قراءة في المجموعة القصصية (بناية الشيوعيين ) للكاتب مهدي زلزلي – بقلم الاستاذة شاهيناز قهوجي

مجددا لم يخذلني مهدي هي الفكرة الوحيدة التي مرت في بالي في القصة الأخيرة من (بناية الشيوعيين ) فكأنه حبك العنوان ليشد القارئ الفضولي الى السطر الأخير ,
للمرة الثانية لم يخذلني عندما ظهرت ملامحه اللبنانية في كل قصة من المجموعة , أنا التي كنت أتوقع أن تكون بناية الشيوعيين مجرد تهكم و كلاشيه مكرر يردده أهل الجنوب عن الشيوعيين عن نشر الرزيلة و استباحة المحرمات كما يحدث عادة في منطقتنا .
بناية اليسار هي صورة عن السطر الأخير للحرب اللبنانية فكانت ” مكتبة ثمينة ( طابِّة طب )
في جو ملوث يعبث بها الغرباء في مكان عفن”.
بعد العنوان الجذاب و بما أنني ملمة ببعض الأتيكيت تعلمت من مهدي بعضها ، فقد خصص للصديقين اللذين قرآ القصص و لمصمم الغلاف الصفحة السابعة، و هو الذي تكرم علي بتنقيح كتابي الثاني ولم اذكره قط ، و في قصة اخرى لم يكتف الكاتب بذلك بل تجلى بلقاء حسام بمايا حبه الاول الذي كان يظن أنه ذهب و لكن بالأحرى (منيح اللي ذهب) لأن مايا لم تعد تناسب تطلعاته و أهدافه و حتى أنها تفتقد إلى أدنى اللياقات العامة و الاتيكيت و سطحيتها عميقة و متجزرة و صراخها يلوث الجمال ، ويختم بالحديث عن ايتيكيت الحمص بطحينة ؛ الذي أرهقه شكله رغم أن سعره كان باهظًا جدًا , فلم ينس ان يعبّر عن صورة الفوال الذي يمسح الطاولة المتسخة بكف يده و يمسح أنفه السائل بالأخرى . وكيف كان يلعق البواقي و هو في طريقه لسحب المبلغ المشبوه بعد ان مسح يديه بمنديل معطر.
لم تغب عن الكاتب هواجسنا اليومية فقصة حسام و العين و الحسد من واقعنا , و لا غاب تعلق الشاب بسيارة بي أم دبليو لتدرك ان الكاتب من مواليد ما بعد الحرب اللبنانية .
و في سياق الازمة تدوين للمرحلة السوداء التي يمر بها هذا الوطن، من داعش الى الفساد القضائي الى الثورات ثم الى التكنولوجيا و السوشيال ميديا ملًما حتى بوقت الذروة للنشر على فايسبوك .
كما في وجه رجل وحيد لعن الكاتب الدنيا ففي بناية الشيوعيين لعن الهبل . و بعدها أنتقل الى الطابق الثامن لمشهد المرأة التي جاءت لزيارة أمها المتوفية فنقل الى القارىء شعور الفقد بألمه و حرقته .
فمهدي لا يقوى على اخفاء روح الطفولة لديه ، فكلنا لعبنا بالكتب لعبة كشف الطالع نختار صفحة و نفتح الكتاب هذا هو مهدي الطفل .
أما الفرد هيتشكوك و أغاثا كريستي المختبآن في قلمه , فقد ظهرا معا في الصفحة 97 في قصة ضحى الأم المعنَفة و المعنِفة بيد من جفصين تثير رعب القارىء لمجرد ذكرها .
هذا وقد لامست القصص ايضا أموال المودعين و طربوش راس العبد بعيدا عن العنصرية اللبنانية و الغلاء و سعر بونجيصة الهرم كما أسماها . لم تفته الخلافات العائلية بتسمية الاخ لأخيه زوج مروة إستفزازًا ، مرورا بطابور البنزين وصولا الى الرشوة في الدوائر الرسمية و استخراج الغاز و المخدرات و زواج المصلحة و الطائرة المنكوبة الى النوستالجيا .
مجموعة قصصية حاكى بها الكاتب الوضع اللبناني بعيدا عن رأيه مصورًا لنا الاحوال العامة للناس بقصص فيها صور تحمل الألم دون الأمل ، وتأتي اكثر نضوجًا من المجموعة الاولى كنتيجة طبيعية لنضوج الكاتب و معاركته الحياة .

Leave A Reply