دفعٌ لاتفاقٍ مع “الصندوق” قبل نهاية السنة.. ووعــود بمساعدات مواكِبة

يتلقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وغيره من المسؤولين الكبار بنحوٍ شبه يومي منذ تأليف الحكومة رسائل ودعوات محلية واقليمية ودولية ملحّة تستعجل إنجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من الآن وحتى نهاية السنة، مشفوعةً بتحذيرات من ان الاوضاع في لبنان “ستسوء أكثر فأكثر في حال تأخر هذا الامر عن هذه المدة”. وعلمت “الجمهورية” أنه بناء على هذه الرسائل والتحذيرات تقرر عملياً التوجّه الى إنجاز المفاوضات مع الصندوق ضمن هذه المهلة المحددة، وقبل الدخول في الانتخابات النيابية التي أوصَت اللجان النيابية امس بإجرائها في 27 آذار المقبل. وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” ان هذا التوجه يحظى بدعم خارجي كبير، خصوصاً ان المسؤولين المعنيين تبلغوا مواقف دولية جازمة بأن لبنان سيحصل على مساعدات مباشرة تمكّنه من تجاوز المرحلة الراهنة في انتظار حصوله على المليارات الموعودة من صندوق النقد بعد إنجاز المفاوضات معه.

وفي معلومات لـ”الجمهورية” ان احد المسؤولين الدوليين الكبار أبلغ الى المسؤولين اللبنانيين ان “لبنان اذا أظهَرَ تجاوباً ملموساً مع صندوق النقد الدولي، فإنه سيعطي بذلك اشارة ايجابية الى المجتمع الدولي بما يحرّك عجلة العمل لوضع لبنان على سكة التعافي”.

وفي هذا السياق شدد منسق المساعدات الدولية للبنان السفير بيار دوكان امام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال لقائهما امس على “ضرورة الاسراع في اطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وضرورة التوصل الى اتفاق قبل نهاية السنة”، وقال: “في حال تم التوصل الى هذا الاتفاق وتم تنفيذه فقد تسعى فرنسا الى تنظيم مؤتمر دولي لتقديم مساعدة مباشرة لموازنة الدولة”. كذلك شدد على “المباشرة بتنفيذ الاصلاحات، وتوحيد الموقف اللبناني خلال المفاوضات”.

عبد اللهيان

في هذه الاثناء أكد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان، بعد محادثاته مع المسؤولين الكبار أمس، أن “ايران مستعدة لتقديم كل اوجه الدعم الى لبنان لمساعدته على تجاوز المرحلة العصبة التي يعانيها راهناً”، مُذكراً بأن “الشركات الايرانية مستعدة خلال 18 شهرا لبناء معملين لانتاج الطاقة الكهربائية بقوة 1000 ميغاوات في بيروت والجنوب”.

وأوضح: “توافقنا حول انعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين وملف العلاقات السياحية والاقتصادية ما زال مفتوحا امام الجانبين”. واضاف: “في ما يتعلق بملف المفاوضات الايرانية السعودية، هناك مسافة جيدة قطعت حتى الآن. أما في ما يتعلق بالملف النووي السلمي لايران، فإننا نعتمد المفاوضات بشكل اساسي (…) ونعتبر انّ الذي يحفظ الحقوق المشروعة والعادلة للشعب الايراني،

يتمَثّل في المفاوضات التي تطمح اليها الحكومة الايرانية، واذا كانت هناك نية جدية صادقة وحقيقية لدى الطرف المقابل في مجال العودة الى هذه الاتفاقية وتطبيق كل الالتزامات والتعهدات التي كانت قد أخذتها على عاتقها، في هذه الحالة فإنّ لدى الجمهورية الاسلامية الاستعداد للعودة الى مندرجات هذا الاتفاق، ولكن لا نعتمد الاشارات والمؤشرات الشفهية التي تصدر من الاميركيين في هذا المجال ولا نعتمد الوعود الواهية التي تصدر عن الدول الاوروبية في هذا المجال، بل ان المعيار الاساسي المعتمد من قبلنا هو رفع العقوبات وعودة كل الاطراف الى الاتفاق النووي، واذا تم هذا الامر، فإيران كانت ولا تزال الدولة الأكثر التزاما بمندرجات هذا الاتفاق”.

