البنك الدولي ينعي لبنان: وصلنا إلى حائط مسدود

خضر حسان -المدن

تتصرّف القوى السياسية وكأنّها تملك الوقت، فيما الواقع يدلّ على عكس ذلك تماماً. فالاقتصاد في حال انكماش قد تتخطّى نسبته انكماشه 14 بالمئة خلال العام 2021، بحسب ما يتوقّعه البنك الدولي. وهذه النسبة بنيت على المؤشرات التي سُجِّلَت في تشرين الأول 2020، “لكن ازدادت الامور سوءاً منذ ذلك الوقت”، وفق ما أكّده مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه، في لقاء صحافي يوم الجمعة 22 كانون الثاني.

ويُضاف إلى الانكماش، وصول “ربع الشعب اللبناني الى ما دون خط الفقر”، فضلاً عن استفحال أزمة انتشار فيروس كورونا، إلى جانب تدهور الوضع التربوي والتعليمي إلى مستوى يهدد الجيل المستقبلي من اللبنانيين. فالمخرجات التعليمية على مستوى دولي، تبين أن الأطفال في لبنان “لا يحصلون على المستوى التعليمي الجيد”، وبالتالي “قادة المستقبل لن يمتلكوا المهارات الكافية للنجاح، ويتدنى ذكاؤهم”.

حالة نقاش

تعالج المنظومة السياسية التدهور بالآليات التي تعالج بها خلافاتها السياسية حول توزيع الحقائب الوزارية والمشاريع والصفقات. والسجالات والخلافات والاعتكافات والتحالفات والخصام… هي أي شيء آخر عدا الاحتكام إلى الطرق العلمية في إدارة الأزمة. وبرغم التجربة السلبية مع المجتمع الدولي، بدءاً من تعليق دفع سندات اليوروبوند بلا تحديد آلية فعّالة لاعادة الدفع أو التفاوض مع حاملي السندات، مروراً بمهزلة الخلاف بين الحكومة ومصرف لبنان حيال أرقام العجز،وتطيير فرصة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وصولاً الى تمييع عملية التدقيق الجنائي، ما زالت الدولة في حال نقاش مع البنك الدولي.

العيب ليس في البنك، بل في الدولة التي تتجاهل عمداً إرشادات ونصائح البنك. واعتماد المنظومة السياسية خيار التجاهل، عمَّقَ الأزمة ليطلب منها البنك الدولي “الالتزام بالاصلاحات كمخرج وحيد، وإلا ستسوء الأمور”. ومرّة أخرى، “لم يتم الرد من الناحية السياسية”. ولم يكن ذلك مفاجئاً للبنك، فـ”المشاكل في لبنان ذاتية، والاصلاحات حساسة وخطيرة جداً”.

توصيف المشاكل وصعوبة الاصلاح، هو ما يدفع المنظومة إلى تضييع الوقت بالنقاشات ورمي المسؤوليات، علَّ ظرفاً موضوعياً ما يطرأ، فيدفع المجتمع الدولي للتغاضي عن الوضع الداخلي، فيساعد لبنان بعيداً عن المطالبة باجراء الاصلاحات، على غرار المساعدات الإنسانية التي ترافقت مع تفجير مرفأ بيروت أو انتشار فيروس كورونا إلى درجة تستدعي التدخّل والمساعدة الدولية.

العودة إلى الوراء

يجدد كومار جاه التزام البنك الدولي بمساعدة الحكومة على تخطي الأزمة، لكن هناك “حاجة لأن تجتمع القوى السياسية للتركيز على الإصلاحات الهيكلية لتحقِّق بعض الاستقرار في البلاد”.

هذه الحاجة تعيد النقاش الى المربّع الأول، إذ تُدخِلنا في دائرة مفرغة من طلب الإصلاح ممّن هم مسؤولون عن الفساد وتدمير البلاد. وكومار جاه يدرك هذه الدائرة. فالبنك الدولي تحدث في وقت سابق عن الاصلاحات وحذّر من انهيار البلد، ومع ذلك “وصلنا في بعض الأمور إلى طريق مسدود”، يقول كومار جاه الذي يخشى أن يتأخّر الساسة في إجراء الاصلاحات وتحقيق التنمية، إلى درجة “لن يبقى هناك احد لتحقيق التنمية من أجله”. لذلك، يقترح مدير دائرة المشرق في البنك الدولي أن “نبدأ بحلِّ الكثير من الأمور لنعود أدراجنا إلى ما كنّا عليه”.

ويحاول كومار جاه إعطاء اللبنانيين جرعات تفاؤل عبر إيحائه أن طريق العودة إلى الوراء تمرُّ بالتأمين اللقاحات ضد كورونا. فعندئذ “يعطي التلقيح ثقة لفتح الاقتصاد”. إلاّ أن تجذّر الأزمة الاقتصادية وبنيويّتها، يجعل من المستحيل حلّها انطلاقاً من التلقيح أو حتى القضاء على كورونا كلياً. فأزمة الثقة في اقتصاد البلاد وقطاعاتها، وعلى رأسها القطاع المصرفي، سابقة لانتشار الفيروس. وكومار جاه يعلم بأن “الكثير من الأمور التي سيصل اليها لبنان ولن يتمكن من حلّها”.

ولعلّ كومار جاه في رؤيته تلك، يريد تخفيف وطأة الأزمة على اللبنانيين، ليس إلاَّ. لكن وإن كان قصده حقيقياً حيال الربط بين الأزمة الاقتصادية والتخلّص من الفيروس، فإن المنظومة السياسية اللبنانية لن تسارع إلى وضع خطة لإعطاء اللقاح “يرضى عنها البنك الدولي”. وعليه، هناك مخاوف من عدم تقديم البنك الدولي مساعدات كافية نتيجة عدم ثقته بخطة الحكومة. وبذلك، لن يخدم التلقيح فتح الاقتصاد.

من ناحية ثانية، أبلَغَ البنك الدولي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير المالية غازي وزني، ضرورة إجراء إصلاح للقطاع المالي، بالاضافة إلى إصلاح آلية الدعم، على أن يحصل ذلك في إطار التثبيت الاجتماعي، وإلا ستواجه الحكومة تحديات أصعب. ولم تتحلحل عقدة المنظومة التي يعترف كومار جاه بأنها “منظومة اقتصادية اجتماعية صعبة للغاية”. فعن أي عودة الى الوراء يتحدَّث، خاصة وأن البنك ينادي ببناء آلية لمكافحة الفساد؟

يعي البنك الدولي تفاصيل الأزمة اللبنانية، وهو في معرض سعيه لتوصيل أطراف الحل بعضها ببعض، وصل في بعض الأحيان إلى طريق مسدود. ولا مؤشرات حتى الساعة على إمكان فتح الطريق، بل كل المؤشرات تدل على تعقيد إضافي. علماً أن الحلول التي يطرحها البنك وصندوق النقد الدولي، ليست حلولاً وردية، فهي تطال بيع ما تبقّى من أصول للدولة، وإن أتى ذلك تحت مظلّة التخلص من الفساد.

إذاً، هو بيان نعي غير رسمي تلاه كومار جاه بلغة نقاش سهلة، وجّهَ خلاله رسالة واضحة إلى أركان المنظومة اللبنانية، مفادها أن لبنان انتهى.

Leave A Reply