«عدم اليقين» حول مستقبل الدعم يزيد الأسعار والتخزين والمضاربات

ذوالفقار قبيسي – اللواء

حكومة تصريف الأعمال تعرف في منطق السوق ومبادئ الاقتصاد ان «الحنجلة» بشأن مدى إمكانية الاستمرار في الدعم كليا أو جزئيا ومن حيث القيمة والكم والنوع ودفعة واحدة أم تدريجيا وبأي صيغة وكيف والى متى.. كلها أمور إذا بقيت في حالة الغموض وعدم اليقين، تفتح الباب على مصراعيه للمضاربات والاختلافات في أسعار مختلف السلع المعيشية والضرورية، وتزيد في درجة القلق وأحيانا الهلع بما يؤدي الى تخزين كميات كبرى من هذه السلع في المنازل والمستودعات أو تهريبها الى خارج لبنان، كلما ارتفعت أسعارها الى الحد الذي يشجع على التهريب وتحقيق أرباح طائلة ولو على حساب المواطن الذي يعاني من فقدانها من الأسواق كما هو حاصل في الكثير من أصناف الدواء أو ندرتها كما في العديد من أنواع السلع الأساسية التي إذا وجدت فإنما بأسعار مضاعفة تعصف بميزانية مجتمع بات أكثر من نصفه عند خط الفقر وربعه على باب الجوع!

والدليل الأكبر على العلاقة بين الغموض وعدم اليقين وارتفاع الأسعار ما يحصل أحيانا في معدل صرف الدولار الذي بعد أن دق باب الـ١٠ آلاف ليرة بات يطمح الى المزيد، وكل ذلك بسبب بقاء التأليف الحكومي عند حد السيف في خانة الاحتمالات والترجيحات.

والحالتان سواء التقلبات والتكهنات المتواصلة في مستقبل أسعار السلع أم في معدل صرف الدولار، تلقيان بثقلهما عل ميزانية الأسرة وحتى على أصحاب الأعمال ليس فقط لجهة العجز عن التخطيط والتدبر للمستقبل وبما يؤدي مع المزيد من الغموض والاضطراب الى المزيد من ارتفاع الأسعار والى اشتعال حدة المضاربات التي وحدها تحكم أسواقا باتت فالتة دون تخطيط وبلا أي رقيب أو حسيب.

الدرس الروسي…

وحول العلاقة الوثيقة بين الغموض والاضطرابات في الرؤية والمضاربات، يستذكر الاقتصاديون الفترة الانتقالية التي مرّت بها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عندما استدعى الرئيس الراحل بوريس يلتسين، الخبير الاقتصادي الأميركي «جيوفري ساخس» رئيس دائرة الاقتصاد في جامعة هارفرد والمستشار لعدد كبير من دول العالم وطلب إليه وضع خطة الانتقال من «الاقتصاد الموجّه» الى «الاقتصاد الحر» ولكن وبصورة تدريجية، كان جواب «ساخس» ان سياسة الخطوة تترك الاقتصاد في حالة الغموض وعدم اليقين وتتسع عندها دائرة التكهنات بما يشعل المضاربات ويعرض الأسعار للارتفاع والعملة للانهيار، وعندما أصرّ «يلتسين» على موقفه قائلا ان روسيا التي اعتمدت «الاقتصاد الاشتراكي» ٨٠ سنة لا يمكنها الانتقال الى «الاقتصاد الحر» في شهر واحد أو سنة واحدة، وإنما بصورة تدريجية من قطاع الى آخر. وكان جواب ساخس: «تصوّر حضرة الرئيس، ماذا يحصل لو أن بريطانيا اعتمدت الأسلوب التدريجي بالسماح للشاحنات الكبرى أن تسير على جهة اليمين مع ترك السيارات تسير على جهة اليسار! وهذا بالضبط ما سيحصل في الاقتصاد في حال التدرّج وعدم الحسم وترك الأمور تحت رحمة الغموض وعدم اليقين.. تماما لو اننا نحاول القفز فوق حفرة على مرحلتين أو ثلاث. النتيجة هي الوقوع في الحفرة قبل الوصول الى بر الأمان».

Leave A Reply