١٣ نيسان الأسود بين الأمس واليوم..

لستُ من الجيل الذي عاش بدايات حرب ١٣ نيسان ١٩٧٥، ولكنني من الأجيال التي عانت من التداعيات المستمرة حتى اليوم لتلك السنوات السوداء في تاريخ لبنان. تلك الأجيال التي لم تعرف «طعمة» سويسرا الشرق ، كما كان يُسمى وطننا، وإكتفت بالتعرف عليه من الكتب والقراءات التاريخية والإجتماعية، وبعض النشرات السياحية، وعدد من الأفلام اللبنانية والمصرية التي تم تصويرها في تلك الحقبة. لبنان الذي عرفته أنا وجيلي، وأولادنا اليوم، هو بلد الأزمات والإهتزازات الأمنية، والتعثرات الإقتصادية والمالية، وكل ما له علاقة بعدم الإستقرار، في بلد يخسر شبابه ويستنزف كفاءاته، في حركة الهجرة الطوعية المستمرة إلى الخارج، بحثاً عن نجاح، وسعياً لطموح، عزّ الوصول إليه في بلد إمتهن قادته بدعة تضييع الفرص.

خمسون سنة مضت على ذلك اليوم الأسود ١٣ نيسان ١٩٧٥، ولكن البلد وأهله ما زالوا يعيشون كوابيس الحرب، بلياليها المرعبة، ومعاركها الدامية، وخرابها المدمر، في ظلال بعض رموز الميليشيات التي خاضت الحروب المتنقلة من منطقة إلى أخرى، والتي أدت إلى إستباحة مقومات الدولة ومؤسساتها، وعطلت الجيش والقوى الأمنية عن القيام بواجباتهم البديهية في حفظ الأمن والسلم الأهلي، والتصدي للمتلاعبين بنيران الحرب الأهلية البغيضة.

خمسون سنة والبلد يعيش في أجواء قلقة ومتأرجحة بين الإستقرار الهش والإنهيار الضاغط على كل نواحي الحياة اليومية، بسبب عدم إتمام مصالحة وطنية حقيقية، تدفن الأحقاد، وتنزع الكراهية من النفوس، وتمنع المتاجرة بالطائفية، وتفتح الطريق لدولة المواطنة، كما نص عليها دستور الطائف، والتي تحقق المساواة بين اللبنانيين، وتعتمد الكفاءة، لا المحسوبية ولا الزبائنية، في إدارة شؤون البلاد والعباد .

الأيام القليلة التي سبقت ١٣ نيسان هذا العام، أعادتنا إلى الأجواء التي عرفها أهلنا قبل خمسين سنة، من التوتر والتحدي والكراهية، التي سبقت إندلاع شرارة الحرب السوداء، وإلتهمت نيرانها الأخضر واليابس، وأعادت البلد مئة عام إلى الوراء، وأسقطت المكانة المميزة التي كان يحتلها لبنان.

وكأن القيادات المعنية لم تتعلم من دروس تلك السنوات العجاف، وكأن بعض تلك القيادات لم يعش أهوال وكوارث المعارك والمجازر وعمليات التهجير التي عمت مناطق الإشتباكات.

ألم يحن الوقت لأهل الحل والربط ليدركوا أن أهمية هذا البلد أن يكون وطن الرسالة، ونموذج لتعايش الأديان والثقافات، وإلاّ يبقى ساحة لصراعات الآخرين على أرضه، وشعبه يذهب فرق حساب في التسويات الأقليمية حوله.

لبنان الواحد إما أن يكون وطناً متماسكاً ونهائياً لكل أبنائه، على قاعدة الشراكة المتوازنة، وإلاّ يصبح مجموعة لبنانات مقسّمة على كانتونات طائفية ، تحمل ألوان الفيدراليات المتصارعة، التي تُهجّر ما تبقى من لبنانيين، وفي مقدمتهم المسيحيين.

د. فاديا كيروز

Leave A Reply