هل بدأ مسلسل التطبيع في لبنان؟/ غسان همداني

يبدو أن البعض في لبنان ما زال يتصرف بعقلية ما قبل 1975، واعتبار أنفسهم من ذوي الدم الأزرق النبيل، وباقي الناس من “الغوييم” أو “الأغيار”، أو كإمرأة القيصر فوق الشبهات، وما يحق لهم لا يحق لغيرهم، متناسين ما ورد في المادة 7 من الدستور اللبناني: “كل اللبنانیین سواء لدى القانون وهم یتمتعون بالسواء بالحقوق المدنیة والسیاسیة ویتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بینهم.”
ما حصل في الأيام الأخيرة في موضوع توقيف المطران الحاج، وارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي المسعور من أعلى الهرم المسيحي إلى أسفله، مرورا بمعظم القيادات السياسية والهيئات المسيحية، واعتبار ما حصل جريمة بحق الطائفة لا يمكن السكوت عنها، واستغلال هذه الواقعة لغايات دينية وسياسية، كُل وفق مصالحه، ورفع سقف المواجهة الى حدها الأقصى يحمل في طياته ألف سؤال وسؤال.
ليست المرة الأولى التي يتم فيها توقيف رجل دين في مواضيع تمس أمن الوطن، فالسيد محمد الحسيني والشيخ حسن مشيمش تم توقيفهما وادانتهما بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي، وكذلك الشيخ مصطفى أحمد الحجيري “أبو طاقية”، والشيخ أحمد الأسير أُوقفا وأُدينا بتهمة الإرهاب، وحُبسوا دون النظر الى صفتهم الدينية، ولم تستنكر أو تُدين مرجعياتهم الدينية هذا الإجراء، فهل مقام وقيمة رجل الدين المسيحي يختلف عن باقي رجال الدين؟؟!!
والغريب أن المرجعية الدينية الأعلى التي تُطالب بكف يد القاضي عقيقي لتوقيف المطران الحاج دون مراجعة البطريركية (حصانة دينية)، هي نفسها رفضت كف يد القاضي البيطار الذي ضرب بالأصول الدستورية والقانونية عرض الحائط، حينما تجاوز دور مجلس النواب في موضوع الحصانة النيابية، أم ان الحصانة الدينية غير المنصوص عليها دستوريا وقانونيا أهم من الحصانة النيابية.
السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، لماذا أصر المطران الحاج على إدخال الأموال عبر معبر الناقورة، وتسليم الأموال المرسلة من العملاء في الكيان الإسرائيلي إلى أصحابها شخصياَ، وكان بالإمكان تجاوز كل هذه المعمعة وإرسالها عبر شركات تحويل الأموال وبطريقة غير مباشرة عبر دولة أخرى، وهو ما كان يحصل سابقا؟؟!! وهل المقصود افتعال إشكالية تُكرس التطبيع علانية ليصبح امرا واقعا تماهياَ مع ما يحصل في بعض الدول العربية.
أم أن المقصود هو استنفار العصبية المسيحية والالتفاف حول مرجعية بكركي وجعلها معبرا وحيدا ملزماَ لا شريك لها في استحقاق رئاسة الجمهورية؟؟!!
المؤسف ان من يطالب برفع اليد عن لبنان والحياد الإيجابي، والسيادة والاستقلال، وفي معرض دفاعه عن المطران الحاج، يرد صلاحية محاكمة المطران الحاج وأي رجل دين مسيحي إلى قداسة الحبر الأعظم فقط، ضاربا بعرض الحائط مبدأ السيادة، وماذا لو أن كل مرجعية دينية في لبنان حصرت محاكمة رجال الدين فيها بمرجعياتها في العالم، ومن يضبط أداء من يتستر بزي رجال الدين في هذه الحالة؟!
لم يكن من لزوم لهذه الضجة، والمكابرة على الاعتراف بخطأ ما أقدم عليه المطران، ولا نقول خطيئة على افتراض حسن النية، والاكتفاء بمصادرة الأموال، وبالتالي عدم إدخال لبنان بأزمة خطيرة، تُصبح باقي الأزمات المعيشية والسياسية أمامها جنات نعيم.

Leave A Reply