عزلة عالمية.. ماذا لو هاجمت روسيا كابلات الإنترنت البحرية؟

تتصاعد المخاوف في العالم من تهديد روسيا سلامة الكابلات البحرية الناقلة للإنترنت، رداً على العقوبات الغربية التي شدّدَت عليها الخناق والتضييق عليها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مما وضعها في عزلة عالمية غير مسبوقة، بسبب هجومها على أوكرانيا.

حذّر الرئيس الأمريكي جو بايدن الاثنين 21 مارس/آذار الجاري، من أن روسيا تفكّر في شنّ هجوم على الكابلات البحرية من أجل قطع الإنترنت عن العالم.

وقال بايدن إن “روسيا تدرس مختلف السبل الممكنة للهجمات الإلكترونية”، وشدّد على أنه يستند في ذلك إلى “معلومات مؤكدة ومحينة باستمرار”.

وأضاف أن “التكلفة غير المسبوقة التي تكبدتها موسكو بسبب العقوبات التي فرضها عليها المجتمع الدولي، قد تدفعها إلى الانتقام من الغرب في الفضاء الرقمي”.

وليست هذه المرة الأولى التي يحذر فيها مسؤولون غربيون من تخطيط روسيا لتدمير الكابلات البحرية الناقلة للإنترنت، على الرغم من أن النقاش حول احتمال وقوع هذا السيناريو قد كُثّف بشدة خلال الفترة الأخيرة، تزامناً مع التضييق الذي مورس على روسيا عبر شبكات الإنترنت وعزلها عن العالم الرقمي بشكل غير مسبوق.

وفيما لم يؤكد الجانب الروسي إلى الآن نيته تنفيذ هذه الخطوة، تثار مخاوف المجتمع الدولي من تبعات وتداعيات هذا الهجوم الذي يمكن أن يتسبب في كارثة رقمية كبيرة ويُدخِل العالم في “ظلام دامس”.

هل تدمّر موسكو الكابلات البحرية؟

يراقب مسؤولون غربيون من كثبٍ التصعيدَ المحتمَل للحرب، الذي من الممكن أن تفعله موسكو المحاصرة بالعقوبات.

وفيما تتأرجح الاحتمالات والتوقعات الأخيرة بين شن روسيا حرباً نووية أو بيولوجية عملاً بمبدأ “الأرض المحروقة”، بخاصة مع شعورها بتهديد “وجودي”، كما وصف ذلك مسؤولون بالكرملين، يتوقع على الصعيد ذاته بعض المختصين في الدوائر العسكرية الغربية، أنه ليس من المستبعد أن تشنّ موسكو أيضاً هجوماً إلكترونياً، تقطع فيه الإنترنت عن العالم.

وقد لمّح إلى هذه الفرضية سابقاً الأدميرال توني راداكين، قائد القوات المسلحة البريطانية، في يناير/كانون الثاني الماضي تزامناً مع بدء الأزمة الأوكرانية، إذ قال إن موسكو يمكن أن “تعرّض نظام تداول المعلومات الذي يعتمد على الكابلات البحرية العديدة للخطر”.

وعاد مجدداً الرئيس الأمريكي جو بايدن ليحذّر من هذا السيناريو، متهماً موسكو بملاحقة الكابلات البحرية، بخاصة بعد التحركات والأنشطة الروسية مؤخراً في البحر بالقرب من مكان الكابلات، ووصفها مسؤولون أمريكيون آنذاك بالمشبوهة. ودعا بايدن في تلك الأثناء جميع الأطراف إلى توخي الحذر والاستعداد لمجابهة هذا التهديد، الذي إن كان صعب التحقق فإنه ليس من المستبعَد.

من جانبه لفت توبياس ليبيتروا، المتخصص في العلاقات الدولية وقضايا أمن الكمبيوتر في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، في تصريحات لوكالات أنباء أجنبية، إلى أن “نحو 430 كابل إنترنت بحري تمثّل أهدافاً مغرية لأي طرف يريد تعطيل الاتصال العالمي”.

وأضاف: “غالباً ما تُعتبر هذه الكابلات إحدى الحلقات الضعيفة في الشبكة العالمية، تبدو مثل خراطيم الحدائق الكبيرة الملقاة في قاع البحر”.

وأردف ليبيتروا: “قبل كل شيء، هذه الكابلات لا تستفيد من أي حماية خاصة، باستثناء أنظمة المراقبة المتكاملة التي تمكّن من التنبيه في حالة وجود تهديد قريب”.

وفي معرض جوابه عن إمكانية تدمير هذه الكابلات، قال كريستيان بويجر المتخصص في قضايا الأمن البحري بجامعة كوبنهاغن: “من السهل جدّاً نظرياً إخفاء تخريب الكابلات البحرية”.

وأوضح قائلاً: “يكفي أن تُسقِط سفينة تجارية أو قارب صيد مرساة فوق كابل بحري ليس بعيداً عن الساحل، لإلحاق الضرر به، كما يمكن للغواصين أو الغواصات القدوم ووضع المتفجرات على هذه الكابلات أو تركيب ألغام قريبة، التي يمكن بعد ذلك تشغيلها من بُعد”.

في المقابل أصرّت موسكو على رفض هذه “الادّعاءات”، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن “روسيا، على عكس عديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لا تنخرط في هذا النوع من اللصوصية الرقمية للدولة”، على حد تعبيره.

ماذا لو قطعت الإنترنت؟

بينما أصبح جميع دول العالم اليوم بكل مؤسساتها في مختلف القطاعات، متصلة رقمياً، فإن أي تهديد لقطع هذا الاتصال، يُعتبر كارثة رقمية كبيرة.

ولطالما كانت وسائل الاتصال أهدافاً ذات أولوية للمتنازعين في الحروب، فبعد أن كان التليغراف خلال الحرب العالمية الثانية أحد هذه الأهداف، تصبح الكابلات البحرية الناقلة للإنترنت هدفاً روسياً اليوم في تصعيد الحرب ضد الغرب.

وقد حذّر مارشال بيتش عام 2017، حين كان رئيساً للجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي “ناتو”، من أن “الاضطراب الذي قد يحدث نتيجة قطع الكابلات أو تدمير البنية التحتية للإنترنت سيكون له تأثير كارثي فوريّ على كل من التجارة الدولية والإنترنت”.

كما أكد المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية أن هذه الكابلات “لا تقلّ أهمية عن أنابيب الغاز والنفط”، بخاصة أن ما يقارب 97% من حركة الإنترنت العالمية و10 مليارات دولار من المعاملات المالية اليومية تمرّ عبر كابلات الألياف الضوئية التي تقع في قاع المحيط.

وتتصاعد المخاوف بشدة في أوروبا، حيث حذّر مسؤولون أوروبيون من “انقطاع تامّ للقارة عن بقية العالم”، إذا ما تضررت هذه الكابلات، كما أنه لن تكون البورصات الأوروبية متصلة بالشبكة العالمية وستتوقف المعاملات الدولية والأعمال التجارية، والاتصالات الهاتفية كافة.

وعلى الرغم من إعلان بعض هذه البلدان عديداً من الإجراءات الاحتياطية والخطط العسكرية البديلة لتأمين هذه الكابلات، لا تزال المخاوف قائمة من انزلاق روسيا إلى هذه الخطوة، بخاصة أنها لن تكون في ذلك أكثر المتضررين مقارنة ببقية القوى الغربية.

Follow Us: 

TRT

Leave A Reply