العقود الآجلة للنفط تحت ضغوط قوة الدولار ومخاوف تعثر الطلب الآسيوي

مالت أسعار النفط الخام إلى التذبذب مع تسجيل انخفاض محدود نتيجة استمرار الإصابات المرتفعة بوباء كورونا في الهند والدول الآسيوية، ما يعرقل تعافي الطلب العالمي على الوقود بشكل خاص، ويتزامن ذلك مع احتمال ضخ إمدادات نفطية إضافية في حال توصل مفاوضات فيينا الدولية إلى تسوية بشأن الملف النووي الايراني.

ويقاوم الانخفاضات استمرار تعافي الطلبين الأوروبي والأمريكي جراء الانتشار الواسع للقاحات كورونا واستئناف حركة السفر والطيران، وتوقع موسم صيفي قوي للقيادة في الولايات المتحدة تحديدا.

ويتأهب وزراء الطاقة في مجموعة “أوبك+” لاجتماع شهري جديد مطلع حزيران (يونيو) المقبل لبحث الزيادات التدريجية في الإمدادات وتأثيرها في توازن العرض والطلب واستمرار تراجع المخزونات الأمريكية بينما يضاف إلى العوامل الضاغطة على أسعار النفط قوة الدولار الأمريكي، الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار النفط الخام.

ويقول لـ”الاقتصادية”، محللون نفطيون “إن السوق شهدت تراجع العقود الآجلة للنفط الخام بسبب مخاوف تعثر الطلب، إضافة إلى قوة الدولار الأمريكي”، بينما تتلقى الأسعار دعما مضادا من انخفاض مخزونات الخام التجارية الأمريكية بمقدار 1.66 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 21 أيار (مايو) إلى 484.35 مليون برميل، بحسب إدارة الطاقة الأمريكية.

وفي هذا الإطار، يقول الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة “إن التقلبات السعرية متواصلة وترجع في جانب منها إلى عدم حسم المفاوضات الدولية في فيينا بشأن رفع العقوبات عن إيران، لكن بوجه عام فإن العوامل الإيجابية ستهيمن على السوق في الشهور المقبلة بفعل إعادة فتح الاقتصاد الأمريكي وانطلاق موسم القيادة الصيفي، وهو ما يعني طفرات في نمو الطلب على البنزين بشكل خاص، كما تشير الإحصائيات إلى ارتفاع الطلب على نواتج التقطير بمقدار 400 ألف برميل يوميا إلى أعلى مستوى في 11 أسبوعا”.

وأشار إلى تصريحات صادرة عن روسيا تؤكد استعداد مجموعة “أوبك+” للتعامل مع زيادة في المعروض قادمة من الدول المعفاة من خفض الإنتاج خاصة من إيران، حيث تراهن بعض التقارير الدولية على احتمال ارتفاع إنتاج النفط في البلاد إلى مستويات ما قبل العقوبات بنحو 3.9 مليون برميل يوميا بحلول العام المقبل.

ويشير مفيد ماندرا نائب رئيس شركة “إل إم إف” النمساوية للطاقة إلى أن الاقتصاد الأمريكي وهو أكبر منتج ومستهلك للطاقة في العالم يقطع خطوات متسارعة نحو الخروج من تداعيات الجائحة، لافتا إلى وجود مؤشرات قوية على تعافي الطلب مقابل تشديد الإنتاج بسبب الصعوبات التى لحقت بشركات الطاقة في العام الماضي وهو ما يثير تساؤلا حول إذا ما كانت صادرات النفط الخام المزدهرة في البلاد يمكن أن تتباطأ في الفترة المقبلة.

وأضاف أن “عديدا من تجار النفط الأمريكيين يرجحون احتمالية أن صادرات النفط الخام الأمريكي قد تنخفض إلى جميع الأسواق – ولا سيما إلى أسواق أوروبا ـ بسبب استمرار تضييق الفارق بين سعري خامي برنت والأمريكي، ما يعني خسارة خام غرب تكساس الوسيط القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية”.

