السبت, أكتوبر 12

“الخماسية” بين تباينات الشكل وتفاهمات المضمون

كان من المفترض أن تدشّن مجموعة الدول الخمس تحركها الجديد ببرنامج واضح ومنسّق ومدروس، خصوصاً أن مشاورات عدة كانت قد جرت بين العواصم الخمس بدءاً من مطلع العام الجديد، لكنّ البداية جاءت مُلتبسة مع الإعلان عن تأجيل موعد كان قد أخذ سابقاً مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليشكّل نقطة الإنطلاق للمرحلة الجديدة والتي من المفترض أن تتوّج بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

لكنّ الخطوة الأولى جاءت “متعثرة”، وهناك تفسيران لهذا الأمر، الأول له علاقة بآلية عمل اللجنة، والثاني بتطورات حرب غزة.

فمع انطلاق السنة الجديدة تم التفاهم بين العواصم الخمس على وجوب إعداد تحرّك جديد للخماسية وفق مسار تصاعدي وبناءً على الخلاصات التي خرج بها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، الذي كان قد حَظي بتوكيل الخماسية عبر العشاء الذي أقيم في السفارة الفرنسية خلال جولته اللبنانية الأخيرة. يومها، أعلن لودريان في وضوح أن السعودية إنخرطت كلياً في هذا الملف بعد أن كانت متمسّكة بالجلوس في الصف الثاني مكتفية بإبداء ملاحظاتها من بعيد. وهذا الموقف كان يعني أن الظروف لم تنضج بعد.

لكن مع الاتفاق على عناوين المرحلة الجديدة للتحرك الخماسي دار نقاش حول ضرورة انعقاد اجتماع للخماسية على المستوى السابق يحضره لودريان، ويصدر عنه بيان ختامي مفصّل يحمله معه لودريان لينطلق بعدها في مهمته الجديدة بقوة أكبر. وكان الإقتراح الأول أن تحتضِن باريس الإجتماع قبل أن تُبدي مصر رغبتها بحصوله في القاهرة. لكن لودريان، والذي كان موجوداً في السعودية، إقترح عَقده في الرياض ما سيُعطيه دفعاً معنوياً لجهة إبراز الانخراط السعودي في الملف. ووافق أعضاء اللجنة، لكن الموعد لم يحدد بعد في انتظار حصول لودريان على الجواب السعودي عبر المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا كونه المكلّف متابعة الملف. ولأجل ذلك تأخّر موعد انعقاد اجتماع الخماسية فيما يتوقّع حسم الجواب الأسبوع المقبل.

في هذا الوقت تم الإتفاق على أن يبدأ التحرك من خلال سفراء الدول الخمس في بيروت وزيارتهم للمرجعيات والقوى اللبنانية الأساسية، ما سيشكّل تمهيداً ممتازاً لاجتماع الخماسية ولجولة لودريان الجديدة. وبالتزامن، عاد السفير السعودي وليد البخاري الى لبنان وباشَر حركة ناشطة تتلاءم مع المشهد الجديد، وسط توقعات بأنّ العقدة الرئاسية لن تطول، وأن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد على ذلك.

وجاءت ذروة الإثارة في التحرّك الجديد للبخاري من خلال استضافته السفير الإيراني في الخيمة العربية في مقر إقامته. وبغضّ النظر عن مضمون اللقاء ومدى ولوجه التفاصيل، إلا أن مجرد حصول اللقاء يحمل دلالات مهمة ومعبّرة. فهو ما كان ليحصل لولا وجود موافقة مسبقة من المراجع العليا لكلا البلدين، ولهذا معناه. كذلك فهو يؤشّر في وضوح الى وجود نيّات للتعاون حول الملف اللبناني. أضِف الى ذلك إشارة سعودية الى أن الرياض قادرة على أن تشكل قناة التواصل مع الجانب الإيراني طالما أن الخماسية لن تصبح سداسية.

