لا مبادرة لدى بري… وباريس :”تنبّهوا لدينا هموم كثيرة”

رضوان عقيل – النهار

من غير المستغرب ان تستمر الردود والسجالات بين الافرقاء وعلى أكثر من جبهة سياسية وكهربائية مع مطلع السنة الجديدة، في اشارة الى “وراثة” كل الازمات السابقة وفي مقدمها التعثر في انتخابات رئاسة الجمهورية التي يبدو انها عصية على التحقق في البرلمان مع عدم قدرة العواصم المؤثرة في لبنان على دفع الكتل النيابية الى اتمام هذا الاستحقاق. وإذ تردد ان مبادرة يعمل على اطلاقها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الايام المقبلة، تبين ان ذلك لا يستند الى أي اساس يمكن التعويل عليه. ولدى سؤاله في هذا الخصوص يرد بري من دون اي مقدمات بأنه لا يعمل على أي مبادرة “ولا من يبادرون”. ويكتفي فقط باستقبال زواره من غير ان تلوح في الافق الرئاسي اي معطيات ايجابية، وكل ما يقوله انه سيدعو الى جلسة انتخاب ستحمل الرقم 11 في الاسبوع المقبل بعد عيد الميلاد لدى الطوائف الأرمنية.

ولا يعني موقف بري انه سيقف متفرجاً على هذه المراوحة، بل هو على العكس يراقب من عين التينة ما سينتج على خطي جبهتي المجلس. واذا كان و”حزب الله” وكل من يلتقي معهما من نواب مسيحيين وسنّة ماضين في تأييد الوزير السابق سليمان فرنجيه فان الترقب ايضا يسود ما ستقدم عليه الكتل المؤيدة للمرشح النائب ميشال معوض بعدما تلقى جملة من الاشارات من “القوات اللبنانية” الداعمة له ومن غيرها بأنها بدأت بالفعل داخل هذا الفريق وبالتواصل مع نواب سنّة و”تغييريين” ومستقلين في رحلة تحريك الجمود بالتنسيق مع معوض. ويردد مرجع هنا بأنه منذ لحظة ترشيح معوض من هذه القوى عبر المسار الانتخابي على مدار 10 جلسات كان متوقعا ان ينتهي الامر الى هذه الخلاصة.

وبعد وضوح مواقف الافرقاء حيال الاستحقاق الرئاسي ورفع “الفيتوات” المتبادلة في ما بينهم وأبرزها رفض رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل تبنّي ترشيح فرنجيه وقائد الجيش العماد جوزف عون، تتجه الانظار مجددا الى ما يمكن ان تفعله باريس التي تردد انها تهيىء للقاء فرنسي – سعودي – أميركي – قطري نظراً الى تأثير هذه الجهات على المسرح السياسي اللبناني بغية التوصل الى مخرج يؤدي الى امكان خروج لبنان من النفق الرئاسي.

ماذا سمع بري من الفرنسيين؟

لدى استقباله وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو لم يقتصر حديثهما على الدور الذي تؤديه “اليونيفيل” في الجنوب واهمية ما تقوم به وحداتها ولا سيما منها الفرنسية، بل جرى التطرق الى ضرورة تطبيق لبنان جملة من الاصلاحات ما يساهم في الحد من الازمات التي انعكست انهيارات على حياة المواطنين ويومياتهم. والوزير لوكورنو ملمّ جدا بالتفاصيل السياسية في لبنان حيث عاش فترة في ربوعه وقدم الى رئيس المجلس مذكرات الرئيس الراحل شارل ديغول.

في الشأن الرئاسي، أعاد وزير الدفاع الفرنسي تأكيد استمرار الرئيس ايمانويل ماكرون في دعم لبنان وعدم التخلي عنه، لكن ثمة عبارة رددها وينبغي التوقف عندها: “تنبّهوا لدينا هموم عدة في العالم”، ولا سيما بعد الحرب في أوكرانيا، ويريد من خلال كلامه هذا القول ان على اللبنانيين ان يساعدوا انفسهم وألّا يظلوا يتفرجون على معضلاتهم السياسية.

وبحسب جهات ديبلوماسية متابعة، لا يبدو ان فرنسا والسعودية تعملان على موجة رئاسية لبنانية واحدة رغم العلاقات الجيدة التي تربطهما. واذا كانتا من اكثر المتحمسين في الخارج لاجراء الانتخابات النيابية في أيار الفائت، إلا انهما لم تقدرا بعد على بلورة مسعى يساعد في اجراء الانتخابات الرئاسية. وثمة من يعتقد انهما فشلتا في تحقيق هذا الامر، إذ تبين ان باريس مهتمة بالحكومة اكثر من الرئاسة الاولى، ولا سيما بعد الاشارات الاكثر من ايجابية التي اطلقها ماكرون حيال الرئيس نجيب ميقاتي.

وكان الفرنسيون يعولون في انتخابات أيارعلى وصول عدد اكبر من النواب من المجتمع المدني الى ان تبين لهم ان اللعبة لا تزال في قبضات القوى الحزبية التقليدية التي يصفها ماكرون بأنها غارقة في الفساد وجمع الثروات، وهو “مجبر” في النهاية على التعاون والتحدث معها. كما لم تظهر حماسة سعودية لاستعجال اجراء الاستحقاق الرئاسي، مع ملاحظة ان وزير خارجية المملكة فيصل بن فرحان لا يتطرق باسهاب الى الملف اللبناني المتروك لدى الحلقة الضيقة عند ولي العهد محمد بن سلمان. ومن المفارقات حيال جولات الانتخاب ان حفنة قليلة من النواب السنّة الـ 27 انتخبوا معوض، علماً ان أكثرهم على علاقة جيدة مع سفارة المملكة في بيروت. ولذلك لا يجري التعويل كثيرا على اللقاء المنتظر في باريس، مع ملاحظة بروز دور اميركي – قطري، ولا سيما ان الدوحة تكفلت مدّ الجيش اللبناني بمساعدات مالية وغذائية تساعد المؤسسة العسكرية على الاستمرار في تأمين حاجاتها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها مالية الدولة اللبنانية.

وفي خلاصة كل هذه المروحة الخارجية لم تحقق فرنسا اهدافاً كبيرة في لبنان حيث اعترضت طريقها جملة من الالغام كانت اولى محطاتها عدم قدرتها على تسويق السفير مصطفى أديب في رئاسة الحكومة ولو انها عوّضتها بوصول ميقاتي الى سدة الرئاسة الثالثة. ويشار هنا الى انه في نهاية لقاء ميقاتي مع نظيره الاسباني بيدرو سانشيز في السرايا الاسبوع الفائت حيث كان الأخير في طريقه الى عين التينة، حمّله الاول سؤالا: “لا تنسَ ان تسأل الرئيس بري متى سينتخبون رئيس الجمهورية”؟

هذا السؤال المحيّر لا أحد يملك جوابا عنه بعد، لا في ساحة النجمة ولا في دوائر الاليزيه ولا في العواصم المعنية!

Leave A Reply