حركة دبلوماسية مكثّفة تسبق الحرب… أو تمنعها!

تتكثّف الحركة الدبلوماسية في المنطقة، وفي بيروت ضمناً. أول الوافدين كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان آتياً من العراق، قبل أن يتوجّه إلى دمشق، وليعود من بعدها إلى بيروت ليغادر من مطارها، فيما ينتظر أنّ تصل وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لبنان، في جولة على دول في المنطقة تشمل إسرائيل، والأردن ومصر. كما يستعدّ وزير الخارجية التركي لزيارة لبنان مطلع الأسبوع المقبل.

ويستدلّ من هذه الحركة، على أنّ هناك رغبة دولية في عدم توسيع مساحة التصعيد العسكري في المنطقة خشية من فوضى غير محسوبة النتائج إذا ما تفلّتت قواعد الاشتباك وصارت بلا أي سقف، وتشير وفق المتابعين إلى تأجيل خطط التوغّل الإسرائيلي البرّي في غزة. ولكن من التقى عبد اللهيان في لقاءاته الرسمية، لم يسمع منه أي تطمينات تجاه المرحلة المقبلة، كذلك لم يلمس تصعيداً ممنهجاً مرتقباً من جانب «المحور». بما معناه أنّ مفرداته لم تخرج عن سياق سياسة بلاده إزاء الملف الفلسطيني، فهو جدّد التحذير من مغبّة استمرار العمليات العسكرية من جهة، وذكّر بضرورة إيجاد حلّ عادل للقضية من جهة ثانية. ولهذا لم يلمس منه المسؤولون اللبنانيون، أي إشارة واضحة، قد يبنى عليها لفهم التطوّرات الميدانية.

في المقابل، لم يتردد في التأكيد أمام الرسميين أنّ بلاده لم تكن على علم مسبق بعملية «طوفان الأقصى»، مشيراً إلى أنّ التواصل مستمر مع «حماس» التي أبلغت الإيرانيين أنّها قادرة على الصمود لأشهر بعد. وهذا ما دفع من التقاه إلى الاستنتاج إلى أنّ كل التطورات العسكرية في المنطقة مرتبطة بما سيحصل في غزة في المرحلة المقبلة.

في الواقع، ثلاثة جوانب، حملتها زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت، كما يرى المتابعون. وتتلخّص بالآتي:

– الجانب المعنوي المتصل بدعم إيران الفلسطينيين إزاء ما تتعرّض له غزّة من تدمير ممنهج منذ تنفيذ حركة «حماس» عملية «طوفان الأقصى». ولهذا تمّ توقيت الزيارة على وقع الهتافات التي ارتفعت في العديد من المدن العربية والمحيطة، ومنها بيروت التي شهدت أكثر من تحرّك تضامني مع غزة. بهذا المعنى، فإنّ رسالة الدعم هي أول ما حملته زيارة الدبلوماسي الإيراني إلى المنطقة بعد أكثر من ستة أيام على بدء المعارك العسكرية.

– الجانب السياسي المتصل بزيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى إسرائيل، وذلك من باب «موازنة» الدعم بين ما تقوم به الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل، وبين ما يفترض أن تقوم به طهران لمساندة «حماس» والفلسطينيين، والتأكيد على أنّ إيران لم تتخلّ عن مناطق نفوذها وحلفائها.

– الجانب العملاني، وهو أكثر الجوانب أهمية في هذه الزيارة، لكونه ينخرط في عمق التطوّرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، والتي قد تكون مفصلية في تداعياتها وفي انعكاساتها. إذ تفيد المعلومات بأنّ الهدف الأبرز من زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى المنطقة هو إجراء تقييم معمّق مع كل حلفاء طهران من حماس إلى النظام السوري ومروراً بطبيعة الحال بقيادة «حزب الله» لكل التطورات الميدانية والعسكرية، بناءً على شرح مفصّل تولّته هذه الأطراف، ليبنى على الشيء مقتضاه.

إذ لم يعد خافياً، أنّ الاتصالات الدبلوماسية التي حصلت خلال هذا الأسبوع، ومذ أن بدت الجبهة الشمالية لإسرائيل على أهبة الاستعداد، للمشاركة في المعارك المندلعة في غزة، كانت تهدف بشكل خاص إلى تحييد هذه الجبهة. وقد تولاها، وفق المتابعين، القوات الدولية (اليونيفيل)، الفرنسيون، المصريون، القطريون، وهؤلاء قادوها بشكل مباشر مع قيادة «حزب الله»، فيما أجراها الأميركيون بشكل غير مباشر، وكانت تهدف إلى إبلاغ «حزب الله» بتحذيرات واضحة من مغبّة «إنعاش» جبهة الجنوب وتوسيع بيكار العمليات العسكرية. كذلك تلقّى النظام السوري تهديدات مباشرة لمنعه من المشاركة في المعارك.

ويشير المطلعون إلى أنّ واشنطن تعمل على حصر الأعمال العسكرية بقطاع غزّة، وتسعى جاهدة لكي لا تتحوّل المعركة إلى حرب إقليمية تزيد من أعباء إسرائيل وخسائرها وتشتّت تركيزها العسكري فيما المطلوب إضعاف «حماس» بشكل حاسم. وهذا هو الهدف الأساس من الاستعراض العسكري الذي تفلشه واشنطن على شواطئ المتوسط، ليس من باب إسناد الإسرائيليين بالذخيرة والنار، وإنما لردع أي محاولة لتوسيع ميدان المعركة. بدليل أنّ الأميركيين باتوا يتحدثون عن عدم وجود أدلة تثبت تورّط إيران في عملية «طوفان الأقصى». حتى أنّ مسؤولين في «حزب الله» يقرّون بشكل رسمي بأنّ قيادتهم تفاجأت كما كل العالم، بالعملية لحظة حصولها، ويرون أنّ وجود الأسطول الأميركي في المنطقة، هو رسالة واضحة لـ»الحزب» قبل الفلسطينيين.

ولهذا، يفيد المطلعون بأنّ عبد اللهيان أراد الاطّلاع على حقيقة الوضع الميداني من أصحاب العلاقة لإجراء تقييم شامل ومفصّل لوضع حلفائه بعد ستة أيام على بدء المعارك العسكرية، لوضع خلاصات وتصوّرات لكيفية مواجهة المرحلة المقبلة.

حتى الآن، يكتفي «حزب الله» بالمناوشات الحدودية، وبقاعدة الموازنة في الضربات التي يتعرّض لها لبنان والتي يردّ بها «الحزب». لكن السؤال الأهم عمّا إذا كان سينخرط في الحرب، فلا جواب عليه. ولا مصلحة لـ»الحزب» وفق عارفيه بتأمين الإجابات.

كلير شكر – نداء الوطن

Leave A Reply