وانطلاقاً من هذه المستجدات، تم تحديد موعد للقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكنه سرعان ما تم تعديله ليقتصر على لقاءين منفصلين مع كل من السفيرين السعودي والمصري بسبب تحفّظ السفيرة الأميركية الجديدة، والتي لم تستكمل بعد لقاءاتها التعارفية مع المسؤولين اللبنانيين. فكيف لها أن تدخل الى لقاء مع شخصية لم تجتمع معها بعد وهي في صحبة سفراء آخرين؟ كما أنها أبلغت أنها لم تُطلع بعد رؤساءها على برنامج التحرك. أضِف الى ذلك أنه من المفترض أن يسبق اللقاء مع بري اجتماع للسفراء الخمس للتفاهم وتنسيق المواقف لا الذهاب الى اللقاء من دون تحضير مسبق. لكن هنالك من فسّر الموقف الأميركي بأنه “إشارة لفت نظر” الى أنه لا يمكن السير به وكأنه مُلحق أو تحصيل حاصل. ولذلك، سيجتمع سفراء الدول الخمس اليوم في السفارة السعودية للتفاهم قبل الشروع في برنامج تحركهم ولقاءاتهم.

وثمة حساسية أخرى غير ظاهرة لدى لودريان ويتفهّمه بها الطرف السعودي وتتعلق بتحرك الموفد القطري من دون الرجوع أو التنسيق المسبق مع المجموعة الخماسية بكاملها. وكان لودريان قد لمح بذلك أمام رئيس الوزراء القطري خلال زيارة سابقة الى الدوحة. لكنّ الأطراف المعنية تضع كل ذلك في إطار التباينات الشكلية والتي سيجري الإتفاق على ترتيبها الاسبوع المقبل. أما على مستوى المضمون فالمسألة أكثر جدية.

فثمة أجواء داخل الخماسية مفاداها أن “حزب الله” حدّد 3 مواصفات للرئيس المقبل، وهي وفق شيء من التدقيق تهدف الى غربلة الأسماء المطروحة:

ـ أولاً، هو يكرر ما قاله جهارا ودائما أن المطلوب رئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها. وهو بذلك يضع “ڤيتو” على المرشحين المنتمين الى الفريق الذي يخاصمه.

ـ ثانياً، هو يدعو الى رئيس قادر على جمع كل الافرقاء وقادر على تحقيق الإصلاحات.

ـ ثالثاً، وهو أكثر ما يلفت، أن لا يشكّل هذا الرئيس باب اعتراض لدى الدول التي ستتولى مساعدة لبنان. والتفسير هنا أنّ المقصود السعودية.

وفي كواليس الخماسية تداول في هذه النقاط الثلاث. وربما هذا ما دفع لودريان الى الطلب من “حزب الله” خلال جولته الأخيرة أن يعمد لسحب ترشيح سليمان فرنجية، إلا أن الجواب أتى بأن الحزب لن يقوم بهذا الدور داعياً لودريان لأن يطلب هو ذلك من فرنجية. وتفسير الخماسية هنا أن الوقت لم ينضج بعد.

وفي برنامج الخماسية أن تُعقد لقاءات تشاور مع الكتل النيابية، مع قيام لودريان بجولته المتوقعة، بعد اجتماع الخماسية وصدور بيانها الختامي.

وكحلّ وسط تعقد جلسات التشاور وفق صيغة جديدة وخارج مجلس النواب. وفيما تتحفظ بعض الكتل عن أن يتولى لودريان الدعوة الى هذه الجلسات، ظهر اقتراح بأن تُبادر الى الدعوة كتلة نيابية تعتبر خارج الإصطفافات، ولكن الصيغة لم تحسم بعد.