من ناحيته، يقول أندريه جروس مدير شركة “إم إم إيه سي” الألمانية للطاقة “إن تعافي الأسعار هو أمر ملح لكل المنتجين رغم الحديث عن ضغوط تضخمية في دول الاستهلاك وحتى في الولايات المتحدة”، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يخفض منتجو النفط في الشرق الأوسط تحديدا عجز الموازنات بفضل ارتفاع أسعار النفط وإعادة فتح الاقتصادات وضبط أوضاع المالية العامة.

وأوضح أن عديدا من الدول المنتجة للطاقة التقليدية ومعها أغلب دول العالم اتخذت تدابير تقشفية العام الماضي للتعامل مع الصدمة المزدوجة لانهيار أسعار النفط والقيود الاقتصادية بسبب الوباء ونجح أغلبيتها في تجاوز تداعيات الأزمة، ويحدوها الأمل في استعادة معدلات نمو جيدة هذا العام.

وتضيف، ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة “أفريكان إنجنيرينج” الدولية أن “مجموعة “أوبك+” بقيادة السعودية وروسيا تؤكد دوما قدرتها على التعامل الجيد مع تطورات السوق خاصة مع احتمال زيادة العرض لو تم رفع العقوبات عن إيران”، مشيرة إلى أن المجموعة تقود بنجاح السوق وتمكنت من حماية الصناعة من التعرض لهزات عنيفة بسبب الامتثال المرتفع لقيود خفض الإنتاج التي وصلت إلى 115 في المائة الشهر الماضي مع الاستمرار في حث المنتجين المتباطئين على إجراء التعويضات اللازمة في المهلة المقررة حتى سبتمبر المقبل.

وأضافت أن “صناعة النفط الخام ستظل تعاني تداعيات أزمة الوباء إضافة إلى ضغوط سياسات المناخ وهو ما يتطلب تفاهمات أوسع بين المنتجين والمستهلكين والمنظمات الدولية”، لافتة إلى مبادرات مهمة حدثت أخيرا حيث يخطط أكبر منتجي الرمال النفطية في كندا لخفض الانبعاثات بنسبة 30 في المائة حتى عام 2030 من خلال استخدام تقنية التقاط الكربون وزيادة كفاءة الطاقة للوصول إلى مستوى الصفر من الانبعاثات بحلول عام 2050.

من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، تراجعت أسعار النفط أمس، لكنها ظلت داخل نطاق تحركاتها الضيق هذا الأسبوع، وذلك في الوقت الذي قوبل فيه تفاؤل بشأن موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة وأوروبا بقلق حيال الطلب في الهند وزيادة محتملة في الإمدادات الإيرانية.

وبحلول الساعة 09:34 بتوقيت جرينتش، هبط خام برنت 57 سنتا بما يعادل 0.8 في المائة، إلى 68.30 دولار للبرميل، ونزل الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 55 سنتا أو 0.8 في المائة، إلى 65.66 دولار للبرميل.

وقالت إدارة معلومات الطاقة “إن مخزونات الخام الأمريكية والبنزين ونواتج التقطير تراجعت الأسبوع الماضي، إذ عزز الرفع التدريجي للقيود المرتبطة بفيروس كورونا الطلب على وقود المركبات”.

وفي الوقت الذي تتلقى فيه السوق دعما من انخفاض مخزونات النفط الأميركية الذي فاق التوقعات، لا تزال هناك مخاوف بشأن تقلص الطلب في الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم.

كما أدى تمديد محتمل لإجراءات الطوارئ المرتبطة بكوفيد – 19 في اليابان إلى إثارة القلق بشأن نمو الطلب في رابع أكبر مستورد للنفط في العالم.

من جانب آخر، ارتفعت سلة خام “أوبك” وسجل سعرها 67.47 دولار للبرميل الأربعاء مقابل 67.41 دولار للبرميل في اليوم السابق.

وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك أمس، “إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثالث ارتفاع له على التوالي، وإن السلة كسبت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 95ر65 دولار للبرميل”.

Leave A Reply