حول صمت حزب الله عن الحريري

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

يستحق “حزب الله” ما حلّ به من وراء تمسّكه برئيس الحكومة السابق المعتذر حديثاً عن التأليف سعد الحريري. أحياناً العتب على قدر المحبّة، إنما قد يتجاوزها. لقد وفّر الحزب لغريمه الحريري “لبن العصفور”، لا بل وفّر له العصفور بذاته، وقد بلغ بالحريري أمره في أن يصبح “مُدلّعاً” لدى الضاحية، وله حضور يتجاوز حضور “سنّة 8 آذار” قاطبةً، إلى حدّ بلغ انزعاج بعض هؤلاء مستوى، وإلى حد كُنّا عاجزين، نحن معشر الكُتّاب والصحافيين، وفي كثير من الأحيان عن انتقاد أو فتح سيرة “الشيخ سعد” وأفعاله أمام مسؤولي الحزب، إذ كانوا يستعجلون إسكاتنا بأساليب مهذّبة.

يريد الحريري، قبل أشهر قليلة من حلول موعد فتح صناديق الإقتراع، إقناعنا بأنه “خصم مرموق لحزب الله”. خصم يقف بوجه “مشاريع الحزب”. يكاد ينسى الشيخ سعد جلسات الليل الطويلة مع المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين خليل وسواه. يريد طمسها وجعلها كأنها لم تكن. يريد أن “يغسل أدمغتنا” حتى نتجاوز ما كان يُبحث، وإلى أي قدر كان الحريري متعاوناً وإلى أي مدى كان يستعين بالحزب، وإلى أي درجة كان يتغزّل به إلى حد تكراره القول في مجالسه أن ثمة طرفان على الساحة لم يغدرا به: “حزب الله” وحركة “أمل”.

كيف ردّ الحريري على كل هذا “التدليع” الذي، وللأمانة، لم يبلغ مرتبته أحد من نظرائه؟ رفع من قيمة هجومه على الحزب خلال مقابلته الأخيرة عبر “الجديد”، إلى حدّ أوحى بأن سعد الحريري الذي نشاهده عبر الشاشة ليس إلاّ سعد الحريري 2005. المقابلة التي كان يُفترض أن “يُقرّع” خلالها “التيار الوطني الحرّ” ويُفجّر العلاقة معه و “يبق البحصة”، بدا أنه “يُطبطب” له ويؤسّس للنسخة الثانية من التكليف في جواره، ويرسم عنوان المرحلة المقبلة: مواجهة “حزب الله”.

القضية هنا ليست من قبيل رفضه “شكر” الحزب على ما قدّمه هذا الأخير له طوال مرحلة تكليفه التي دامت زهاء 9 أشهر. المسألة أبعد من ذلك، أبعد من الأخلاق السياسية “المفقودة” حتى. القضية تتصل بجينات شخص ـ رئيس – ولو قُدّم له ليس اللبن أو الحليب إنما عشيرة عصافير كاملة مع شيوخهم ومزرعة أبقار دانمركية فوقها، لن يبرح في تعديل ولو منهج واحد من مناهجه تجاه رؤيته أو نظرته إلى الحزب. صحيح أن الحزب الذي يعلم بذلك كله وكان يتصرف مع الحريري على هدف أن “نحاول ترشيده قليلاً”، أو “كي لا يُفّلت علينا رُعاع مذهبييه” درءاً لـ”بعبع” الفتنة السنّية ـ الشيعية، لكن الصحيح أيضاً أن كل ذلك لم ينفع. بقيت حتى في ذلك الزمان الغابر عبارات تقريع وذمّ الحزب تصدر عن مسؤولي “المستقبل”، وثبت بالدليل القاطع أن “ربط النزاع” مع سعد الحريري، والذي أسقطه هذا الأخير في مقابلة تلفزيونية، لم يعطِ تأثيراً إيجابياً واحداً على “الرعية” طوال سنوات، بدليل أن قطع طريق صيدا ـ الجنوب في تاريخ قبل الأمس، حفل بالعبارات الطائفية و شتم “حزب الله”!

ما علينا، يبقى الثابت الآن، أن الحريري قد دشّن معركته ضد الحزب، وأسلحته جاهزة: ألسنة وأعتدة حربية إلكترونية ومواقع وكذا، ويبدو أن هذا السياق سيطول ويمتد إلى الإنتخابات النيابية، وربما أبعد منها. يحدث كل ذلك إكراماً لإعادة استنهاض علاقة وتصحيح علاقة مع السعودية تسبّب بها ويا للعجب وباء “كورونـا”. هكذا يُرَدّ الثمن للحزب الذي حوّل نفسه إنتحارياً لأجل الحريري، وكاد أن يحدث الطلاق مع حليفه “التيّار الوطني الحر” وزعل أضعاف من حلفائه، ليخرج بلا “جميلة” أو عبارة شكر!

في الواقع، ثمة من يقول أن الحزب أصلاً لم يكن باحثاً عن عبارات شكر أو تقدير لمواقفه، لمعرفته المسبقة بالحريري (وهذا صحيح)، إنما كان يعمل انطلاقاً من مصالحه بعيدة المدى، والمتصلة بالحالة اللبنانية الداخلية وسعيه لأن يحافظ على هدوئها. الحزب، وهذا ليس سراً، لا مصلحة لديه في ظل انتشار “بدلاء” الحريري في محيطه كالفطر، وبنماذج شتى، في أن يمضي إلى “ترشيد” حضوره أو إلغائه سياسياً، ورغم كل ما قال وقيل وسياق بحق الحزب، سواء من الحريري أو محيطه، لن تتزحزح الضاحية، ولن تمضي إلى “توقيع قرار إلغاء سعد الحريري” إنما ستواجهه على قاعدة: “عفا الله عمّا مضى”.

قد نفهمها ونتفهّمها ونتفهّمهم وربما لا. قد نعلن الساعة التي وضعتنا في وضع كالذي نعيشه الآن. قد نشتم وقد نحطّم ونصرخ بمسؤولي الحزب، لكن تبقى الحقيقة واحدة: “حزب الله” يخاف من الغد، يخاف من إيقاعه بفخ فتنة سُنّية ـ شيعية. يخشى نماذج البدلاء المتوفّرين عن الحريري، ليس لقوتهم إنما لخطابهم ومشروعهم. كل ذلك، لن يجعل الحزب يتغيّر ناح الحريري. قد نستيقظ يوم الغد أو الذي يليه وحتى بعد ألف سنة، ونجد الحزب يعود إلى نفس الكرّة: “تفضيل دعم سعد الحريري على سواه”. ربما، إن لعنة “حزب الله” متجسّدة بسعد الحريري!

Leave A Reply