تقرير أممي… لبنان أتعس الدول في مؤشر السعادة العالمي

حل لبنان في المرتبة ما قبل الأخيرة في تقرير مؤشر السعادة العالمي لعام 2023 بين 137 ‏دولة من مختلف قارات العالم، فيما أتت أفغانستان في المرتبة الأخيرة. وفي التقرير الذي ‏يصدر بإشراف الأمم المتحدة حصدت فنلندا لقب “أسعد بلد في العالم لعام 2023” للسنة ‏السادسة على التوالي، علماً أن التقرير شمل 13 دولة عربية من 22 دولة عضواً في جامعة ‏الدول العربية، وحلت الإمارات العربية المتحدة في الصدارة بين الدول العربية وفي المرتبة 26 ‏على مستوى العالم، وتلتها السعودية ثم البحرين والجزائر والعراق وفلسطين، في التقرير يبدو أن معظم الدول تحافظ على تصنيفها السنوي عاماً بعد عام، وقد تكون ليتوانيا ‏الدولة الجديدة الوحيدة في قائمة الدول الـ20 الأولى، فأي معايير يستند إليها التقرير في هذا ‏التصنيف لمستوى السعادة، وهل يعكس فعلاً واقع الدول بشمولية وموضوعية تامة؟

معايير محددة لتصنيف الدول

ربط الفيلسوف الهندي أمارتيا سين السعادة بقدرة الفرد على القيام باختيارات مصيرية حرة من ‏دون ضغوط ترغمه على ذلك، لذلك، اعتُمد هذا المبدأ ضمن المعايير التي يستند إليها التقرير ‏لتحديد مستويات السعادة في الدول وفي تصنيفها. يقيس التقرير مستويات الدعم الاجتماعي ‏والدخل والصحة والحرية، والفساد على أساس استبيان تجريه شركة “غالوب للأبحاث” وأسئلة ‏تطرحها في الدول، ويوضح الاستشاري الباحث في التنمية المستدامة كميل حاماتي في حديثه ‏مع “اندبندنت عربية” أن هذا الإحصاء يعتمد‎ ‎‏ منهجية معترفاً بها علمياً ويعد مرجعاً من هذه ‏الناحية، إذ يستند في البيانات إلى مقابلات تجريها شركة “غالوب للأبحاث” بشكل استبيان من ‏خلال مكاتب ومندوبين لها في مختلف دول العالم، وفي التقرير تؤخذ البيانات من الشركة التي ‏تعد مصدراً موثوقاً ولها منهجية علمية في إجراء الاستقصاء الذي يضم 1000 شخص ‏سنوياً على مدى ثلاث سنوات.

‏بين المنطق والعلم

تكثر التساؤلات حول ما إذا كان هذا النوع من الاستقصاء يمثل المجتمع كاملاً، وما إذا كان ‏يعكس واقع الدول فعلاً بالنظر إلى المعايير التي يستند إليها، ويعتبر حاماتي هذا الأسلوب في ‏الاستقصاء لتصنيف الدول “مسطحاً” لأن المعايير تختلف بين الدول والتعميم غير ممكن، فلا ‏يجوز وضع مبادئ معينة ومقاييس وتعميمها لأنها لا تنطبق على الدول كافة والشعوب. ‏المنهجية المعتمدة فيه تبسط مفهوم السعادة بشكل مبالغ فيه، وتستند إلى مبدأ أن الأشخاص ‏الميسورين مادياً يستمتعون بحياتهم بشكل أفضل ويمرحون بحرية من دون عوائق.‏

ويستند تقرير مؤشر السعادة السنوي إلى ستة معايير أساسية لتصنيف الدول بين تلك الأكثر ‏سعادة وتلك الأتعس في العالم.‏

أولاً: الناتج المحلي الإجمالي

إذ إن انخفاض معدلاته ‏يدل أن الدولة والشعب في حالة من التعاسة حكماً. “لا يمثل هذا المعيار لبنان فعلاً لأن ‏المجتمع اللبناني فيه كثير من التنوع، فيما يعتمد الاستقصاء على آراء 1000 شخص ‏تختارهم الشركة عشوائياً في جمع البيانات، وتصنف الدول بحسب المعدل الذي تحققه كل ‏دولة، والمنهجية المعتمدة علمية وما من جدال حول المبادئ التي تستند إليها في الاستقصاء، ‏كما أن الجهة المعنية موثوقة، لكنها لا تأخذ بالاعتبار الوضع الخاص بكل دولة، والمجموعات المتنوعة داخلها. يصنف هذا الإحصاء العالم بين أسود وأبيض ويبسط ‏الأمور إلى درجة مبالغ فيها، صحيح أن الناتج المحلي منخفض فعلاً في لبنان، ولا يعني ذلك أن ‏المواطنين كافة من الفقراء، كما هو معروف في لبنان”.

