إنا لله وإنا إليه راجعون
انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء المتفقه العارف والعابد الزاهد والتقي النقي الحاج محمود عباس شاهين أعلى الله في مراتبه .. إبن بلدة يارون الجنوبية العاملية المجاهدة الصابرة .. وآخر حواريي الفقيه المجاهد آية الله الشيخ حسين معتوق العاملي أعلى الله مقامه وكيل مراجع التقليد في لبنان ، وإمام ومؤسس مسجد الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية مؤلف كتاب : ” منهج الدعوات في أعمال شهر رمضان المبارك ” ، وكتاب : ” المرجعية الدينية العليا ” .. وغيرهما من الكتب النافعة ، وصاحب المواقف التي رعت مصالح الشيعة لعقود من الزمن في بيروت ما بين حقبة آية الله السيد محمد حسن فضل الله العاملي رحمه الله تلميذ الميرزا النائيني ومؤسس أول حوزة في بيروت وأول صلاة جمعة في منشية برج البراجنة ، وبين حقبة حضور الإمام المغيب السيد موسى الصدر العاملي فرج الله عنه ، والذي كان – أي السيد المغيب – يستشير الشيخ معتوق في كل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة ، إلى درجة كان يجلس عنده ليلة العيد ليعلن الشيخ معتوق ثبوت رؤية الهلال ..
وقد سار المرحوم الحاج شاهين على نهج أستاذه الشيخ معتوق في الفقه والعبادة وعمل الخير ، وهو الذي لم يترك عمل الخير منذ أسس أول مصانعه في محلة النبعة في ضاحية بيروت الشرقية قبل أن ينتقل بمصنعه إلى جمهورية مصر العربية على أثر أحداث الحرب الأهلية اللبنانية المؤلمة ، وكان يتردد إلى مصر ، وأوكل إدارة مصنعه في مصر لأولاده حفظهم الله ورحم الماضين منهم ، وكان يقوم بتمويل كل مشاريع الشيخ معتوق الخيرية والاجتماعية ، سيما التقسيم الشهري النقدي والعيني على العوائل الفقيرة في بداية كل شهر ، كما كان داعماً لمشاريع تأسيس المساجد والحسينيات ومعونة علماء الدين وطلاب العلوم الحوزوية ، وبقي على هذا المنوال حتى آخر لحظة من عمره الشريف ، حيث كان يخصص مبلغاً من المال لكل معمم يقصده في دارته أو يراه في المناسبات العامة والخاصة ، وبهذا كان من التجار القلائل الذين تابعوا هذا النوع من الأنشطة ، وبذلك اختصه الله بهذا الفضل على الحوزة العلمية ..
تابع الحاج شاهين الشؤون العلمية بالتفقه على يد الشيخ معتوق ، وصنف العديد من الكتب ، سيما كتابه : ” آيات وسور التوراة في خطب الإمام علي عليه السلام ” .. وكتبه في الأعمال اليومية من الأدعية والزيارات والصلوات ، وكتابه التفصيلي في مناسك الحج حيث كان من المدمنين على الحج والعمرة والزيارة ، كما كان يصوم أكثر أيام السنة سيما أشهر رجب وشعبان ورمضان ، وما دخلت عليه يوماً إلا ووجدته صائماً ، مسبحاً ذاكراً لله ، مردداً لخطب أمير المؤمنين عليه السلام ، وأحاديث أهل البيت عليهم السلام عموماً ، وأحوال العلماء والعباد والزهاد والصالحين ، وكانت له مكتبة في داره تنافس مكتبات العلماء الكبار ، ورعى طباعة الكتب الإسلامية بواسطة دار الهلال للنشر والطباعة ..
ومن مختصات ملازمته للشيخ معتوق ما رواه لي من كرامة وثقتها في ترجمة الشيخ معتوق في فصول كتابي : ” الذريعة لمعرفة علماء الشيعة ” ، وملخصها حضوره عند الشيخ معتوق أيام مرضه مرض الموت في المستشفى ، وكيف كاشف الشيخ معتوق برؤية أمير المؤمنين عليه السلام في عالم اليقظة ، وتوسل لرد روحه للدنيا متعذراً بوجود أمانات للناس لا بد له من توزيعها على الفقراء والمحتاجين من الحقوق الشرعية وغيرها ، فرد الله عليه روحه بعدما صعدت .. وعاش بعدها مدة مديدة .. والكرامة موثقة عندي بتفاصيلها بإملاء الحاج شاهين غفر الله له ولوالديه .. وحشره مع مولاه أمير المؤمنين رزقنا الله زيارته في الحياة ومجاورته وشفاعته بعد الممات إنه سميع مجيب ..
نفتقد هذا النموذج من المتفقهين العابدين الزاهدين الذين أصبحوا عملة نادرة في مجتمعنا ، ونحن إلى مجالسة أمثاله .. نسأل الله حسن العاقبة ، وإلى روحه ثواب الفاتحة ..
غرة شعبان المعظم 1446
الكاظمية المقدسة
الأقل : د . ش . إبراهيم العاملي
سليل الشهيد الثاني صاحب الروضة البهية ..