برّي يتجاوز فخّ الاستدراج ولم يقع فيه ويبقي “مُحرّكاته” شغّالة

سركيس نعوم – النهار

حفلت الوسائل الإعلاميّة المتنوِّعة في المدَّة الأخيرة بأكثر من “سبق صحافي” يتعلّق بالقرار الذي سيتّخذه الرئيس سعد الحريري حيال تكليفه قبل أشهرٍ كثيرة تأليف حكومة تخلِف الحكومة التي أُجبرت على الاستقالة لأسباب عدّة أبرزها إثنان. أوّلها محاولة توريط رئيسها حسّان دياب في المسؤوليّة عن انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي أو تفجيره. الثاني “تجرّؤه” على إعلان أنّ حكومته ستدعو إلى انتخابات نيابيّة مُبكرة قبل جلسة لمجلس النوّاب كانت مُقرَّرة بعد ذلك بأيّام من دون أيّ تشاور مُسبق مع رئيس الجمهوريّة أو مع حليفه “حزب الله” أو مع حليف حليفه رئيس المجلس نبيه برّي “راعي” الديموقراطيّة والبرلمانيّة في النظام اللبناني وحاميهما مع ما أضافه عليه من صفات تُعزِّز الوحدة الوطنيّة بل الانصهار الوطني كانت الميثاقيّة أبرزها.

علماً أنّ الميثاقيّة هذه التي شاركته في المسؤوليّة عنها غالبيّة القادة الكبار لشعوب لبنان بل لمذاهبه وطوائفه وأحزابه. وعلماً أيضاً أنّ “الانصهار” المذكور لم ينتج وحدةً وطنيّة فعليّة ولا دولة فاعلة وعاملة وقادرة على الإنجاز، بل أنتج “صَهْراً” بلبنان وأبنائه في آتون لا تخمد ناره ولا لهيبه. بدلاً من أن تكون النتيجة دولة واحدة مدنيّة ديموقراطيّة كانت حصيلة “الصَهْر” مجموعات وجماعات وأفراد يستحيل عملها معاً وتستحيل إقامتها “الدولة الفاضلة” التي ليست من هذا العالم رغم دعوة مُفكِّر من المنطقة قبل قرون إلى إقامتها. لكنّ العجيب أنّ الأمر الوحيد الذي يجمعها بل يجمع قادتها وأحزابها ونوّابها وسياسيّيها ورجال المال والأعمال والاقتصاد والمصارف والتجارة والنفط والغاز والمحروقات والمواطنين فيها هو الاتفاق على عدم الإفساح في المجال أمام تفريق صفوفهم ومنعهم من استمرار عمليّتَيّ الفساد والإفساد في البلاد رغم أنّ “ظروف” هذه البلاد تقتضي أحياناً اختلافهم فقط. أمّا إحالتهم إلى القضاء لينالوا العقاب الذي يستحقّون فغير واردة على الإطلاق وهذا ما يلمسه اللبنانيّون اليوم.

ماذا جاء في “السكوبات” المُشار إليها وبعضها تناول قرار الحريري الاعتذار ولكن بعد نضوج ظروفِ مُعيّنة؟ وبعضها أكّد استناداً إلى معلومات موثوقة جدّاً أنّ الحركة الأميركيّة – الفرنسيّة – السعوديّة ستجعل الرياض ترضى على الحريري، وأنّ أميركا ستنخرط في محاولة إيجاد حلٍّ للبنان وفرنسا ستكون أداتها على هذا الصعيد. ولم يتوقّف مُطلقو هذه المعلومات عند الكلام الهام الذي لا يُطلقه إلّا الديبلوماسي الأميركي العريق الذي يعرف لبنان جيّداً والمنطقة والذي استطاع رغم حدَّة الصراع داخل بلاده بين إدارة ترامب السابقة والذين منعوها من ولاية ثانية والذي استطاع البقاء على قيد الحياة الديبلوماسيّة بثقة تامّة من الفريقين. ولا ضرورة لتكراره فوسائل الإعلام نشرته وإن فسّره بعضها على غير حقيقته.