ثانياً: معدل العيش أو متوسط العمر

أثرت أزمات عديدة مر بها لبنان في متوسط العمر فيه، إلا أن التقرير يعتبر أن متوسط ‏العمر في لبنان هو 66 سنة، فيما أصبح في الواقع في لبنان 78 سنة. ‏

ثالثاً: معيار الكرم

يستند هذا المعيار إلى معدل الإنفاق بالاستناد إلى سؤال معين حول ‏معدل التبرع للجمعيات الخيرية، ولا ينطبق هذا المقياس على لبنان، و‏لا يمكن وضع كل الدول والثقافات في الكفة ذاتها، خصوصاً أن الاستبيان لا يتناول مختلف ‏شرائح المجتمع من المناطق كافة، بل يحصل بطريقة عشوائية، خصوصاً أن شعب لبنان يتميز بمستوى عال من التكافل والتضامن.‏

رابعاً: معيار الفساد

تطرح الأسئلة على المواطنين حول معدلات الفساد في بلادهم ومدى تأثيره في حياتهم، مما ‏لا شك فيه أن أجوبة الناس أتت سلبية هنا، وقد يكون المعدل المنخفض جداً للبنان في ذلك ‏بالمقارنة مع دول أخرى، ما خفض مرتبة البلد في التقرير عامةً حول مستوى السعادة فيه، ‏فوضعه في مرتبة دنيا، لكن لا يمكن تبسيط مفهوم السعادة بهذا الشكل، ولا يمكن حصره في ‏هذا الإطار الضيق، كما حصل في التقرير.‏

خامساً: القرارات المصيرية

القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية حرة في الحياة، وهو المعيار الذي استند فيه التقرير ‏إلى مفهوم الفيلسوف الهندي أمارتيا سين.‏

سادساً: شبكات التضامن الاجتماعي ‏

هنا أيضاً، يبدو مستغرباً أن يعتمد الإحصاء على التعميم من دون أن يأخذ بالاعتبار ‏النسيج المجتمعي في كل من الدول ومختلف الفئات الاجتماعية فيه، و”من ‏المفاجئ أن يصنف لبنان أيضاً في مرتبة دنيا من حيث التضامن الاجتماعي، بدا واضحاً في الأزمات أن الشعب اللبناني يتمتع بمستوى جيد من التضامن بين أفراده، وربما الاستبيان تناول شريحة معينة في المجتمع أو ربما منطقة ‏معينة، مما يفسر انخفاض المعدل الذي سجل له”. ‏

أسباب عديدة لتعاسة لبنان

في المقابل، للأستاذ المتخصص في مواد الديموغرافيا الباحث الدكتور شوقي عطيه رأي ‏مختلف في هذا المجال، فيقر أن تقرير السعادة السنوي علمي وتجريه هيئة تابعة للأمم ‏المتحدة، ويشير إلى أن فنلندا تحتل مركز الصدارة فيه من سنوات عديدة، فيما يسجل تراجع ‏في مرتبة لبنان من سنوات عدة، حتى بلغ أدناها ليصل إلى المرتبة 136 في التصنيف. وهذا ‏ما يعتبره أمراً طبيعياً بالنظر إلى ما حل بلبنان في السنوات الأخيرة وانتقاله إلى وضع مختلف ‏تماماً عما كان عليه، لذا من الطبيعي أن يكون في مرتبة متدنية في التصنيف. “يدعو ‏التقرير إلى تصنيف سعادة الفرد من صفر إلى عشرة، وبواسطة المؤشرات الستة التي يستند إليها التقرير. بالنظر إلى مستويات الدخل في ‏لبنان، على رغم وجود مستويات دخل فردي مرتفعة بين فئات معينة، هناك مشكلة فعلية لدى شريحة كبيرة من ‏الناس ولا يخفى على أحد التدني الكبير في ‏مستويات الأجور بالمقارنة مع المراحل السابقة”. ‏

بالنسبة إلى التضامن الاجتماعي، يعتبر الدكتور عطية أنه “لا يزال موجوداً لكن بمعدلات أقل من السابق، خصوصاً أنه ‏يُقصد به أيضاً التضامن بين الدولة والأفراد، ما لا يمكن التعويل عليه بغياب مؤسسات الدولة، ‏وهذا تحديداً ما يسبب للمواطن شعوراً بالتعاسة وبعدم الأمان”. ‏

وفي ما يتعلق بالحرية كمقياس، يصفها عطيه بأنها أقرب إلى الفوضى. “ليست حرية ‏مسؤولة، بوجود هذا التفلت السائد في الحريات الذي يقود الناس إلى مكان فيه كثير من ‏انعدام الاستقرار والأمان، فالوضع الحالي لا يعكس ديمقراطية بقدر ما هي حريات غير ‏مضبوطة، وإن كان الوضع في لبنان في هذا المجال قد يكون أفضل من دول أخرى، إلا أن ‏بقية الدول تؤمن للأفراد كامل حقوقهم فيما تنقص الحرية لديهم، مؤشر الكرم لا يزال موجوداً ‏ربما في لبنان، إلا أن اللبناني في إجابته يقارن ما بين وضعه قبل سنوات مضت وما هو عليه ‏اليوم”.

أما بالنسبة إلى الفساد، يضيف عطية “يعلم الكل أنه مسيطر على مختلف القطاعات والمؤسسات، والمواطن يدرك ‏ذلك جيداً، ما يسهم في خفض التصنيف أيضاً هنا”. لكن، يشدد عطيه على أن السبب ‏الأساسي لهذا التصنيف ليس في كل مقياس على حدة، وإلا لما كان لبنان في هذه المرتبة ‏المتدنية لأن وضعه في كل منها هو أفضل من دول أخرى، وفي الواقع هذا التصنيف سببه أن ‏المواطن اللبناني يقارن وضعه الحالي بما كان عليه قبل سنوات مضت. ‏

كارين اليان ضاهر – اندبندنت

Leave A Reply