المفاوضات السعودية ـ الايرانية

وأكد ميقاتي خلال لقائه عبداللهيان “ترحيب لبنان بأي جهد من الدول الشقيقة والصديقة والمجتمع الدولي طالما يندرج في سياق مساعدته في الحفاظ على منطق الدولة ومؤسساتها الدستورية ودورها في الحماية والرعاية وتقوية قواها الشرعية الامنية والعسكرية”.

ورحّب “باسم الحكومة اللبنانية بالمناخات والاجواء الايجابية التي سادت جولات الحوار بين ايران والمملكة العربية السعودية، والتي استضافتها دولة العراق الشقيق”، مؤكداً “أن التلاقي والحوار بين دول الجوار العربي والاسلامي هو قدر شعوب هذه المنطقة الطامحة الى العيش بسلام واخوّة”. وقال: “إنّ الخدمة الفضلى التي يمكن ان تقدم للمنطقة بشكل عام، وللبنان بشكل خاص في هذه المرحلة الحرجة، هي ان تُثمر لقاءات الحوار والتفاوض بين الجوار العربي والايراني توافقا كاملا حول مختلف العناوين والقضايا التي من شأن التفاهم حولها ان يسهم في ارساء دعائم الامن والتقدم والاستقرار، وهذا ما سيُلقي بظلاله الايجابية وفوائده على لبنان واللبنانيين”.

وبدوره، قال وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع عبداللهيان: “نحن نعلم ان العلاقة الاقليمية مهمة بالنسبة الى لبلدنا الصغير، لذلك نتمنى كل النجاح للمفاوضات التي تقوم بها ايران، ان كانت مع المملكة العربية السعودية أم مع دول الخمس زائداً واحداً في فيينا، لأن نجاحها ينعكس ايجابا على لبنان وعلى امكانية ان يتحرك بحرية اكثر في هذه المنطقة”.

السفيرة الأميركية

الى ذلك جزمت السفيرة الاميركية دوروثي شيّا، في لقاء جمعها مع عدد من الشخصيات المستقلة اللبنانية، ان الإدارة الاميركية “لن تترك لبنان ساحة لايران، محددة الموقف الاميركي من عدد من الملفات الاساسية”.

ونوّهت شيا خلال اللقاء بتشكيل الحكومة التي تضم “شخصيات جيدة”، على حد تعبيرها.

وفي سياق ردها على الاتهامات التي يوجهها “فريق الممانعة” الى بلادها، رفضت ما يروّج لجهة ان واشنطن تقيم حصاراً على لبنان “حيث الفساد المستشري ادى الى هذا الانهيار”، قائلة: “على العكس اننا نبحث في سبل مساعدة البلد والوقوف الى جانبه، وخير دليل التغاضي عن العقوبات على سوريا من أجل مصلحة لبنان”، وذلك في اشارة الى ملف استجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية الى لبنان عبر الاراضي السورية.

وشددت شيا على “ان الوضع المالي صعب جدا”، واكدت “ان لا حل للبنان دون التفاهم مع صندوق النقد الدولي في اسرع وقت”، ملمّحة الى “ان الخسائر المالية الحاصلة في لبنان سببها اداء الدولة، بمعنى ان المصارف وضعت اموالها عند مصرف لبنان المركزي، والدولة التي استدانت منه اوصلت البلد الى هذا الخراب”. وقالت: “لا يمكن للاقتصاد ان يستعيد الروح من دون قطاع اقتصادي فاعل. وإذا كان المطلوب شن الهجوم على المصارف، فإنّ في ذلك نية مبطّنة لاستمرار الانهيار الاقتصاد”.

الى ذلك، اكد احد المشاركين في اللقاء اهتمام الولايات المتحدة بإعادة اعمار مرفأ بيروت، حيث اعتبرت شيّا “ان العمل على هذا الملف اكثر من ضروري”، لافتة الى انه “لا يمكن للدولة اللبنانية ان تقوم بهذه العملية لانه لا يوجد اي قطاع عام في لبنان يمكن ان يسير ضد “المحاصصة” السائدة. فمرفأ بيروت كمعظم مرافئ العالم يمكن ان يُدار وفق نظام الـ”B.O.T.” حيث القطاع الخاص خاضع للرقابة والمحاسبة،و يمكن للدولة ان تحصّل الضرائب والرسوم التي تصل سنويا الى أكثر من نصف مليار دولار… مشددة في هذا الاطار على ان “لا شيكات على بياض”.

