دول الخارج تصرّ على إجراء الإنتخابات النيابية وعدم حصول أي فراغ سياسي بعدها

دوللي بشعلاني – الديار

ضغطت فرنسا والولايات المتحدة الأميركية لتشكيل حكومة في لبنان برئاسة نجيب ميقاتي بهدف إنقاذ البلد من الأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة غير المسبوقة التي يعيشها البلد، غير أنّ الضغط الدولي لوجود حكومة حقيقية وفعلية في لبنان في هذه المرحلة بالذات يعني تأليفها لإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، أو ربّما قبل موعدها إذا اقتضى الأمر، وعدم ترك هذا الإستحقاق يؤجّل أو يُلغى لأسباب عدّة، كونه يؤثّر سلباً على الإستحقاقات اللاحقة. فدول الخارج يهمّها إحداث التغيير في الإنتخابات النيابية المقبلة، على ما يريد الشعب، وعدم حصول الفراغ بعد هذه الإنتخابات، أكان على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة، أو على صعيد إجراء الإنتخابات الرئاسية في أواخر تشرين الأول من العام المقبل.

مصادر سياسية مواكبة لحركة دول الخارج تحدّثت عن أنّ ما يهمّ هذه الأخيرة، لا سيما فرنسا الداعمة الأولى لحكومة ميقاتي، هو عدم دخول لبنان مجدّداً في مرحلة الفراغ التي تجعل البلد يعيش حالة من الجمود السياسي والإقتصادي، خصوصاً وأنّ هذه المرحلة تؤدّي الى تراجع البلد خطوات كثيرة الى الوراء هو بغنى عنها اليوم في ظلّ ما يعانيه من أزمة إقتصادية ومالية غير مسبوقة. وقالت المصادر بأنّ المؤتمرات الدولية التي عُقدت وستُعقد من أجل دعم لبنان تهدف الى مدّ يدّ المساعدة له لانتشاله من الإنهيار الإقتصادي والذي لا بدّ وأن يترافق مع الإستحقاقات السياسية.

وأكّدت المصادر أنّ دول الخارج تصرّ على إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، أي في 24 و29 نيسان المقبل للناخبين اللبنانيين المقيمين في الدول الأجنبية والعربية، وفي 8 أيّار المقبل لناخبي الداخل، فيما تودّ فرنسا لو يتمّ تقريب موعدها الى شهر آذار المقبل، لكي تتوضّح صورة مشهد المجلس النيابي الجديد، قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الفرنسية التي حُدّدت في 10 و24 نيسان 2022 لإجراء الدورتين الأولى والثانية، سيما وأنّ ماكرون يودّ التأكيد على بعض إنجازاته في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في لبنان قبل انتهاء ولايته الرئاسية. ولهذا يجري البحث في إجراء الإنتخابات النيابية في 27 آذار من العام المقبل للناخبين اللبنانيين في الداخل، فيما سيتمّ اتخاذ القرار بالنسبة للناخبين غير المقيمين (أو المقيمين في بلاد الإغتراب) الذين يُفترض أن ينتخبوا 6 نوّاب في الدورة المنتظرة ليمثّلونهم في انتخابات العام 2022. ويُطالب هؤلاء بضمان حقّهم في الإقتراع في القارّات الستّ، على غرار ما حصل في العام 2018، رغم أنّ عدد أصواتهم كان ضئيلاً نسبة للتوقّعات، ولعدد المغتربين في الخارج الذي يفوق عدد الناخبين في الداخل بأكثر من أربعة أضعاف، إذ لم يتعدّ التصويت العشرة آلاف صوتاً من الناخبين غير المقيمين.

وتقول المصادر نفسها، بأنّ حكومة ميقاتي ستبحث في موضوع إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، أو في آذار المقبل، كما في مسألة اقتراع الناخبين غير المقيمين، وفي القانون الإنتخابي الحالي أو في إمكانية تعديله، فور وضع لبنان على سكّة التعافي الإقتصادي، وبعد عودة ميقاتي من باريس ولقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وتجد المصادر بأنّ زيارات رسمية أخرى قد تكون على أجندة رئيس الحكومة في وقت لاحق، لا سيما الى السعودية والدول الخليجية في حال تحسّنت العلاقة بينها وبين ميقاتي، وذلك من أجل تثبيت الدعم الدولي العربي للبنان.

