عليه أثناء عمله كمسعف في الصليب الأحمر منذ 1993، إذ أثّرت بهم كثيراً من الناحية النفسية، لكنها جعلتهم يعملون أكثر على تحسين الخدمات.

يذكر شعلان حادثة قصف بناية في تبين، كانت وقتها سيارات الاسعاف التابعة لتلك المنطقة تحمل الجرحى، فكانوا يحاولون تبديل الجرحى لكي تبقى كل سيارة قريبة من منطقتها، وأثناء قيامهم بعملية التبديل في قانا في نفس مكان مجزرة 1996 وإذا بهم يسمعون صوت قصف سيارتهم وبنفس الدقيقة قصفت سيارة تبنين فأصيب بعض المسعفين وكان شعلان من ضمنهم.

وأكمل تعرض أحد الجرحى الى بتر قدمه وهو بحاجة للوصول الى المستشفى بأسرع وقت لكن القصف لم يتوقف على مدار ساعة ونصف الساعة، ولدى وصولهم الى مستشفى جبل عامل بعد هذا الوقت كان المصاب قد فقد الكثير من الدم ولم يتوفر لديهم وحدات لمساعدته، لكن شعار الصليب الأحمر دائماً الى ما وراء الواجب، من هذا المبدأ تبرّع شعلان الذي يحمل نفس فئة المصاب بدمه رغم إصابته.

تصاوب وأكمل إيماناً منه بحجم الدور الذي يلعبه في إشعار من حوله بالأمان وأنه يريد لنهايته أن تكون أثناء تقديم واجبه في مساعدة الآخرين وليس أثناء الهرب.

وأضاف أن هناك مشهداً أثّر فيه كثيراً بوجود أم تبكي على ولدها الميت وطفل يبكي على وفاة والدته، والأصعب كانت عملية إنقاذ زملاء لهم في عملية الإنقاذ أثناء ضربة مبنى الدفاع المدني، “لكن في هذه اللحظة يتطلب منا الواجب أن نفصل بين مشاعرنا وعملنا لإكمال المهمة، وتبقى ذاكرتنا مليئة بالمشاعر المؤلمة التي نستذكرها عند العودة الى مراكزنا”.

قدامى المسعفين موسى الزين

رأى الكثير من المواقف المحزنة في حرب تموز من أطفال التقطوا آخر أنفاسهم أمامه، طفلة استشهدت على حضن والدتها، أهداف لم يستطيعوا الوصول إليها لتقديم العون للمصابين، لكن العزيمة لم تذبل.

يقول أنه مع بدء الحرب تبلغ مع فرقته كمسعفين ليكونوا على جهوزية تامة والإلتحاق بمراكزهم، فلبوّا الطلب وبدأوا المهمة الأصعب، يروي حالة مجزرة الحوش عندما تدخلوا كمسعفين بسياراتهم المدنية، وقتذاك تعرضوا للقصف عندما كانوا يحاولون إزالة الجثث التي تحمل الشعارات البيضاء.

ويصف موقفاً محزناً في مجزرة بيت القدسي عند نزول أول قذيفة هناك ورغم التحذيرات دخلوا المبنى وحاولوا المساعدة، هناك سمع صوت طفل تحت الركام.. حاول الوصول الى مكان الصوت لكن القذيفة التالية كانت أسرع فأصيب بشظايا هو ورفيقه ولم يستطع مساعدة الطفل.

وفي بناية الدفاع المدني التي ضربت وراح ضحيتها شهداء الحزب القومي، حينها كان موسى أول شخص يصل للمكان ليرى علي ونجيب اللذين تربطه بهما علاقة شخصية.. اقترب من علي الممدد على الكرسي ليسعفه.. حاول مراراً التحدث إليه علّه يجيب.. كان متأكداً من استشهاده لكن روح الصداقة رفضت الاستسلام للواقع .. ولم يجب علي … بات الشهيد علي ..

يقول موسى أن كل هذه المشاهد لأطفال ونساء وشباب من غرباء حتى لأقرب المعارف لم تؤثر بنفسه كمسعف لأن واجبه يحتم عليه أن يحافظ على قلبه القوي وهو اليوم قادر على العمل أكثر إذ تعلّم من الثغرات.. وختم “هي ذكرى قاسية نتمنى عدم تكرارها”.

مدير مكتب الوكالة الوطنية للاعلام في صور قاسم صفا

لفت الى أن الانسان لا يستطيع مهما بلغ من التقنية المهنية خبرة وعملا ومهما اتسم عمله بالخصوصية ان يتجاوز شعوره الانساني الذي يحرك به لواعج الفؤاد ودموع العيون لفرح او لحزن على مشهد ما او مناسبة معينة.