من جهة اخرى، اكدت السفيرة الاميركية الاصرار على “ان تكون الانتخابات النيابية في موعدها الى جانب مشاركة المغتربين في هذا الاستحقاق، مع العلم انّ حقهم في هذا المجال مكتسب، خصوصا بعدما أمّن القطاع الخاص البرامج الالكترونية اللازمة التي تخوّل المغتربين التسجيل للاقتراع”. وخلصت الى القول ان بلادها “لا تتدخل في صياغة القانون الذي يبقى شأنا داخليا”.

الانتخابات

وكانت اللجان النيابية المشتركة، التي اجتمعت أمس برئاسة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، قد درست اقتراحات القوانين المتعلّقة بالانتخابات النيابية المدرجة في جدول الاعمال. ووافقت بالأكثرية على تقريب موعد الانتخابات النيابية وإجرائها في 27 آذار 2022 فيما تحفّظ تكتل “لبنان القوي” عن ذلك. وكان إجماع على مشاركة المغتربين في الإقتراع من دون حسم طريقة هذه المشاركة. ورفضت اللجان البحث في “الكوتا” النسائية.

السياسات الفاشلة

وشدّدت كتلة “الوفاء للمقاومة” إثر اجتماعها الدوري برئاسة النائب محمد رعد “على الحكومة أن تُسارع لإنجاز كلّ التحضيرات والترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات النيابية بنجاح وفي موعدها المحدد قانوناً”.

واعتبرت أنّ “التردي الكارثي الذي بلغته مالية الدولة هو نتاج سياسات حكومية فاشلة لم تحظَ يوماً بتوافق وطني حولها، ومع ذلك فإنّ الحلول التي تشكّل مخرجاً ملائماً الآن لن تنجح في إنهاء الأزمة إلّا إذا حظيت بالتفاهم المطلوب”. واشارت الى انها “تراقب وتتابع بكثيرٍ من الاهتمام والعناية عزم الحكومة على تفعيل وتطوير خطّة الحكومة السابقة للتعافي المالي والاقتصادي وتدقيق وتحديث أرقامها”.

الدولار يخطف المكاسب

اقتصاديا وماليا، وفيما الحكومة منكبّة على اشاعة اجواء ايجابية تتعلق بتحضيرات جدية ماضية على قدم وساق لبدء التفاوض مع صندوق النقد، فاجأ سوق الصرف المواطنين بالاتجاه الصعودي الذي سلكه الدولار الذي لامس امس عتبة الـ19 الف ليرة، وكأنه قضى على كل المكاسب المعنوية التي سجلتها ولادة الحكومة قبل نحو شهر. ومن البديهي ان هذا الارتفاع سيتسبّب بأزمة اضافية للحكومة، التي كانت تنام على امجاد تراجع الدولار الى ما دون الـ14 الف ليرة في الفترة الاولى، قبل ان يبدأ السوق مسيرة التصحيح. لكن لماذا يسجل الدولار هذا الارتفاع في هذه الفترة؟

في الواقع، وبحسب القراءة الاقتصادية لهذا الوضع، هناك مجموعة عوامل تجمعت وتساهم في انهيار اضافي في الليرة، من أهمها:

اولا- إنحسار مفعول الدولارات التي دخلت الى السوق في موسم الصيف نتيجة قدوم السياح واللبنانيين من الخارج، والتي قُدرت بنحو ملياري دولار.

ثانيا- انحسار تأثير التهافت على بيع الدولار الذي ساد مع ولادة الحكومة.

ثالثا- بدء تطبيق التعميم 158 بما يعني سحب اضافي لليرة من المصارف وتحويل قسم من هذه الاموال الى الدولار.

رابعا- قرار مصرف لبنان المركزي السماح لشركات التحويل شراء الدولارات من الزبون الراغب وفق سعر صرف السوق، بما يعني ان المركزي بات يأخذ الدولارات من أحد مصادرها وبالتالي بات السوق يحتاج الى دولارات بما يزيد الطلب على العملة الخضراء.

خامسا- تسعير المازوت بالدولار بعد رفع الدعم بما يدفع التجار الى السوق الحرة لشراء الدولار لتأمين المازوت.

