الأهمية الدستورية للإستشارات النيابية _ د.خضر ياسين

حدد رئيس الجمهورية يوم الإثنين بتاريخ ٢٠٢١/٧/٢٦ موعدآ للبدء بإجراء الإستشارات النيابية لتسمية رئيسآ مكلفآ لتشكيل الحكومة، بعد اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري. فما هي أهمية هذه الخطوة وماذا يترتب عليها من نتائج؟ تنص المادة ٥٣ من الدستور اللبناني على أن رئيس الجمهورية يسمي رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادا الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميآ على نتائجها. وهذه الاستشارات تشكل الخطوة الأساسية الأولى في عملية تشكيل الحكومة، فتسمية الرئيس المكلف لم تعد تتم وفقآ للإرادة المنفردة لرئيس الجمهورية، بل وفقآ لإرادة أعضاء المجلس النيابي(باستثناء النواب الذين استقالوا)، ورئيس الجمهورية يعلن هذه الإرادة كما هي بعد التشاور مع رئيس المجلس النيابي، وبالتالي فالنواب هم الطرف الأساسي المعني بتسمية الرئيس المكلف، الذين يعلنون لرئيس الجمهورية خلال الاستشارات من يريدون رئيسآ مكلفآ لتشكيل الحكومة، على أن يلي هذا الأمر تشاور بين رئيسي الجمهورية والمجلس من أجل التسمية. خلال هذه الإستشارات هل يحق للنائب تفويض رئيس الجمهورية بأن يسمي هو من يريد رئيسآ مكلفآ؟ هذا الموضوع لم يتطرق اليه الدستور بشكل واضح وصريح، ففي الاستشارات النيابية الأولى التي أجراها الرئيس السابق العماد اميل لحود فوضه عدد هام من النواب حرية اختيار من يريد رئيسآ للحكومة، الأمر الذي استاء منه الرئيس الراحل رفيق الحريري حيث اعتذر عن تشكيل الحكومة.في الاستشارات النيابية سنكون أمام ثلاثة احتمالات، الأول إمتناع نواب عن الحضور لجلسة الاستشارات، والثاني مشاركة نواب في الاستشارات وتسمية شخصية سنية لتشكيل الحكومة، والثالث مشاركة نواب وامتناعهم عن تسمية أحد. المرحلة الثانية من عملية تشكيل الحكومة يشارك فيها ثلاثة أطراف وهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والنواب، إذ أنه بعد عملية تسمية رئيس الجمهورية للرئيس المكلف سوف يقوم الأخير باستشارات نيابية غير ملزمة من أجل معرفة آراء النواب حول شكل الحكومة وحجمها. ومن الضروري دستوريآ أن يتمكن الرئيس المكلف الجديد من وضع تشكيلة حكومية تحظى برضا الرئيسين، لأن المادة ٥٣ من الدستور لم تنزع من رئيس الجمهورية صلاحية المشاركة في تأليف الحكومة، فالتأليف يحتاج الى توافق تام بين الرئيسين، وإلاّ تكون النتيجة الإعتذار عن متابعة التأليف كما حصل مع الرئيس سعد الحريري، وقبله إعتذار الرئيس مصطفى أديب بتاريخ ٢٠٢٠/٩/٢٦ ولكن ليس بسبب الخلاف مع رئيس الجمهورية حول التشكيلة الحكومية وإنما بسبب الواقع والظروف السياسية في البلاد.إن مرسوم تشكيل الحكومة يحتاج إلى إجراء شكلي دستوري وهو توقيع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فعندما يقدّم الرئيس المكلف تشكيلته الحكومية لا يمكن أن تتشكل الحكومة من دون أن يكرّس رئيس الجمهورية موافقته عليها من خلال توقيعه على مرسوم التشكيل، أي أنه وفقآ لمنطوق المادة (٥٣) من الدستور على كل من الرئيسين الإتفاق مع الآخر لاكتمال تشكيل الحكومة من دون أي تفرّد، حيث يأتي تأليفها كنتاج وتوافق مشترك بينهما. في هذه الحالة لا يمكن اعتبار موافقة رئيس الجمهورية وتوقيعه على المرسوم مجرّد(يوقع أو لا يوقع)، نعم صحيح أن التعديلات الدستورية التي أجريت على الدستور في العام(١٩٩٠) قد قلّصت كثيرآ من صلاحيات رئيس الجمهورية، لكنها أبقت له مجموعة من الصلاحيات التي يمارسها، فصلاحية توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم التشكيل لا تشكل انتقاصآ من مكانة ودور رئيس الحكومة المكلف، الذي يعتبر أساسآ شريكآ رئيسيآ وهامآ وكاملآ في التشكيل، وتوقيعه على المرسوم يبقى شرطآ جوهريآ لصحة واكتمال عملية التشكيل. قد يطرح التساؤل حول دور المجلس النيابي على هذا الصعيد، لكن وفقآ لمقدمة الدستور، فإن الفقرة(هاء) منها تنص على أن النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، فدور المجلس النيابي يقتصر فقط على الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف ومن ثم لاحقآ إعطائه الثقة للحكومة عندما تتشكل من أجل أن تمارس كامل صلاحياتها، لذلك ليس للمجلس أيّ صلاحية بشأن عملية التشكيل التي تبقى محصورة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، كما قد يطرح التساؤل حول سحب التكليف من الرئيس المكلف، في هذا السياق نقول أنه لا وجود لنص دستوري، أو عرف دستوري، يجيز للمجلس النيابي الصلاحية بسحب التكليف من الرئيس المكلف، وقد أعرب المجلس النيابي عن هذا الرأي بتاريخ ٢٠٢١/٥/١٨، في جوابه على الرسالة التي أرسلها إليه الرئيس ميشال عون بشأن التأخير الحاصل في عملية تشكيل الحكومة.

Leave A Reply