وأشارت المصادر الى أنّ المهم، بحسب فرنسا ودول الخارج، الا يتمّ تأجيل الإنتخابات النيابية المقبلة لأي عذر كان، وأن تجري في موعدها، أو حتى قبل موعدها لضمان حصولها، كما أنّه على حكومة ميقاتي الإسراع في عملية تنظيم إجراءات التسجيل للناخبين غير المقيمين في السفارات والقنصليات اللبنانية في دول الإغتراب، سيما وأنّ آخر مهلة للتسجيل تنتهي في 20 تشرين الثاني من العام الجاري 2021. وبالطبع سوف تطلب وزارة الخارجية والمغتربين من اللبنانيين المغتربين الراغبين في الإقتراع في الإسراع في تسجيل أسمائهم عبر الحضور الشخصي أو بموجب كتاب أو عبر التسجيل الإلكتروني لمعرفة عدد هؤلاء في دول الإنتشار، وإجراء التحضيرات اللوجيستية اللازمة لانتخابهم، على ما ينصّ عليه القانون الإنتخابي الذي جرت على أساسه الإنتخابات في الدورة الماضية (2018) والتي أشركت المغتربين في الإقتراع فيها للمرة الأولى، ويُمكن للخارجية أن تتبع الآلية نفسها التي اعتمدها الوزير الأسبق للخارجية جبران باسيل لتسهيل اقتراع المغتربين.

أمّا الخشية من تأجيل الإنتخابات وحصول الفراغ السياسي التي تنتاب الدول الداعمة للبنان، فيعود الى التجارب التي مرّ بها لبنان في هذا الإطار، على ما أوضحت المصادر نفسها، ولم تكن جيّدة بالنسبة للبنان. فمنذ استقالة حكومة حسّان دياب بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي بأيّام، بقي البلد من دون حكومة لمدّة 13 شهراً، الى أن حصل الضغط الخارجي فتشكّلت حكومة ميقاتي أخيراً. كذلك قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، عرف لبنان شغوراً في منصب الرئاسة دام لمدّة سنتين وخمسة أشهر، فضلاً عن أنّ الإنتخابات النيابية لم تجرِ في لبنان منذ العام 2009 لاعتبارات عدّة، وقد حصلت بعد انتخاب الرئيس عون في العام 2018 بعد أن جرى التوافق على قانون إنتخابي جديد، في الوقت الذي كان فيه المجلس النيابي يُمدّد لنفسه. وتذكر المصادر بأنّه بعد العام 2008 أيضاً، بقي لبنان سبعة اشهر من دون رئيس للبلاد بسبب الإنقسامات السياسية، الى أن تمّ انتخاب العماد ميشال سليمان «رئيساً توافقياً» بوساطة قطريّة وانعقاد اتفاق الدوحة، وبعد صدامات دمويّة.

من هنا أشارت المصادر عينها، الى أنّ كلّ هذه الأمور التي أدّت خلال فترات طويلة للفراغ، لا تودّ فرنسا ودول الخارج تكرارها، لهذا تتمنّى على حكومة ميقاتي اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتلافي حصولها مجدّداً، علماً بأنّ ثمّة قوى سياسية عدّة تُطالب بتعديل القانون الإنتخابي الحالي، وقد حاولت أخيراً إثارة هذا الموضوع قبل أن تتضاءل الأشهر الفاصلة عن الإنتخابات في موعدها، وتُصبح ذريعة عدم حصول التعديل أنّ «الوقت لا يسمح بذلك».

في مطلق الأحوال، أجرت الإنتخابات وفق القانون الحالي النسبي وفق 15 دائرة مع صوت تفضيلي، أو جرى تعديل بعض بنوده، فإنّ الأهمّ هو إجراء الإنتخابات النيابية في العام المقبل. علماً بأنّ القانون الإنتخابي الحالي، من وجهة نظر المصادر، يخدم الأحزاب السياسية من جهة، إذ تعود عبره بعدد المقاعد نفسه، مع بعض التغييرات الطفيفة، كما القوى التغييرية أيضاً كونه يجعلها تتمثّل نسبياً في المجلس النيابي الجديد. فيما القوانين السابقة القائمة على النظام الأكثري لم تكن لتجد فيها أي مقاعد نيابية لها في أي دائرة من الدوائر الإنتخابية.

أما التحدّي الأكبر بعد الإنتخابات النيابية المقبلة، فسيكون تشكيل الحكومة الجديدة المقبلة، على ما شدّدت المصادر، وهذا يتوقّف على نوع المجلس الذي سينتخبه الشعب اللبناني، فإذا جاء المجلس عقيماً، فإنّ البلاد يُمكن أن تشهد الفراغ نفسه مجدّداً على صعيد الحكومة الجديدة والإنتخابات الرئاسية، أمّا إذا توصّل الناخبون الى انتخاب مجلس نيابي جديد يضمّ نوّاباً يمثّلون الشعب فعليّاً في المجلس، فإنّ ذلك قد يُفضي بالطبع الى تشكيل حكومة من دون وقوع أي فراغ، وبالتالي الى انتخاب رئيس جديد للبلاد تُوافق عليه الأكثرية النيابية وينال ثقة الشعب والمجتمع الدولي.

Leave A Reply