وهذه العوامل مجتمعة أوصلت الدولار الى عتبة الـ19 الف ليرة، وزادت الضغوط على المواطن، وعلى الحكومة التي باتت مترددة اكثر في الانتقال الى الخطة الأخيرة في مسيرة تحرير سعر البنزين. كما ان الحملة التي بدأتها الحكومة لخفض اسعار السلع بالتماهي مع انخفاض الدولار في الايام الاولى التي تلت الولادة، تلاشت مفاعيلها تماما، وعادت الى نقطة الصفر.

المحروقات تحلّق

وشهدت البلاد أمس اولى المواجهات السلبية بين وزارة الطاقة من جهة والشركات المستوردة للمشتقات النفطية من جهة ثانية، بعدما أصرّت الاخيرة على عدم تسليم بضائعها لأصحاب المحطات التي واصل البعض منها تقديم البنزين مُقنناً، الى المواطنين وحرصت اخرى على الاحتفاظ بكميات منها لبيعها وفق السعر الجديد.

وعلى وقع بعض الإجراءات التي باشرتها وزارتا الطاقة والاقتصاد والاجهزة الأمنية المختصة لملاحقة اصحاب المحطات المخالفين وفرض فتح المحطات التي تحتفظ بمخزونها، تحدثت مصادر نفطية مطلعة عن ارتفاع كبير سيسجله الجدول الجديد الذي من المتوقع ان يصدر صباح اليوم بحيث سيكون سعر صفيحة البنزين 233000 ليرة، اي بزيادة 26000 ليرة، وسيرتفع طن المازوت الى 594 دولارا بارتفاع 13 دولارا اميركيا.

في وزارة الطاقة

وبعد 48 ساعة على عودة وزير الطاقة الدكتور وليد فياض من القاهرة وعمان حيث تواصلت الاستعدادات لإيصال الغاز المصري الى لبنان والطاقة الكهربائية من الأردن، تشهد وزارة الطاقة اليوم لقاءات ديبلوماسية، حيث ستستقبل كل من سفير بريطانيا إيان كولارد، فالسفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا التي تزور وزير الطاقة للمرة الثانية في اقل من اسبوع وتترأس وفدا إداريا وديبلوماسيا.

وعلمت “الجمهورية” ان اللقاء مع السفيرة الاميركية كان متفقا عليه قبل زيارة فياض الى القاهرة وعمان لاستكمال البحث في الاستعدادات الاميركية لمساعدة لبنان في مفاوضاته مع البنك الدولي من أجل تمويل استقدام الغاز المصري والكهرباء الاردنية بقروض ميسرة، وقد وضعت قدرات بلادها في تصرف العملية التمويلية أياً كانت كلفتها.

وكان فياض قد التقى أمس منسّق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان، وتطرق البحث الى أهداف زيارة الأخير الى بيروت وسبل مساعدة لبنان في إطار الدعم الفرنسي على كافة الأصعدة. كذلك التقى السفيرة الايطالية نيكوليتا بومباردييه وتناول البحث عدداً من المشاريع التي تدعم فيها إيطاليا لبنان في مجال الطاقة والمياه.

وما بينهما التقى الوزير فياض السفير السوري علي عبد الكريم علي الذي ناقش معه مضمون المحادثات في القاهرة وعمان بمشاركة نظيره السوري، والترتيبات المتخذة لترميم شبكة الكهرباء في الأراضي السورية ـ الاردنية التي لحقت بها أضرار كبيرة والإجراءات المتخذة التي يرعاها المجتمع الدولي والبنك الدولي وعملية “السواب” بين الجانبين المصري والسوري لتوفير الغاز الى لبنان.

في غضون ذلك أعلن وزير الكهرباء السوري غسان الزامل أن عمليات تأهيل الربط الكهربائي بين بلاده والأردن ولبنان قد تنتهي قبل نهاية السنة الحالية. وأشار الوزير السوري في تصريحات له الى أن اللجان الفنية الممثلة للدول الثلاث في حال اجتماع وتنسيق مستمر، وذلك لحل المشكلات الفنية والتعاون على تأهيل خط نقل الكهرباء وإعداد الدراسات الفنية اللازمة لتنفيذ أعمال الربط الشبكي بشكل تزامني.

وقال الزامل ان اللقاء الذي عقدته أمس الاول وزارات الطاقة في البلدان الثلاثة، تناول الطابع الفني لإنجاز الربط الكهربائي، وأوضح أن من أبرز النقاط التي تم التركيز عليها، البرنامج الزمني لإعادة تأهيل الربط الكهربائي بين تلك الدول.

الجمهورية

Leave A Reply