اتفاق الترسيم البحري يُلزم لبنان وإسرائيل بأن يمر عبر الآلية الدستورية

كلوديت سركيس – النهار

على مسافة أيام قليلة من وضع إتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل موضع التنفيذ، طبقا لما أعلِن، ثمة أسئلة على صلة بالقانون الدولي تُطرح عمن يحمي هذا الإتفاق من وجهته ولاسيما في حال فاز رئيس الحكومة السابق في إسرائيل بنيامين نتنياهو في إنتخابات مطلع تشرين الثاني المقبل، والذي لوّح في حملته الإنتخابية بحلّه من هذا الإتفاق؟

المرجع في القانون الدولي والدستوري ورئيس مؤسسة “جوستيسيا” الحقوقية الدكتور بول مرقص يتحدث الى “النهار” عن مدى الضمانات لتنفيذ هذا الإتفاق تحت مظلة القانون الدولي. ويعلل أن “ثمة مبدأ في القانون الدولي معروفا بـ pacta Sunt Servanda يلزم كل دولة إحترام الإتفاقات الدولية تحت طائلة إلحاق العار بها عندما لا تحترم توقيعها. ويمكن التدرج بذلك الى حين مقاطعتها من سائر الدول وعدم الإعتداد بما تقدمه من التزامات وضمانات مستقبلية. وقد خرقت إسرائيل هذا المبدأ مرارا وتكرارا حتى أنها هي مارقة على القانون الدولي لأنها لم توقع مثلا إتفاق مونتي غوبيه لعام 1982 المعروف بأنه قانون الأمم المتحدة للبحار، والموقع من لبنان في تسعينات القرن الماضي بينما أحجمت إسرائيل عن ذلك، وهو كان يجب أن يكون محل الإهتداء به لأنه أصبح من القواعد الملزمة في القانون الدولي بصرف النظر عن مدى إلتزامه من كل دولة”. وبالنسبة الى الإتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل يقول الدكتور مرقص: “إن لبنان يحاول أن يعطيه مدى إفراديا وليس ثنائيا باعتبار أنه بالنسبة الى المسعى اللبناني يعتبر محضرا يوقعه على حدة ويرسله الى الأمم المتحدة، وكذلك ستفعل إسرائيل التي ستوقعه في شكل مستقل عن لبنان وتودعه الامم المتحدة بدورها بعناية الوسيط الأميركي. لكن ذلك لا يجعل من هذه المحاضر أنها التزام من جانب واحد كما يريده لبنان، لأنه بالرجوع الى قانون المعاهدات، وتحديدا إتفاقية فيينا لعام 1966 النافذة عام 1969 فإنه، وفق مادته الثانية (يقصد بالمعاهدة الإتفاق المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة او وثيقتان او أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة)، يعتبر ذلك توصيفا على أنه إتفاق يجب ان يبرم على الصعيد الداخلي وفقا للأصول، يعني ان الحكومة الإسرائيلية هي حكومة موقتة وحكومة لبنان هي حكومة تصريف أعمال، فمن غير الجائز ان يمر هذا الإتفاق بها، هذا في المبدأ لأنه يجب ان تكون هناك حكومة أصيلة فاعلة في التوقيع، وأيضا يجب ان يمر هذا الإتفاق عبر مجلس النواب بعد التفاوض مع رئيس الجمهورية طبقا للمادة 52 في الدستور التي تكمل وتضيف انه “إذا لم يكن الإتفاق معقودا سنة فسنة وكانت مترتبة علبه مفاعيل مالية وتجارية فإنه يجب ان يمر عبر كل من الحكومة ومجلس النواب”، وتاليا فإنه في رأيي، وبخلاف ما هو شائع، فإن ما يجري هو إتفاق بدليل ان عبارة إتفاق وردت أكثر من مرة في مضمون العرض الأميركي الموافَق عليه لبنانيا وإسرائيليا، كما ورد ان حكومة كل من البلدين هي من تلتزم. إذاً هو إتفاق ويجب أن يمر عبر الآلية الدستورية في لبنان عملا بالمادة 52 في الدستور، الأمر الذي تمتنع عنه الدولة اللبنانية، علما أنه يجب ألا يكون هناك عقدة من وراء اعتباره إتفاقا، خصوصا أنه لا يوقع مع إسرائيل بالتزامن وعلى مخطوطة واحدة، وهو الأمر الجيد، لكن ذلك لا ينفي عنه صفة الإتفاق”، مذكرا في السياق أنه سبق للبنان ان وقّع إتفاق الهدنة عام 1949 بإشراف الأمم المتحدة في رأس الناقورة. ووقعه عن الجانب اللبناني المقدم توفيق سالم والمقدم جوزف حرب، وعن الجانب الإسرائيلي المقدم موردخاي ماكليف وينوسوا بيلمان وشبطاي روزين في حضور الوسيط الدولي رالف بانش، ليلفت الدكتور مرقص إلى ان اتفاقات أقل شأنا من اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل ولا تعني حقوق لبنان وثرواته ومستقبله الإقتصادي وأمنه الإقتصادي وعلاقاته مع الدول المجاورة يعرض على الحكومة ومجلس النواب، فكيف بالحري هذا الإتفاق.

واستطرادا للتوصيف القانوني للدكتور مرقص لاتفاق الترسيم البحري، ما الضمانات القانونية لاستمراره؟ يقول: “وردت ضمانات رعاية أميركية في متن الإتفاق، فضلا عن ان الأصول تقضي بألا يتم نقض أي إتفاق موقع خصوصا انه ورد في هذا الإتفاق أنه لا يمكن لأي دولة ان تقوم بالرجوع عنه على هذا النحو الإعتباطي. وثمة أحكام وقواعد في القانون الدولي لكيفية الرجوع عنه”. ويضيف “أن المبدأ وفقا لإتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، يتناول – في الجزء الثالث – إحترام المعاهدات وتنفيذها وتفسيرها، إذ اورد في الفصل الأول، المادة 26، عن احترام المعاهدات: العقد شريعة المتعاقدين. كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية”، مشيرا الى أن ثمة نزاعا حاليا في إسرائيل لأن حكومة لابيد هي حكومة تصريف أعمال وليست مفوضة بالتوقيع على الإتفاق لحين تشكيل حكومة في الإنتخابات المقبلة. ولكن في حال تم التوقيع على الإتفاق بين الطرفين قبل الإنتخابات يبقى الإتفاق ملزما ما لم تطلب الحكومة الجديدة ان تقوم بإبطاله أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وهذا يتنافى مع مبدأ عدم الإعتراف بدولة إسرائيل، بينما ورد في الإتفاق ان الولايات المتحدة هي المرجع”. كما يقول الدكتور مرقص، ردا على سؤال، ان اتفاق الترسيم كما هو منصوص عليه والعبارات المستعملة في مضمونه لا يمكن ان يكون بين دولة تعاني من احتلال او خرق دائم للسيادة تقوم به دولة أخرى. وبمعنى آخر ان صياغة الإتفاق لم تأت متفقة مع حالة لبنان الذي لطالما كان يعاني إحتلالا من إسرائيل وخرقا دائما لسيادته.

Leave A Reply