وفيما يشيد أعضاء اللجنة بالمهنية العالية وبمرونة السفير الفرنسي الجديد هيرفيه ماغرو، والذي فهم الملف اللبناني أكثر بكثير من سلفه آن غريو، نقل عنه أنه خرج بعد اجتماعه بالنائب جبران باسيل بانطباع مفاده أنه أضحى يميل الى أن يكون أكثر مرونة من السابق. فهو لا يريد أن يصبح خارج اللعبة وأن خسارته معركة التمديد لقائد الجيش أزعجته جداً.

وفي كواليس الخماسية أيضا البدء بالبحث عن الرئيس المقبل للحكومة وعن تركيبتها وبرنامج عملها. ويتردد أن هذه النقطة التي تهمّ السعودية خصوصاً ما تزال غير واضحة. وهنالك تفكير بالبحث عن شخصية اقتصادية مرموقة وليست مستهلكة ولديها القدرة على وَضع برامج يَدفَع الى انتشال الوضع الإقتصادي وإعادة بناء المؤسسات بالتفاهم والتعاون مع المؤسسات الدولية. يعني بتعبير آخر “ميني” رفيق الحريري عندما دخل الساحة اللبنانية عام 1992.

لكن يبقى الجانب الأهم وهو الوضع الإقليمي وحرب غزة وجبهة الجنوب، خصوصاً أن “حزب الله” ما تزال أجواؤه تستبعد إتمام الاستحقاق الرئاسي قبل انتهاء حرب غزة.

فقيادة الحزب، والتي دأبت على إبلاغ الجميع أنها لا تريد الذهاب الى الحرب المفتوحة، مرتابة من النيات الإسرائيلية، ولذلك باشرت استعداداتها الميدانية والعملية لمواجهة احتمالات الحرب المفتوحة. وينقل عن بري قوله لزوّاره الغربيين: “لا نريد الحرب ولكن المواقف الإسرائيلية لا تبشّر بالخير”.

ووفق الأوساط الديبلوماسية الغربية فإنّ بري قال: “نحن التزمنا القرار 1701 وعلى رغم من ذلك اسرائيل لم تلتزمه. وذهبنا الى الليطاني والى ما بعد الليطاني إذا شئتم، ولكن الاسرائيلي يُمعن في الخروقات والتوترات. وحتى مع اشتعال الوضع في الجنوب وعلى رغم من الاعتداءات الاسرائيلية الخطيرة لم تفلت الأمور وبقيت الحرب المضبوطة ولم تتطور الى الحرب المفتوحة” .

كلام بري هذا فهمه الديبلوماسيون الغربيون على أنه إبداء مرونة وجهوزية للتعاون وصولاً الى القرار 1701 . لكن ثمة ما هو أبعد ويتعلق بكل المشهد والصورة. فالاجواء الغربية ما تزال تؤكد أنّ واشنطن ستستمر في لجم إسرائيل عن الحرب المفتوحة على لبنان، وأن مخاطر تَفلّت الأمور انتهت بعد مرور أول أسبوعين على الحرب. ومنذ ذلك الحين خضعت الجبهة اللبنانية لاختبارات عدة خطرة وتم تجاوزها. إلا أن هنالك الصيغة التي ستواكب تطبيق القرار 1701، أي تلك المتعلقة بالملاحق الأمنية والسرية، وهنا النقطة الحساسة. فعلى سبيل المثال، ما تريده اسرائيل يتعلّق حَول الصواريخ الدقيقة لدى “حزب الله”، وهو ما لن يسلم به.

لذلك يبدو التوقيت الرئاسي بالنسبة الى الحزب غير مناسب الآن. فالتركيز هو حول الجنوب وغزة، والأهم أن الملف الجنوبي طابعه إقليمي ولا يمكن “تقريشه” رئاسياً كما يتوهم البعض. فالمسألة أعقد وأعمق. وهنا يصح السؤال حول معاني الصورة التي جمعت السفيرين السعودي والإيراني. فهل تنجح السعودية في انتزاع “مونة” إيران لإتمام الملف الرئاسي؟

جوني منيّر – الجمهورية

Leave A Reply