يستذكر عمله وقتذاك قائلاً أن التغطية الاخبارية التي قمت بها وزملائي الصحفيين خلال عدوان اسرائيل في العام 2006 لم تكن تغطية مهنية جافة ، بل انطلقت من وجدان انساني ووطني وواجب، وقفنا فيها مع المقاومين في موقع الصورة والخبر لنواجه معا وننتصر معا ونهزم العدو الصهيوني معا لم نفكر ولو للحظة ان التغطية المهنية كصحافة وشعوري الشخصي انها تنفصل مع كوني أحمل نهجاً مقاوماً وعقيدة راسخة بأرضي ووطني وكيف بي ولا التفت خلال عملي الى عدد من المشاهد والقضايا الانسانية كالشهداء والجرحى والنازحين وفي بعض الاحيان كنت اتحول بعملي من مراسل صحفي الى العمل في ميدان الخدمة الانسانية… وما اذكره اننا اتفقنا مع بعض الزملاء بكتابة بعض الاخبار التي تظهر الحياة اليومية العادية للأهالي كتعبير عن الصمود رغم دوي مدافعهم وازيز رصاصهم الغادر.

وختم، في ذكرى عدوان تموز المجد للوطن والراحة والرحمة للشهداء وان تبقى الصحافة في خدمة القضايا الوطنية وليس في خدمة المشاريع المشبوهة.

مراسل تلفزيون الجديد وجريدة السفير حسين سعد

تحدث عن حرب تموز التي لم تكن الا واحدة من محطات الاعتداءات الاسرائيلية على الجنوب وقد عايش قبلها حروب نيسان 1993 و تموز 2006 وعملية التحرير وما بينهم من اعتداءات متكررة.

يقول أنه لم يكن يوما من الأيام ينفصل الحس الانساني عن العمل الميداني الصحافي لأن واحداً من الاندفاعية الى هذا العمل هو الشعور بالتحدي والالتزام تجاه الانسان والوطن، مضيفاً أنه في كل الاعتداءات ولا سيما منها المجازر المتنقلة، كان يغلب الشعور الانساني ويستسلم في حالات كثيرة لآلة التصوير أو قراءة رسالة صوتية اذاعية او تلفزيون لكن مهمتنا تتطلب ان نرسل الصورة والصوت والصدى للشهداء وفضح العدوان، بيد أن ذلك لا يعني الاستكانة الى آلة التصوير وعدم مد يد العون الى المصابين خاصة عندما لا يكون هناك فرق الاسعاف.

وفي حرب تموز تخلى قليلاً عن آلة التصوير في أماكن عديدة لم يكن فيها أي مسعفين وهذا أمر بديهي لا يحتاج الى مباركة.

مراسل جريدة البناء مصطفى الحمود

تحدث عن صعوبة العمل كمراسل على الأرض يحاول نقل الأحداث بواقعية لكنها تترك غصة في القلب من مشاهد ليس من السهل رؤيتها.

يذكر موقفاً هزّ كيانه عندما نزل صباحاً ليلتقط الصور وإذ به يرى قطة تأكل من أشلاء الشهداء فأدمعت عيناه وأنزل عدسته..

وقال أن كل منا يقاوم بمجاله، المقاومة بالسلاح وهو بالصورة والقلم.. وهكذا كان الإنتصار..

مراسل الوكالة الوطنية للاعلام وجريدة اللواء جمال خليل

قال أنه كان الهدف الأساسي كوكالة وطنية تابعة لوزارة الإعلام في الدولة اللبنانية أن ننقل الحدث خلال حرب تموز 2006 بدقة ومصداقية دون زيادة أو نقصان الى بيروت وبسرعة فائقة.

وأضاف أنه كان يؤدي واجبه بالرغم من وجوده خارج المعركة وقد لاحظ الكثير من الأخطاء لدى بعض المراسلين التي قد تكون مقصودة أو خلاف ذلك، مثل الإتصال به لإعلامه بخبر تدمير الطائرات الاسرائيلية لمرفأ مدينة صور، الأمر الذي اثار امتعاضه وغضبه إذ وقتذاك لم يكن يبعد سوى عشرة أمتار عن الميناء، فردّ قائلاً هذا الشخص أخباره غير دقيقة وملتبسة، أمّا عن العدوان الموجع الذي طال الناس الأبرياء فيؤكد بأن عمله دائماً ما كان ينفذ وفقاً لما يمليه عليه واجبه الأخلاقي والوطني.

Leave A Reply