أمّا المعلومات الدقيقة عند التكليف والتأليف المُتعذّرَيْن عند مُتابعين من قرب لحركة “حزب الله” وحليفه الرئيس ميشال عون و”شقيقه” الرئيس نبيه برّي والمُتمسّك بالحريري لتأليف الحكومة، أمّا هذه المعلومات فتُشير إلى أنّ الجهة الداخليّة المُهمّة التي أقنعت الرئيس المُكلَّف بعدم الاعتذار بعدما كان توصَّل إلى شبه قرار بذلك فكانت رئاسة مجلس النوّاب وتحديداً شاغلها رئيس “أمل” نبيه برّي. إذ قال له في جلسة ضمّتهما أو في مناقشة عبر موفده المُفضَّل النائب الحالي والوزير السابق علي حسن خليل: “أنت بالاعتذار عن تأليف الحكومة تُخسّرني أنا الذي راهنتُ عليك وتمسّكت بك. أنا لا أقبل الخسارة أمام النائب جبران باسيل ولا حتّى أمام رئيس الجمهوريّة ميشال عون الذي يبدو باسيل مُرشّحه الوحيد لوراثته في السياسة في هذه البلاد. (علماً أنّ إرثه ليس بالضخامة والنجاح الذي يظنّه الإثنان وحلفاء لهما) و”حزب الله” حليفي وشريكي في “الثنائيّة الشيعيّة” يعرف ذلك وهو لن يسمح للحريري بالاعتذار.

لكنّه يريد في الوقت نفسه الاحتفاظ بحلفه مع عون ثمّ “التيّار” وأخيراً باسيل. لهذا السبب أرسل ممثّلين له الى “البياضة” لإقناع الأخير بحلحلة العقد التي وضعها أمام تأليف الحكومة”. هذا الموقف أبقى “مُحرّكات” الرئيس برّي شغّالة على حدّ قول عارفيه ومُقدّري مواهبه السياسيّة. لكنّ الإعلام اللبناني يقول أنّ تحرُّك “الحليف والشريك” لم ينجح مع باسيل حتّى الآن على الأقل. فهل أطفأ زعيم “أمل” محرّكاته؟ ألا يؤثِّر إطفاؤها ثمّ إعادة تدويرها أكثر من مرّة على قدرتها على إنجاز المطلوب منها؟ هذا الكلام قاله المُتابعون أنفسهم ومن قرب لحركة “حزب الله” وحليفه الماروني وشقيقه بل شريكه الشيعي كما لحركة الرئيس المُكلّف المُتمسّك به. لكنّهم أضافوا إليه “أنّ “الحزب” يعرف أنّ حركته لم تفشل لكنّها لم تنجح أيضاً ولذلك فإنّه يُشغّل مُحرّكاته هو أيضاً في اتّجاه عون وباسيل.

والمساعي مستمرّة”. وزادوا “أنّه أيّ “الحزب” اختلف مع باسيل رئيس “التيّار الوطني الحر” مرّات عدّة وفي مفاصل وطنيّة مُهمّة إحداها الانتخابات النيابيّة الأخيرة. لكنّه رغم ذلك مُستمرّ في التحالف معه وفي تعطيل أيّ محاولة من داخل أو من خارج لضربه”. هذا الوضع، يُضيف المُتابعون، يحصل مع الرئيس نبيه برّي. فالشراكة بينه وبين “حزب الله” في “الثنائيّة الشيعيّة” لا انفكاك لها رغم الاختلافات التي تنشأ بينهما أحياناً وهي طبيعيّة. لكن عندما قال النائب جبران باسيل أنّه لم يطّلع على مبادرة برّي كان “ي…” لا يقول الحقيقة لأنّه اطّلع عليها وبحث فيها مع ممثّلي “الثنائيّة الشيعية” علي حسن خليل وحسين خليل. إلّا أنّ برّي تجاوز فخّ الاستدراج هذا ولم يقع فيه. وطلب من جماعته ومؤيّديه في الإعلام كما في الشارع وهما مُجلّيان في المجالَيْن عدم الردّ وترك ذلك لـ”الحزب”.

كما أنّ باسيل تركه له أيضاً. لكن ماذا يعني ذلك؟ هل يعني ترك الأمور للأمين العام السيد حسن نصرالله وتالياً “قبول ما يقبله” وهذا أمرٌ طرحه عليه باسيل في وسائل الإعلام؟ الجواب طبعاً لا. فهذا أمر غير منطقي وقد ردّ عليه وبالتفصيل “السيّد” في ظهور تلفزيونيٍّ له قبل أقل من أسبوعين. وهو غير مقبول إذ لا مجال للمقارنة سواء بين “السيّد” وجبران أو بين “الحزب” و”التيّار”. فـ”حزب الله” قوّة سياسيّة وعسكريّة أولى في لبنان وقوّة عسكريّة مُهمّة في الإقليم. وهو فرض على إسرائيل “توازن ردع”. أمّا الحليف المذكور أعلاه فماذا فعل لكي تُصبح المقارنة والطلب المذكور أعلاه جائزتين؟

Leave A Reply